مجتبى السادة
مبررات موقف الإباضية من المهدي المنتظر وأشراط الساعة :
رفض الإباضية معظم روايات الملاحم والفتن التي وردت في مجموعات الحديث عند كثير من المدارس الإسلامية لأنها صورت أن النبي صلى الله عليه وآله يعلم الغيب ، وأنه أخبر ببعض الظواهر والحوادث التي ستحصل قبل يوم القيامة ، واعتبروها مخالفة للقواعد وللأصول المستوحاة من مذهبهم وذلك للأسباب التالية من وجهة نظرهم :
1-مخالفة لمنهج القرآن الكريم ، حيث إن النبي محمد صلى الله عليه وآله هو آخر الأنبياء والمرسلين ، ولذا فعودة المسيح خرم صريح لهذه العقيدة.
2-بروز الطابع المثيولوجي الأسطوري ، وهي عبارة عن خوارق العادات والنواميس والسنن الكونية ، كروايات المخلّص المنتظر وعودة عيسى (ع) وظهور الدجال.
3-تفاعل روايات آخر الزمان مع أحداث زمن تدوينها ، حيث تتحدث عن أسلحة بدائية (السيف ، الرمح ، الحربة ...) ، وهذا يتناقض مع تطور آخر الزمان.
4-إن فكرة المخلّص المنتظر تسربت إلى المسلمين عن طريق مسلمة أهل الكتاب وهي ذات أصول ونزعه يهودية ، لا سيما أن كعب الأحبار أحد رواتها .
5-روايات آخر الزمان تعطل الطاقات وترسخ قيم الاستبداد والظلم في النفوس ، وبخاصة روايات المهدي المنتظر (ع) ، فإنها تصب لصالح الانتظار السلبي وقيام الفرد المطلق (السوبرمان) بقضية الإصلاح .
إن قراءة متأنية للمبررات التي أثارها الإباضية عن المهدي المنتظر وأشراط الساعة ، توضح لنا مدى ضعف منهجهم في التعامل مع هذه القضية الخطيرة (الإمامة) ، وتدلنا وجهات نظرهم على بساطة تفكيرهم ، فليس لديهم مايدعم رأيهم وإنكارهم من الأدلة والمستمسكات الموثوقة ، بل الدليل قائم على خلاف ما يذهبون إليه ، والبرهان ساطع وقاطع على صحة العقيدة في المهدي ، لثبوت الدليل من آيات القران الكريم ، وتواتر الأحاديث الشريفة .. وما التبريرات التي ساقوها إلا دليل على ضعفهم في علوم القران وأصول الحديث .. وكيف لا يكون ذلك وأهم كتاب حديث لديهم مسندهم الصحيح الأول ، والذي يرجعون إليه في الأحاديث النبوية – من وجهة نظرهم – مسند الربيع بن حبيب ، لا يحتوي إلا على 754 حديثاً فقط ومدونة أبي غانم الخراساني لا يحتوي إلا على 140 حديثاً فقط ، وهذا يخالف المنطق والواقع والتاريخ وعلم الحديث المتعارف عليه عند جميع الفرق الإسلامية ، ولذا لا نستغرب خلوّ مجموعاتهم الحديثية التي رووها من طرقهم (على قلتها وقلة احاديثها ) من هذا الصنف من الروايات .. وفوق كل ذلك لم يخلُ صحيحهم الأول (مسند الربيع) من روايتين (حديث 55 ، وحديث 495) تذكر الدجال بصراحة .. ومن هنا نؤكد أن كل هذه التبريرات حسب مقاييس البحث العلمي ليس لها قيمة علمية.
