تعد ذاكرة كربلاء الجرح الأكثر بقاءً على مر العصور وكر الدهور، لأن جميع مَنْ قاتل مع الحسين (عليه السلام) حققوا النصر بدمائهم، وسعوا للشهادة فرحين مستبشرين ببيعهم، وقد برز دور كبير للنساء كما الرجال بواقعة الطف، فمسيرة السبايا ملحمة، سُجِل فيها الألم الكربلائي ممزوجاً،بإنتصار معسكر الحق العلوي على صعاليك الفسق الأموي، وكانت صرخات بنات هاشم مدوية، أرعبت مجلس يزيد وأذنابه، فهذه أم كلثوم تهتف: ويلكم أي دماء سفكتموها، وأي كريمة أصبتموها، وأي صبية سلبتموها؟
ما يروج له المنافقون،بشأن الجانب الحضوري لبنات أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، هو أشبه بالخرافة حين تعني الإعتقاد، الذي يفتقد الى أساس علمي ومنطقي يتقبله العقل،وهذه الأخبار الملفقة هدفها الإستخفاف بالجنبة المعنوية، للشخصية الثائرة المناهضة للإستبداد، وإزالة الروح المطالبة بالجهاد ضد الطغيان للإنحراف بالأمة، والإقبال على الإسلام بأسلوب خاطئ، وهذا هو ديدن بني أمية، للنيل من بنات علي(عليهن السلام)، والسبب أن قضية كربلاء على أيديهن زادت علواً وإرتفاعاً، وإنخفضت راية الباطل ذلاً وإنتكاساً.
أشد المسائل إختلافاً بين المؤرخين، وخاصة ممَنْ إمتلأ قلبه بدنانير الطاغية يزيد، أن يشيع أراجيف حول السيدة الفاضلة زينب الصغرى، التي تكنى بأم كلثوم.
وُلِدت في السنة السادسة للهجرة، كما أن إسمها ورد ذكره بكتاب اللهوف في قتلى الطفوف، للمحدث الثقة إبن طاووس حين قال:(ولدت لعلي أمير المؤمنين، في السنوات الأخيرة من عمر النبي، وكانت إمرأة جليلة، وفصيحة، ومتكلمة، وعالمة)، وقد شاركت أختها زينب الكبرى في جميع مصائب كربلاء، وهي التالية لشقيقتها فضلاً وسناً وبلاغة.
الأدلة التأريخية لحضور السيدة أم كلثوم في كربلاء، حين نظر الإمام الحسين(عليه السلام)الى أثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى، إلتفت الى المخيم نادى:(يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا أم كلثوم، عليكن مني السلام)كما أن المشهور لوفاتها أنها فارقت الحياة بعد واقعة الطف، بأربعة أشهر من رجوعها مع السبايا، وهي تقول: أي دواهٍ دهتكم؟ وأي وزرٍ حملتم فوق ظهوركم؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي، فنُزِعت الرحمة من قلوبكم، ألا إن حزب الله هم الغالبون).
دليل ثان يبرز في واقعة الطف عن وجودها (عليها السلام)، أنها متزوجة من إبن عمها، محمد بن عقيل بن أبي طالب، الذي إستشهد مع إخوته، فمن الطبيعي أن تشارك الهاشميات محنة زوجها من آل عقيل، ومصائب البيت الحسيني، لأنها نمت برعاية أخويها، السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام)، فمَنْ تأدب بآداب علي بن أبي طالب، لا يسعه إلا أن يكون في مقدمة القرابين الطاهرة، لبذل المهج دون الحسين (عليه السلام) فهي قضية ثأر الله وإبن ثأره.
إصرار الحسين(عليه السلام)مرافقة النساء له، في مسيرة الإيثار لكربلاء، لم تكن غرضاً دعائياً لخروجه، بل كان لها أبعاد خطيرة وكبيرة، أدرك الإمام زين العابدين (عليه السلام)نتائجها،عندما تولينَ حمايته من أزلام الطاغية، لأنه كان مريضاً فقمنَ بالحفاظ على حياته الشريفة، وليكنَ لسان حال يفضح مدى وحشية الجرائم التي إرتكبت بحق العترة الطاهرة، وليثبتن أن النساء لا يقل دورهن أهمية عن الرجال، فالدور الإعلامي الذي لعبنه كان عظيماً، أثّر على مسيرة أمة بأكملها والسيدة أم كلثوم إحداهنَّ.
الدليل الثالث:
يقول ابن طاووس: عندما ودَّعَ الحسين أهله، نادت أم كلثوم: يا أبا عبدالله! الويل لنا بعد مصابنا بفقدك. وهدأها الإمام(ع) وهدأ زينب عليها السلام ورباب.
الدليل الرابع:
عندما كانت أسرة (الحسين) أسرى، جاء الكوفيون بالطعام للأطفال، فصاحت أم كلثوم: يا أهل كوفة إن الصدقة محرمة علينا أهل البيت.و جاءت في رواية أنه عند ورود قافلة السجناء إلى الشام، طلبت أم كلثوم شمراَ أن يذهب برؤوس الشهداءإلى خارج جمع الأسرى كي تقل النظرات إليهن.
