هُو عَمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس بن مذحج المذحجي العنسي.
وكان أبوه ياسر قدم مكة هو وأخوان له هما الحارث ومالك في طلب أخ لهما رابع، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وبقي ياسر، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي القرشي، وتزوج أمته سمية، فولدت له عمارا.
كان عمار آدم طويلا مضطربا أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين. وكان لا يغير شيبه. وقيل: كان أصلع في مقدم رأسه شعرات.
كان من السابقين للإسلام حيث أسلم هو وصهيب بن سنان في دار الأرقم فكانا من أول سبعة أظهروا إسلامهم.
أمه سمية بنت خياط أول شهيدة في الإسلام. هاجر إلى المدينة وشهد بدرا والمشاهد كلها. شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام موقعة الجمل ومعركة صفين وقتل يوم صفين وله إحدى وتسعون سنة وقيل أربع وتسعون عام 37 هـ.
يعتبر عمار من المسلمين الأوائل، الذين أسلموا بدار الأرقم، التي سميت «دار الإسلام». وقد سار عمار إلى تلك الدار بعد فترة وجيزة من سماعه بخبر النبي ونبوته، حيث أسلم، ورجع إلى بيته فأسلم من بعده أبوه ياسر وأمه سمية وأخوه عبد الله. أدى إسلام أسرة عمار إلى سخط حلفائها من بني مخزوم، فثارت ثائرتهم ونقموا على الأسرة المسلمة، وكان من أثره أن عصفت بها عواصف المحن وهاجت عليها رزايا العذاب.
والظاهر أن قريشا أرادت من تعذيب تلك الأسرة المؤمنة تخويف وردع المسلمين الأوائل وخاصة المستضعفين منهم، الذين لا يملكون عشائر في مكة. وقد كثرت الروايات حول فنون عذاب المخزومين لآل ياسر، التي صمدت وصبرت حتى جاء أبو جهل إلى سمية وطعنها في قلبها وهي تأبى إلاّ الإسلام، وقتلوا زوجها ياسراً فكانا أول شهيدين في الإسلام.
أمّا عمّار فقد بلغ به العذاب إلى درجة لا يدري ما يقول، ولا يعي ما يتكلّم، وروي أنّه قال للرسول: لقد بلغ منّا العذاب كل مبلغ. فقال رسول الله: صبراً أبا اليقظان، اللهم لا تعذّب أحداً من آل عمار بالنار. ويقال أن رسول الله كان يمر بهم فيدعو بقوله: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة(1).
تحت سياط القرشيين
صبّت قريش في بدايات الدعوة الإسلامية سياطها على الثلة المؤمنة وعلى رأسهم: عمار، وأبوه ياسر، وأمّه سمية، وأخوه عبد الله، مع صهيب وبلال والخباب و...
فقد تعرض المؤمنون الأوائل لأبشع أنواع التعذيب، ليحيدوا عن إسلامهم، ويتراجعوا عن إيمانهم بنبيّ الإسلام، استشهد على أثر ذلك ياسر وسمية كأوّل شهيدين في قائمة شهداء الإسلام.
لمّا أخذ المشركون عماراً وعائلته، وسقط أبواها شهيدين تحت تعذيب المشركين قال لهم عمار– تحت شدة التعذيب- كلمة أعجبتهم تقيّة (أي: سبّ النبي(ص) وذكر آلهتهم بخير)، ثم تركوه، وخلّوا عنه، فلحق بـرسول الله ، فأخبروه بالذي كان من أمرهم، واشتد على عمار الذي كان تكلم به، فقال له رسول الله : كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت؟ أكان منشرحاً بالذي قلت أم لا؟ قال: لا. فأنزل الله: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾، سورةالنحل: الأية16.
وروى ابن عبد البر عن أنس عن رسول الله أنه قال: «اشتاقت الجنة إلى علي ، وعمارٍ، وسلمان، وبلالٍ».
وروي أن عمّار بعد أن أفرجت عنه قريش بفدية من المسلمين جاء إلى النبي فسأله: ما وراءك؟. قال عمّار: شرّ يا رسول الله، ما تُركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال: كيف تجد قلبك؟ قال عمّار: مطمئناً بالإيمان. قال النبي: فإن عادوا فعد.