خلاصة القول:
يتضح لنا من تتبع أقوال علماء الإباضية ، ومن البحث في جذور نشأة المذهب الإباضي ، ومن خلال بعض مؤلفاتهم والحوارات والنقاشات التي دارت معهم بخصوص المهدي المنتظر ما يلي :
شعور الإباضية بالمأزق الذي أوقعتهم فيه عقيدتهم في الخلافة (الإمامة) ، لرفضهم حديث الرسول صلى الله عليه وآله (كلهم من قريش) – وإن كانت هذه النظرية تخالف الحديث رقم 45 في الجامع الصحيح الأول لديهم – فبدأ كبار علمائهم يراجعون قضية الخلافة وفكرة المهدي المنتظر (ع) ، فجاؤوا بنظرية إنكار أمر المهدي المنتظر (ع) من الأساس ، وساقتهم النظرية كذلك إلى إنكار عودة السيد المسيح (ع) وخروج الدجال وظهور دآبة الأرض ويأجوج ومأجوج وكثير من أشراط الساعة ، ليخرج الفكر الإباضي في نظرهم من المأزق الذي ألم به والجمود الذي أتحفتهم به نظريتهم الأولى في السياسة وعقيدتهم في الخلافة.
لذا تجد أن علماء المذهب الإباضي القدماء لم يحسموا أمرهم في موضوع المهدي المنتظر (ع) بعكس علمائهم المتأخرين الذين اتفقوا على الإنكار ، فالخط العام الذي انتهجه جمهور علماء المذهب الإباضي من قضية المهدي المنتظر (ع) – من خلال تتبع مؤلفاتهم - والتي سكتوا فيها عن الخوض في هذه القضية وأمثالها .. وإن كانت بعض الكتابات أشارت إلى موضوع المهدي المنتظر (ع) بكل صراحة ككتاب (الدليل والبرهان) لأبي يعقوب الوارجلاني ، ووفاء الضمانة للقطب .. ولكن يلاحظ بشكل عام أن المدرسة الإباضية خلت مروياتها من الغالبية العظمى من روايات المهدي ، كما خلا التنظير الفقهي والعقدي عبر تاريخ الإباضية من الاهتمام بهذه القضية ..
إن المتتبع لآراء علماء المذهب الإباضي في أحاديث الملاحم والفتن يقرأ فيها تهم جريئة يوجهونها إلى حفاظ السنة ورجال الصحاح والجوامع الحديثية ، بالإضافة لتفسيرهم بعض آيات القران الكريم ذات العلاقة بالمهدي المنتظر (ع) بغير تفسيرها ومواردها الصحيحة ، وهم يقصدون من وراء ذلك تسهيل طريق الإنكار ، إذ ألجأتهم الضرورة المذهبية إلى إنكار بعض الحقائق الدامغة للمحافظة على أسس ومبادئ مذهبهم.
من هنا نفهم الدوافع لإنكار أصل فكرة المهدي المنتظر ، وقولهم بضعف الروايات واختلاقها ، والعجب من ركوب علماء الإباضية هذه الجرأة المفضوحة ، إذ أن روايات المهدي المنتظر ذكرتها كل الجوامع الحديثية والصحاح والمساند عند الفرق الإسلامية كافة ، وخرجوها من عدة طرق وقال بتواترها معظمهم .
لذا فإن منهجهم المشكك في أمر المهدي بمثل تلك التبريرات والتوهمات والمغالطات المنكرة ، فضلا عن تعارضه مع الأصول المعتبرة الإسلامية من أدلة قرآنية وروايات متواترة ، ينطلق من دوافع وأهداف لا تنسجم مع منهج الإسلام العام .. فالمبادئ الإسلامية تقوم وتعتمد في جانب مهم منها على ضرورة الإيمان بالغيب ، وقد تكررت الدعوة (الإيمان بالغيب) لعشرات الآيات الكريمة بل مدحت المؤمنين به.. ونتساءل هنا: ما هي الغيبيات التي يؤمن بها أتباع المذهب الإباضي في هذه الحياة ؟ والسؤال الذي يلفت النظر: ماهي الأدلة التي يبحث عنها الإباضية في موضوع المهدي المنتظر؟ .. إذ ليس هناك من سبيل إلى ثبوت مثل هذه الأمور إلا بالأدلة المعتبرة ، وهل بعد ذكر القرآن الكريم وآياته كلام ، وهل نحتاج إلى دليل آخر ، بالإضافة للروايات المتواترة والأخبار الصحيحة المروية عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وتوفر الشواهد وقيام القرائن والمؤيدات من العقل والمنطق ، وقد ثبت من كل هذه الجهات في أمر المهدي المنتظر .
