الشيخ حسين كوراني
ثلاثة عناوين أبرز، تختصر المشهد السياسيّ، والأمنيّ، والعسكريّ، في منطقتنا -غرب آسيا- هي:
1- تراخي قبضة الاستعمار الأميركيّ إلى أقصى الحدود.
2- لجوء أميركا إلى سياسة الهروب إلى الأمام، ولعب الورقة الأخيرة، والخاسرة «صفقة القرن».
3- محور المقاومة بقيادة الجمهوريّة الإسلاميّة، على مشارف تحرير المنطقة من الاستعمار الأميركيّ.
في مطاوي هذه الخطوط العامة والعناوين الأبرز، تقع الأحداث العاصفة العالميّة التي تشهدها الأمّة اليوم.
ولا يمكن فقه حقيقة هذا المشهد، وتحليل أحداثه، ومراحله منذ البدايات وإلى الخاتمة التي دخلنا في أخطر مراحلها، دون الرجوع إلى جذور شجرة الاستعمار الخبيثة، التي تقع في سياقها كلّ الخطط الاستعماريّة في هذه المنطقة من العالم.
تَشكّل وعينا الجماهيريّ المقاوم للاستعمار، على نصف الحقيقة: وهي أن «وعد بلفور» وإقامة الكيان الصهيونيّ «إسرائيل» بابُ جهنّمِ الاستعمار الذي فتحه على شعوبنا.
نصف الحقيقة الآخر، المغيّب، والأخطر، والمقوِّم -لولاه لما كان «وعد بلفور»، ولا أمكن إقامة «إسرائيل»- هو اعتماد بريطانيا ثمّ أميركا الوهّابيّة وآل سعود، كحاضنة لشذّاذ الآفاق الذين تجمّعوا في بحر الشعوب العربيّة والإسلاميّة، وهم بأمسّ الحاجة إلى مَن يحميهم من غضبة شعوب المنطقة.
هذه الحاضنة التي هي من داخلنا -ولو في الظاهر- هي التي تشكّل بالتدريج الرافعة الضروريّة للكيان الصهيونيّ، عبر كسر الحواجز النفسيّة تجاهه، لتمكينه أولاً، ثمّ ليتمدّد أمنيّاً وعسكرياً.
واهمٌ جداً، ويذهب في الجهل عريضاً، من يظنّ أن نصف الحقيقة المغيّب هذا، معروف، طالما تحدّث عنه الرئيس المصريّ الراحل «جمال عبد الناصر»، والمنظّرون اليساريّون للثورة والتحرّر، ومواجهة أدوات الاستعمار.
يؤكّد هذا الوهم وهذا الجهل، أنّ نصف الحقيقة المغيّب هو يهوديّة الوهّابيّة، ويهوديّة آل سعود، وليس عمالتهما للمستعمر وحسْب.
آل سعود يهود، تبنّوا الوهّابيّة اليهوديّة، وتسلّلوا بدعم الصهيونيّة والاستعمار -بمراحله- إلى زعامة العالم الإسلاميّ، باسم «أهل السنّة والجماعة» فأقصَوْا مراكز القرار السُنّية، وشوّهوا السنّة، ومزّقوا الجماعة، تحت ستار محاربة «الشيعة» و«البِدع» و«التطرّف». كلّ ذلك بعض من خدمة آل سعود ووهّابيتهم -وفاء ليهوديّتهم- للصهيونيّة العالميّة، والكيان الصهيونيّ.
لا يكاد ينقضي العجب، كيف أن هذه الحقيقة الأوضح من الشمس للباحث الموضوعيّ والجادّ، قد جرى طمسها إلى حدّ أنّ ملك آل سعود يسمّى «خادم الحرمين الشريفين»! ويتعامل أكثر المسلمين معه على هذا الأساس.
والأدهى أن التسريبات الإعلاميّة في مسار «صفقة القرن»، تتضمّن أنّ اللقب الجديد لملك السعودية، سيكون «خادم الحرمين الشريفين والأقصى الشريف»!!
لن أذكر هنا من دواعي العجب الشديد من طمس حقيقة يهوديّة آل سعود إلا دليلين:
الأول: قال «إسحاق بن زيفي» الرئيس الثاني لدولة الكيان الصهيونيّ في كتابه (القبائل المتناثرة): «وهناك طائفة هامّة أخرى هي طائفة الوهّابيّة وهي مسلمة في الظاهر، إلا أنها تقيم سرّاً الشعائر اليهوديّة».
الثاني: قال الضابط البريطانيّ الشهير «جون فيلبي» في مذكّراته، وهو يتحدّث عن لقائه برئيس الكيان الصهيونيّ «بن غوريون»:
«قال بن غوريون، وابتسامة الرضى بادية على وجهه: (إذاً، أنت ما زلت، أيها العظيم، على علاقة حسنة بالرجل العظيم؟)، قلت لابن غوريون: (مَن تقصد بالرجل العظيم؟). فقال بن غوريون: (وهل هناك مقصود في المنطقة العربيّة غير ابن العمّ عبد العزيز آل سعود؟)».
أضاف فيلبي: «قال بن غوريون كلمة (ابن العم) وهو مدركٌ تماماً معرفتي بتسلسل النسب السعوديّ المنحدر من قبيلة بني القَيْنُقاع اليهوديّة، ثمّ أخذ بن غوريون يعدّد لي زعماء وملوك وقادة اليهود الذين دخلوا الدينين المسيحيّ والإسلاميّ، وغيرهما من الأديان، لخدمة الهدف اليهوديّ، والذين حكموا العالم عملاً بتحقيق الغاية الكبرى لبني إسرائيل، فأورد أسماء كثيرة. واختتم بن غوريون حديثه عن ملوك وقادة بني إسرائيل عبر التاريخ مفاخراً، بقوله: (وهكذا ترى يا شيخ عبدالله -اسم جون فيلبي الذي كان يعرّفه به عبد العزيز- كيف كان ملوكنا وقادتنا عبر التاريخ صنّاع حضارة وتاريخ ومجد من عهد سليمان وداود إلى عهد ابن السعود)»( التاريخ الأسود من مذكّرات جون فيلبي. بقلم ناصر السعيد).