ثم نزلت : (مَنْ كفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكفْرِ صَدْرًا فَعَلَيهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(2) فقال له النبي محمد: يا عمار إن عادوا فعد، فقد أنزل الله عز وجل عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا.(3)
منذ تلك اللحظة سار عمّار على طريق الجهاد والثبات مع رسول الله، فهاجر الهجرتين وصلى القبلتين، وشهد بدراً وأحداً وبيعة الرضوان ثم شهد معركة اليمامة فأبلى فيها أيضاً، ويومئذ قطعت أذنه(4) وشهد جميع المشاهد مع رسول الله وأبلي بلاء حسناً وهو في كل الوقائع من المقدمين في الجيش، وقد تولي ايام عمر بن الخطاب حكم الكوفة.
دوره في بناء مسجد قباء
لمّا قدم رسول الله المدينة، قال عمار: ما لرسول الله بُد أن نجعل له مكاناً إذا استظل من قائلته ليستظل فيه ويصلي فيه، فجمع حجارة فبنى مسجد قباء، فهو أوّل مسجد بني وعمّار بناه.
عصر الحلفاء:
كان عمار من الجماعة التي امتنعت عن بيعة أبي بكر لكنه شهد – أي اشترك في- اليمامة، فأبلى فيها أيضاً، ويومئذٍ قطعت أذنه.
و كان لعمّار مواقف مشرفة في الدفاع عن بيت مال المسلمين في زمن الخليفة الثالث حتى تعرّض بسببها لأشد العذاب، وهذا ما أثبتته الوثائق التأريخية، فقد روى المفيد في أماليه:
إن عثمان بن عفان بعث إلى الأرقم بن عبد الله وكان خازن بيت مال المسلمين، فقال له: أسلفني مائة ألف [ألف] درهم.
فقال له الأرقم: أكتب عليك بها صكاً للمسلمين.
قال: وما أنت وذاك لا أم لك، إنما أنت خازن لنا!.
فلما سمع الأرقم ذلك خرج مبادراً إلى الناس، فقال: أيها الناس! عليكم بمالكم، فإني ظننت أنّي خازنكم، ولم أعلم أنّي خازن عثمان بن عفان حتى اليوم، ومضى فدخل بيته.
فبلغ ذلك عثمان فخرج إلى الناس حتى دخل المسجد، ثم رقي المنبر، وقال: أيها الناس! إن أبا بكر كان يؤثر بني تيم على الناس، وإن عمر كان يؤثر بني عدي على كل الناس، وإني أوثر - والله - بني أمية على من سواهم. ولو كنت جالساً بباب الجنة، ثم استطعت أن أدخل بني أميّة جميعاً الجنة لفعلت، وإن هذا المال لنا فإن احتجنا إليه أخذناه، وإن رغم أنف أقوام!.
فقال عمار بن ياسر: معاشر المسلمين اشهدوا أن ذلك مرغم لي.
فقال عثمان: وأنت هاهنا ثم نزل من المنبر فجعل يتوطأه برجله حتى غشي على عمار، وحملوه وهو مغمى عليه إلى بيت أم سلمة.
فأعظم الناس ذلك، وبقي عمار مغمى عليه لم يصل يومئذ الظهر والعصر والمغرب، فلمّا أفاق قال: الحمد لله فقديما أوذيت في الله، وأنا أحتسب ما أصابني في جنب الله بيني وبين عثمان العدل الكريم يوم القيامة.
فبلغ عثمان أن عماراً عند أم سلمة، فأرسل إليها، فقال: مِمّا هذه الجماعة في بيتك مع هذا الفاجر أخرجيهم من عندك!!.
فقالت: والله ما عندنا مع عمار إلا بنتاه، فاجتنبنا يا عثمان، واجعل سطوتك حيث شئت، وهذا صاحب رسول الله يجود بنفسه من فعالك به!!.
فندم عثمان على ما صنع بعمار، فبعث إلى طلحة والزبير، فسألهما أن يأتيا عماراً، فيسألاه أن يستغفر له، فأتياه فأبى عليهما، فرجعا إلى عثمان فأخبراه.
ثم إنّ عماراً صلح من مرضه فخرج إلى مسجد رسول الله ، فبينما هو كذلك إذ دخل ناعي أبي ذر على عثمان من الربذة – حيث كان عثمان قد أبعده إلى الربذة قبل ذلك - فقال إنَّ أبا ذر مات بالربذة وحيداً، ودفنه قوم سفر.
فاسترجع عثمان وقال: رحمه الله.
