فأجاب عليه السلام:
يا جنادة! استعد لسفرك وحصّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همَّ يومك الذي لم يأت على يومك الّذي أنت فيه، واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلّا كنت فيه خازناً لغيرك، واعلم أنّ الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت منه كما أخذت من الميتة، وإن كان العقاب فالعقاب يسير، واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عَزَّ وجَلَّ، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا أخذت منه صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك وإن قُلتَ صَدَّق قولك، وإن صُلتَ شَدَّ صولَتَك، وإن مددت يدك بفضل مدّها، وإن بدت منك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها، وإن سألت أعطاك، وإن سكت عنه ابتدأك، وإن نزلت بك إحدى الملمّات واساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسماً آثرك.
المصدر: كتاب أعلام الهداية