الغريب أن الإباضية يتوسلون بنفس الذرائع ، ويتعللون بنفس الحجج والمبررات التي توسل بها منكرو ما جاء من أنباء الغيب .. فإن كانوا يقولون إن أحاديث المهدي تخالف العقل فليوجهوا النقد إلى القرآن لأنه الذي بشر به وصنفه كوعد إلهي ، وإن كانوا يقولون كيف لشخص يعيش مئات السنين فليوجهوا نقدهم للقرآن كذلك لأنه يخبرنا عما يخالف الطبيعة في عمر النبي نوح (ع) والسيد المسيح (ع) وعمر إبليس ، وهذا منطق القرآن الكريم .. وعلاوة على ذلك ما الذي يضر فكرة المهدي إذا آمن بها اليهود وكافة الأديان والمذاهب ونسجوا حولها خيوطاً من الآمال ، ولو أردنا أن نبطل كل فكرة أو حق آمن وتمسك به اليهود والنصارى لأبطلنا حقائق عديدة كالتوحيد والصدق والأمانة وتحريم الربا وأكل لحم الخنزير.. الخ.
وأرى أني أمام حقيقة لاذعة ، يسوقني إليها الموضوع ، ومضطر للجهر بها وهي: أن مصادر التشريع عند الإباضية كما يقولون هي: القرآن والسنة والإجماع والرأي ، ففي نظرتهم إلى المهدي المنتظر (ع) وإنكار أمره قد خالفوا القرآن الكريم (المصدر التشريعي الأول) حيث فسروا الآيات القرآنية الدالة عليه والمبشرة به في غير موردها الصحيح ، وخالفوا السنة النبوية الشريفة (المصدر التشريعي الثاني) حيث كذبوا كل الروايات المتواترة والأخبار الصحيحة واعتبروها مختلقة موضوعة ، وخالفوا إجماع المسلمين (المصدر التشريعي الثالث) بمذاهبهم وأطيافهم كافة بالإيمان بفكرة المهدي المنتظر ، وهكذا تمسك الإباضية برأيهم الشاذ بإنكارهم أمر المهدي وذلك للحفاظ على نظريتهم الأولى والتي قام عليها مذهبهم – وتتفق عليها كل فرق الخوارج – بأن الخلافة (الإمامة) في نظرهم لا تنحصر في قريش وهو مخالف لما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله، فكيف يتم الإيمان بالمهدي والروايات تؤكد أن المهدي من أهل البيت عليهم السلام ، ومن بني هاشم ، ومن أولاد فاطمة عليها السلام ، إذاً المهدي من (قريش) وهذا ما يتعارض مع مبادئ وأسس مذهبهم ولذا لم يكن هناك من مفر إلا بإنكار أمر المهدي، وإن كان ذلك يتعارض مع المصادر التشريعية، فإنكار أمر المهدي من وجهة نظرهم أسهل من نسف أساس المذهب .
إن فكرة المهدي كعقيدة نشأت من القول بضرورة وجود إمام معصوم في كل جيل حافظ للشريعة وقرين للكتاب ، وقد ترك النبي محمد صلى الله عليه وآله ثقلين لا يفترقا حتى يردا عليه الحوض ، وشهد القرآن لكل واحد من هذين الثقلين بالعصمة والتسديد والحفظ ، وهذا هو المبدأ الحقيقي لفكرة المهدي المنتظر (ع) عند الشيعة الإمامية .. وإذا حتم الدليل وجوده وبقاءه لأنه الأخير من قرناء الكتاب ، فليكن غائباً إذا أوجبت الحكمة الإلهية أن يغيب ، فإن الاختفاء لا يضر بشأن من شؤونه ، كما لا يضر بالشمس سترها من وراء السحاب .. خاصة إذا علمنا أن الإيمان بالمهدي المنتظر عقيدة ورسالة يريد الله تبليغها إلى كافة البشر مصداقاً لقولة تعالى : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} .. وأخيرا نقول كما قال تعالى : {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }.
المصدر:كتاب رؤى مهدوية
إقرأ أيضا:المهدي(ع) في الفكر الإباضي...الإمام المهدي خرافة؟؟!!!