فقال عمار: رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا. فقال له عثمان: وإنك لهناك بَعدُ – ووجه اليه كلمات قبيحة جداً- أتراني ندمت على تسييري إيّاه!!.
فقال له عمّار: لا والله ما أظن ذاك.
قال عثمان: وأنت أيضاً فالحق بالمكان الذي كان فيه أبو ذر فلا تبرحه ما حيينا.
قال: عمار أفعل والله لـَمجاورة السباع أحبّ إليّ من مجاورتك، فتهيّأ عمار للخروج وجاءت بنو مخزوم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فسألوه أن يقوم معهم إلى عثمان يستنزله عن تسيير عمار، فقام، فسأله فيهم، ورفق به حتى أجابه إلى ذلك.
وقوفه في صف علي بن أبي طالب
بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقف عمار إلى جانب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ودافع عن حقّه في الخلافة، وكان من المقربين منه، واشترك معه في معاركه ضد مخالفيه. حتى كانت واقعة صفين عندما تقابل جيش أمير المؤمنين علي عليه السلام مع جيش معاوية بن أبي سفيان، حيث نزل عمار إلى الميدان لقتال القوم، وهو شيخ في الرابعة والتسعين من عمره . وقد نقل ابن الأثير أن عمار خرج إلى الناس يومها وهو يقول: (اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللهم إنك تعلم لو أني أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت، وإني لا أعلم اليوم عملاً أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم ما هو أرضى منه لفعلته، والله لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل).(5)
وقد قاتل حتى قُتل، وقد كان لمقتله أثراً كبيراً أزال الشبهة عند كثير من الناس، وكان ذلك سبباً لرجوع جماعة إلى أمير المؤمنين والتحاقهم به، ذلك أن الجميع يعلمون أن رسول الله قال: ( ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار )، حمله علي بن أبي طالب فوق صدره وصلى عليه والمسلمون معه, ثم دفنه في ثيابه.
أقوال الرسول فيه
وقد وردت في فضل عمّار أحاديث كثيرة، منها ما رواه ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب أن عمار استأذن على رسول الله فعرف صوته فقال: مرحباً بالطيب المطيب ائذنوا له.
وعن النبي أيضاً، أنّه قال: عمّار جلدة بين عيني.
وعنه: كم ذي طمرين، لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره، منهم عمار بن ياسر.
وقال: لقد ملئ عمار إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه.
وقال: إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان.
وقال لعمار: إنّك من أهل الجنة.
وقال: ابن سمية لم يخير بين أمرين قط إلا إختار أرشدهما، فالزموا سمته.
وقال لعمار يا عمار سوف تقتلك الفئة الباغية
قول النبي(ص) عمار تقتله الفئة الباغية
اشتهر بين الصحابة مقولة النبي الأكرم لعمار عمار تقتله الفئة الباغية، وكانوا يترقبون تحقق تلك النبوءة المحمدية فيه ، وقد وصف ابن عبد البر الحديث بقوله: وتواترت الآثار عن النبي(ص)أنه قال: «تقتل عمار الفئة الباغية». وهذا من إخباره بالغيب وإعلام نبوته(ص)وهو من أصح الأحاديث.
وقيل أن خزيمة بن ثابت شهد الجمل وهو لا يسل سيفاً، وشهدصفين وقال: أنا لا أصل أبداً حتى يقتل عمار. فأنظر من يقتله فإنّي سمعت رسول الله(ص)يقول: تقتله الفئة الباغية، فلمّا قتل عمار بن ياسر قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة، واقترب فقاتل حتى قتل.
ولمّا استشهد عمار صلّى عليه أمير المؤمنين . وقال ابن عبد البر: ودفنه علي في ثيابه، ولم يغسله. وروى أهل الكوفة أنّه صلّى عليه، وهو مذهبهم في الشهداء إنهم لا يغسلون، ولكنهم يصلّى عليهم. وكانت سنّ عمار يوم قتل نيفاً على تسعين، وقيل: ثلاثاً وتسعين. وقيل: إحدى وتسعين. وقيل اثنتين وتسعين سنة.
الهوامش:
1- رجال الطوسي:1/127
2- النحل:106
3- الكافي: 2/219، وقرب الإسناد/12
4- عمدة القاري: 1/197، وشرح النهج: 20/37
5- تاريخ الطبري.
المصدر:مواقع مختلفة بتصرف