ما لم تسمعه...عن الفرقة الإباضية ومسندهم؟

الخميس 18 أكتوبر 2018 - 13:06 بتوقيت غرينتش
ما لم تسمعه...عن الفرقة الإباضية ومسندهم؟

المؤسس الحقيقي للمذهب هو جابر بن زيد الأزدي وهو أحد التابعين ، ومن تلاميذ ابن عباس ، وممن روى الحديث عن السيدة عائشة وعن عدد من الصحابة...

مجتبى السادة

الإباضية...النشأة والعقائد:

 الإباضية إحدى الطوائف الإسلامية ، سميت بهذا الاسم نسبة إلى (عبد الله بن أباض التميمي) ، ولكن المؤسس الحقيقي للمذهب هو جابر بن زيد الأزدي وهو أحد التابعين ، ومن تلاميذ ابن عباس ، وممن روى الحديث عن السيدة عائشة وعن عدد من الصحابة ، وكان ذا مذهب خاص به في الفقه .. سياسيا ، ينسب المذهب الإباضي إلى (عبد الله بن أباض المريّ التميمي) الذي عاصر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65 – 85 هـ).

 ودينيا ، يذكر الإباضية إن إمامهم الأول الذي أسس المذهب هو (جابر بن زيد الأزدي العماني) ولذلك فإن أغلب الأحاديث النبوية يرويها علماء المذهب عن جابر.

 ظهر المذهب الإباضي في القرن الأول الهجري في البصرة ، فهو يعتبر من المذاهب الإسلامية القديمة ومستمر حتى الآن ، يقول الإباضيون أن مذهبهم تعود نشأته بالدرجة الأولى إلى العامل الديني والسياسي ، الذي تمثل في مبايعة عبد الله بن وهب الراسبي من طرف بعض الصحابة والتابعين الذين أنكروا التحكيم على الإمام علي بن أبي طالب (ع)  وشكلوا حركة سياسية وكان على رأس تلك الحركة ثلاث شخصيات يعود إليها البدء في تأسيس الحركة وبلورة أفكارها ومبادئها وهم : أبو بلال مرداس بن حدير التميمي ، وجابر بن زيد الأزدي ، وعبد الله بن أباض.

 وكانت هذه النشأة في شوال 37 هـ .. اشترك أبو بلال في واقعة النهروان عام 38 هـ  مع الخوارج ، وبعد الهزيمة التي ألحقها بهم الإمام علي (ع)  انقسم الخوارج عام 64 هـ إلى أربع فرق كبرى وهي(1):

1-الأزارقه : وهم المنسوبون إلى نافع بن الأزرق ألحنظلي (البصرة) مقتول سنة 65 هـ ، (الفرقة انقرضت ولم يعد لها أثر) .

 2-النجدات : وهم المنسوبون إلى نجدة بن عامر الحنفي(اليمامة) (الفرقة انقرضت).

 3-الصفرية : وهم المنسوبون إلى عبد الله بن الصفار السعدي (الفرقة انقرضت) .

 4-الإباضية : وهم المنسوبون إلى عبد الله بن أباض التميمي (متوفي 86 هـ) وهو واحد من الذين ثبتوا على المنهج الذي سار عليه أهل النهروان وتتابع عليه الإباضية فيما بعد(2)، وهي الفرقة الوحيدة المستمرة حتى الآن .

 والعجب أن هذه الفرق ظهرت في  زمان واحد ، فصار للقوم أئمة أربعة ، كل يدعو إلى نفسه .. ويرفض أتباع المذهب الإباضي حالياً أن يطلق عليهم أو يسموا بالخوارج فيقولون : إن كلمة الخوارج تشمئز منها النفس وينقبض منها القلب مثل كلمة (الإرهابي) حالياً، وان حديث المروق والخروج من الإسلام لا ينطبق عليهم ، والمتمثل في قوله صلى الله عليه وآله : (يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية) .. ويقولون إن الاعتبارات التي من أجلها أطلق المسمى على الخوارج لا وجود لها عند الإباضية مطلقاً ، وان كلمة الخوارج لا يجب أن تطلق إلا على الذين خرجوا من الدين ومرقوا من  الإسلام .

إن المتتبع يرى أن الإباضية تلتقي مع الخوارج من الناحية الفكرية في قضيتين جوهريتين هما :

أولاً :- رفض التحكيم : إن الإباضية والخوارج ينتقدون قبول التحكيم ويرون أن الإمام علي (ع)  مخطئ في قبوله التحكيم ، لأنه جعل حقه في الخلافة موضع نزاع مع معاوية ، وكما أخطأ في قبوله تحكيم الحكمين ، فقد أخطأ كذلك في قتاله لأهل النهروان .