يهوديّة آل سعود، هي المدخل الحصريّ إلى فهم تاريخ المنطقة والأمّة، منذ بدء الغزو الاستعماريّ وإلى ما بدأ ينكشف بعد طرح «صفقة القرن» من خطواتٍ متسارعة في الإعلان عن التحالف والتماهي الخليجيّ - «الإسرائيليّ».
ويهوديّة الوهّابيّين وآل سعود، هي المدخل الحصريّ إلى فهم تاريخ الإمبراطوريّة الأمويّة، وامتدادتها الثقافيّة والسياسيّة عبر الإمبراطوريّة العباسيّة، وصولاً إلى ابن تيميّة ثم إلى ابن عبد الوهّاب وتبنّي آل سعود لدعوته الوهّابيّة، التي يصرّح جون فيلبي أنه كان يعمل جاهداً على نشرها لتثبيت ملك آل سعود.
ويشكّل هذا المدخل الحصريّ في المجالين: يهوديّة آل سعود ، ويهوديّة الوهّابيّة المدخل الحصريّ إلى فهم الحقائق المركزيّة التالية:
1- أن التحالف الوهّابيّ السعوديّ - «الإسرائيليّ» الذي يتوالى الآن ظهور بعض فصوله إلى العلن، هو امتداد تحالف أبي سفيان مع يهود المدينة المنوّرة لمواجهة الإسلام، وقد استمرّ هذا التحالف علنياً إلى فتح مكة، وبعد الفتح استقرّ أبو سفيان في المدينة المنوّرة على مقربة من حلفائه اليهود، وفي المدينة قال أبو سفيان: «تلقّفوها يا بني أميّة تلقُّف الكرة، فوَالذي يحلف به أبو سفيان لا جنّةَ ثَمَّ ولا نار، وإنما هو الملْك». تماهى الحقد الأمويّ على الإسلام، مع الحقد اليهوديّ، وتواصل التحالف بينهما سرّاً، وفي سياقه أرسى معاوية منهجاً تحريفياً في البعدين الثقافيّ والسياسيّ، هو المنهج الأمويّ الذي اضطُرّ العبّاسيّون لاعتماده للحفاظ على سلطانهم.
2- أن سورة «الإسراء» أو «بني إسرائيل»، هي التحذير الإلهيّ الأعظم من خطر هذا التحالف الأمويّ - اليهوديّ، والدليل هو أنّ الآية الستّين من هذه السورة تتحدّث عن بني أميّة، وتصفهم -أو تصف تحالفهم مع اليهود- بالشجرة الملعونة في القرآن.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾. (الإسراء:60)
خلاصةُ تفسير هذه الآية في أبرز المصادر، أنّها إمّا نصٌّ في بني أميّة -إلا بعض الأفراد- أو نصٌّ في مفهومٍ ينطبق على بني أميّة دون ريْب، سواء كان هذا المفهوم «شجرةَ الزّقوم»، أو الكفّار، أو المنافقين.
نقرأ في (تاريخ أبي الفداء، ت: 732 هجريّة، ج 2 / ص 57): «قال الله تعالى في كتابه العزيز : ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ﴾، اتّفق المفسّرون أنّه أرادَ بها بني أميّة» .
ولَئِن أمكنَ للبعض بدوافع أمويّة أو رواسبها - أن يحاول صرف «الشّجرة الملعونة» عن «بني أميّة»، فإنه لم يتمكّن من صرف انطباق «الرّؤيا»، عن رؤيا النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، بني أميّة «يَنزُونَ عَلَى مِنْبَرِه نَزْوَ القِرَدَةِ، فَمَا اسْتَجْمَعَ بَعْدَ هذه الرّؤيا ضاحكاً» .
3- أن الحوادث العاصفة التي شهدتها المنطقة بعد حرب تمّوز وإلى زيارة نتنياهو إلى عُمان، مروراً باحتلال آل سعود للبحرين، وما سُمّي بالربيع العربيّ، والمجازر الداعشيّة المتنقّلة، والحرب المدّمرة على اليمن، ليست إلا تنفيذاً لخطط التحالف الأمويّ - اليهوديّ لإعادة التوازن الذي اختلّ إلى أبعد مستوياته مع نهاية «حرب تمّوز»، وعندما لم تُجْدِ كلّ تلك الحروب نفعاً، ولا لاحت بوادر إحراز النصر، كان الهروب المذعور إلى الأمام عبر «صفقة القرن».
4- أن الملك سلمان بن عبد العزيز «القينُقاعيّ» يعتمد الوهّابيّة الأمويّة - اليهوديّة، لتنفيذ مخطّطات التحالف الأمويّ - اليهوديّ الذي أسّسه أبو سفيان مع يهود المدينة المنوّرة، ولا يُنجز ابنه وبُرقعه محمّد بن سلمان مهامّه إلا وفق خطّة أبيه، وهما معاً الورقة الأربح في مقامرات الصهيونيّة العالميّة بمصائر شعوب منطقتنا، ومقدّراتها والمقدّسات.
يعزّزُ تَراكُم انتصارات محور المقاومة أنّ صفقة التحالف الأمويّ - اليهوديّ هي صفقة القرن الخاسرة.
المصدر:مجلة شعائر