الزوج و الأولاد
ينقل بعض المؤرخين(و ينكره الآخر) أن أم كلثوم تزوجت في بداية الأمر من عُمَر بن الخطاب ثم بعد موته تزوجت من ابن عمها "عون بن جعفر بن أبي طالب".وكذلك تزوجت بعد وفاة عون من أخيه"محمد" وبعد وفاته تزوجت من أخيه الآخر"عبدالله."مسعودي يعتقد أنها لم تنجب. البعض يرون "زيدا" و" رقية" من أولادها وكلاهما من عُمَر بن الخطاب.يذكر إبن عنبه في عداد أولادمسلم بن عقيل بنتا بإسم "حميدة" التي كانت أمها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب . يقول السيد محسن الأمين: وهذا الخبر يدل على أنّ مسلم بن عقيل تزوج من بنت عمه أم كلثوم، لكنها غير أم كلثوم الكبرى؛ لأنه لم ينقل هذا الأمر أحد. وربما هو زوج أم كلثوم الوسطى.
زواج أم كلثوم من عمر بن الخطاب
طبقا للمصادر الروائية والتاريخية وكتب تراجم الشيعة والسنة تزوجت أم كلثوم بنت علي بن ابي طالب (ع) من عمر الخليفة الثاني.ونقل أن زواجهما كان في شهر ذي القعدة في السنة السابعة عشرة للهجرة. في مقابل هذه الجماعة أنكر هذا الزواج بعض علماء الشيعة مثل الشيخ المفيد حيث قال في أجوبة المسائل السروية:
المسألة العاشرة : ما قوله حرس الله مهجته في تزويج أميرالمؤمنين بنته من عمر إبن الخطاب، وتزويج النبيّ بنتيه زينب ورقيةمنعثمان؟
الجواب : إنّ الخبر الوارد بتزويج أميرالمؤمنين إياها من عمر غير ثابت، وهو من طريق زبير بن بكار، وطريقه معروف لم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متهماً فيما يذكره، وكان يبغض أميرالمؤمنين ، وغير مأمون فيما يدّعيه عنه علي بن هشام، وإنّما نشر الحديث إثبات أبي محمّد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه، فظنّ كثير من الناس أنّه حق له رحمه الله لروايته رجلعلوي، وإنّما رواه عن زبير بن بكار. ويذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني عدة كتب ألفت في الرد عن وقوع مثل هذا الزواج.
إذن رواية زواجها من عمر موضوعة بلا شك، فكل الدلائل التاريخية والعقلية تشير إلى ذلك، وأول دليل على كونها موضوعة هو أن أول من قال بها كان من المتأخرين جداً عن تلك الفترة ـــ أي الفترة التي عاشت فيها السيدة أم كلثوم وعمر ـــــ ولم يروِها أحد قبله من الذين عايشوا هذه الفترة ولا الفترة التي بعدها، ثم إن الراوي كان من الوضّاعين الكذابين كما أشارت إلى ذلك كل المصادر التاريخية، كما كان متهماً في عقيدته ودينه.
فراوي هذه الرواية أو بالأحرى واضعها هو: (الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام) الذي لا يختلف اثنان من المؤرخين وغيرهم على كذبه وتدليسه، ووضعه للحديث والرواية، كما لا يختلف اثنان على أنه كان من أشد الناس عداوة لأهل البيت .
والروايات التي ذكرها المؤرخون حول كذبه ووضعه للحديث كثيرة جداً حتى عدّه الحافظ (أحمد بن علي السليماني) من زمرة من يضعون الحديث في كتابه (الضعفاء)، وليس أدل على هذا الكتاب من اسمه حيث ذكر في ترجمة الزبير بن بكار مجموعة كبيرة من أقوال المؤرخين في كذبه وتدليسه، كما وصفه السليماني بأنه ــــ أي الزبير بن بكار ــــــ (منكر الحديث).
ولم تقتصر حياة هذا الكذّاب على الكذب فقط، بل كان من الذين يبيعون دينهم بدنياهم ، وممن يتسترون بالدين للحصول على مآربهم فقد كان مرتزقاً بالحديث، ومن وعّاظ السلاطين كما جاء في ترجمته في كتاب (معجم الأدباء) لياقوت الحموي ما نصه: "كان ـــ أي الزبير بن بكار ــــ قد صنّف كتاباً سمّاه بـ (الموفّقيات) نسبة إلى الموفق طلحة بن المتوكل ولي العهد وفيه ما يناقض مذهبه ويخالف عقيدته الزبيرية.". هذا كلام الحموي في ابن بكار، فلا نستبعد من هذا الذي يبيع عقيدته ودينه من أجل المال أن يضع ما شاء من الأحاديث.
المصدر:مواقع مختلفة بتصرف