أمل الياسري
تبرز الحاجة لأهمية تسليط الضوء على الدور الإعلامي، بجانب الدور الرسالي الذي أدته المرأة، بواقعة الطف ومابعدها، فحين تواجه حرباً تضليلة من قبل الأعداء، ليوهموا العالم بأحاديثهم الزائفة، أن مسير الإمام الحسين لكربلاء، يعد خروجاً على طاعة الخليفة كما يدعون، ولكن أن تقف إمرأة ومن أصول قبطية بالضد، لتثبت للمأزومين صدق نوايا الإمام، بأنه خرج لطلب الإصلاح في أمة جده (صلواته تعالى عليه وعلى آله) ومارية بنت منقذ العبدي، هي مَنْ وقفت هذا الموقف الكبير.
شاءت الإرادة الإلهية أن تقف هذه السيدة البصرية، لتأخذ دورها في قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، قبل إستشهاده مدركة حجم الثورة التي سيقودها، ولتعيش كربلاء خالدة على مر العصور وكر الدهور، كما أن زوجها وأولادها إستشهدوا بواقعة الجمل، مضافاً عليه أن جدها وأبوها من النصارى الأقباط، أعلنوا إسلامهم وشهدوا بيعة الغدير، وأبرز ما يميز مواقف هذه السيدة، أنها وضحت للأمة أن الحسين ليس للمسلمين فقط، بل هو تتمة رحمة محمدية علوية، نزلت من السماء للإنسانية جمعاء.
أهل البصرة ودعوة الحسين
بعث الإمام الحسين (عليه السلام) رسالة إلى رؤساء الأخماس في البصرة وإلى أشرافها بيد سليمان بن رزين مولاه ومن هؤلاء الأشراف الذين خاطبهم الإمام الحسين في رسالته: مالك بن مسمع البكري والأحنف ابن قيس والمنذر ابن الجارود ويزيد بن مسعود النهشلي ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم وعمرو بن عبيد الله بن معمر بنسخة واحدة وقد جاء في الرسالة:
(أما بعد.. فإن الله اصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله) على خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به، وكلنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس فأستأثر علينا قومنا بذلك فأغضينا كراهية للفرقة ومحبة للعافية ونحن نعلم أنّا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه ، وقد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، فأن السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحيت ، فأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد.)
وقد بلغ يزيد خبر رسالة الحسين إلى الكوفة والبصرة فكتب إلى عامله بالبصرة وأمره أن يحكم قبضته على الطريق فوضع ابن زياد والي البصرة مسلحة ممتدة من البصرة إلى القادسية بقيادة الحصين بن نمير التميمي. وكانت الشيعة تجتمع في منزل (مارية ابنة منقذ العبدية) وكان دارها مألفاً للشيعة يجتمعون فيه ويتحدثون.
حينما وصل نبأ رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) إلى أسماع مارية يدعو فيها رؤساء الأخماس إلى النهضة معه في ثورته الإصلاحية المباركة وإنه لم يجبه منهم إلا القليل وتخلف عن دعوته الكثير دعت أشراف قومها وجلست تبكي ولما سألوها عن سبب بكائها وهل أغضبها أحدهم؟ قالت لهم: (ويلكم ما أغضبني أحد، ولكن أنا امرأة ما أصنع؟ سمعت أن الحسين ابن بنت نبيكم استنصركم وأنتم لا تنصرونه)..!
الله أكبر هذه المرأة العظيمة دلت قومها على الرشد وهي حبيسة بيتها!! وإذا كانت زرقاء اليمامة كانت تريد إنقاذ قومها من الموت فإن هذه المرأة كانت تريد لهم الخلود في الدنيا والآخرة ولكن لا حياة لمن تنادي!!
لما سمع قومها كلامها ظلوا يحدقون ببعضهم وكل ينتظر من صاحبه الجواب المتخاذل ليكون له ذريعة بالانصراف والهروب من هذا التقريع!! ألا شاهت الوجوه.. (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) إي والله لقد رضيتم بحياة الذل بتخاذلكم والموت في زوايا العبودية والخنوع..
لم يجدوا جواباً ووجمت نفوسهم الخانعة فتذرّع بعضهم بعدم امتلاكه السلاح والراحلة ونفقة السفر إلى الحسين، ولكن السيدة مارية كانت تتوقع هذا التبرير الواهي كما كانت مستعدة لإزالته في نفس الوقت فقد كانت امرأة غنية فجمعت كل ما تملك من أموال وهيّأته لهذه اللحظة فما إن اعتذر قومها بهذا العذر حتى جاءت بكيس مليئ بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية وأفرغته أمامهم وقالت: (فليأخذ كل منكم ما يحتاجه وينطلق إلى نصرة سيدي ومولاي الحسين)!!.
لكن عندما وصلتها الأخبار، بشأن مصرع الإمام الحسين (عليه السلام)، وسبي عياله وفرح الطاغية وأهل الشام بمقتله، بقيت جالسة عند باب دارها تردد بلوعة: لستُ أبكي لأمر لي، إنما بكائي للحسين، فقد سمعتُ أنه يستصرخكم ويستنصركم فلم تجيبوه، أوليس هو إبن بنت نبيكم؟ أليس هو أبن الزهراء والمرتضى؟ أليس هو حبيب رسول الله؟
مارية بنت منقذ العبدي سيدة من أهل البصرة، أرملة شهيد وأم لشهداء، لم تخف في الله لومة لائم، فناصرت وجاهدت في سبيل قضية الحسين وكربلاء، بأموالها، ولسانها، وبكائها، لتقف موقفاً مشرفاً، لم يستطع رجال وقوفه في زمن الطاغية آنذاك، وقد أصرت على إقامة العزاء والمآتم، وذكر مصائب آل البيت، حتى لحقت بربها راضية مرضية، لذا كلما علا صراخ لسيدة نصرانية باكية على عذابات المسيح، فلتنذكر صوت مارية النادبة على الحسين: لقد قتلتم إبن بنت نبيكم!
أروع حالة التمايز وتوزيع الأدوار بين الرجل والمرأة،هو أن يكون دورها مكملاً له، فقد كان زوجها مجاهداً، مع ولي المسلمين علي (عليه السلام)، ضد المنافقين بواقعة الجمل، حتى إستشهد مع أولاده فإكتمل العقد الولائي، بموقفها المشرف لنصرة الإمام الحسين، ولا شك أن لها موقفاً متميزاً أيضاً مع الإمام الحسن، فهما إماما هذه الأمة، وسيدا شباب أهل الجنة، لتحمل بذلك رسالة واضحة للبشرية، بمكانة المرأة في القضايا المصيرية، خاصة وأن كربلاء من أهم عوامل بقاء الدين والعقيدة.
المصدر:مواقع مختلفة بتصرف