 ثانياً :- نفي لزوم القرشية في الإمام : فأصلها الحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله الذي يقول : (الخلافة في قريش) أو (كلهم من قريش) .. ورأى الإباضية وكذلك الخوارج أن الخلافة الإسلامية لا تنحصر في قبيلة أو عائلة أو طائفة وإنما يتولى أمر المسلمين الأكفاء والأقدر على خدمتهم وتسيير أمورهم .

 أما الخوارج في نظر الإباضية هم طوائف قديمة من الناس من زمن التابعين رؤوسهم نافع بن الأزرق ، ونجدة بن عامر ، وعبد الله بن الصفار ومن شايعهم ، وسموا خوارج لأنهم خرجوا عن الحق وعن الأمة ، بالحكم على مرتكب الذنب بالشرك وان محاربيهم مشركون ، ويترتب على ذلك ما يترتب على حرب المشرك ، فاستحلوا ما حرم الله من الدماء والأموال بالمعصية ، وحين اخطأوا في التأويل لم يقتصروا على مجرد القول ، بل تجاوزوه إلى الفعل ، وهم باعتقادهم وعملهم  قد خرجوا من الإسلام وخرجوا عن الحق فهم الذين يمكن أن ينطبق عليهم حديث المروق من الدين .

إن الإباضية كانت من إحدى الطوائف التي رفضت التحكيم واعتزلت الإمام  علي (ع)  ، ولذا فأغلب المؤرخين ينسب الإباضية إلى الخوارج على وجه العموم ، وبعضهم قال : الإباضية أعدل الخوارج ، والآخر قال : الإباضية اقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة .. مما سبق يتبين لنا أن المذهب الإباضي (المعتدل) أحد فرق الخوارج(3)، وتكوّن في أول أمره كحركة سياسية ، ومع مرور الأيام تطور إلى مذهب فقهي كغيره من المذاهب الإسلامية.

مصادر التشريع عند الإباضية :

القرآن والسنة والإجماع والرأي ، وبالنسبة للأحاديث النبوية فيعتمدون على المسند الربيع بن حبيب الفراهيدي ويطلق عليه الإباضية (الجامع الصحيح) ويعتبرونه من أصح كتب الحديث سنداً ، لأن معظم الأحاديث رواها (الربيع) عن شيخه (أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة) عن (جابر بن زيد) عن أحد الصحابة ، وتوفي الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي مابين عام 171هـ و 180هـ ودفن في عُمان .

الانتشار التاريخي والحالي:

 كما يحدثنا التاريخ(4)أن الإباضية لم يخرجوا على الدولة الأموية لا خروجا سياسياً ولا خروجاً دينياً ، ولكنهم لم يكونوا راضين عن سياسة الأمويين .. فهذا عبد الله بن أباض الذي تنسب إليه الإباضية لم يرفع السيف في وجه الدولة الأموية ولكنه اكتفى بنقد سياستهم عن طريق المراسلة ، وكذلك أبو بلال مرداس فكان ينتقد سياسة الأمويين باللسان ولم يرفع سيفاً(5).

-قامت في عُمان دولة باسم الإباضية في عهد أبي العباس السفاح سنة 132هـ.

-أعلنوا الإمامة في اليمن سنة 129هـ ، وفي طرابلس شمال إفريقيا سنة 142هـ(6).

-قامت في الشمال الإفريقي دوله إباضية باسم الدولة الرستمية أسسها (عبد الرحمن بن رستم) الفارسي سنة 160هـ وجعل مدينه تاهرت عاصمتها (تيارات حالياً ، وهي مدينة جزائرية) والتي استمرت قرابة 120 سنة . وبعد سقوط الدولة الإباضية في تاهرت احتفظت التجمعات السكانية الإباضية حتى أيامنا هذه بنوع من الاستقلال الديني والسياسي ويقوم مجالس العلماء والتي عرفت في اصطلاح الإباضية (بمجالس العزابة) برعاية أمورهم .

 -استمر الإباضيون يقيمون (الإمامة) في عمان كلما سنحت لهم الفرصة ، فإذا ما ضعفت قامت الملكية على أنقاضها وهكذا دواليك ، وكانت آخر إمامة استطاع الإباضيون إقامتها سنة 1331هـ ، واستمرت حتى عام 1375هـ(7).

تنتشر الإباضية في الوقت الحالي بشكل أساس في سلطنة عُمان حيث يشكلون حوالي 75% من العمانيين (1,8 مليون تقريبا) ، وينتشر المذهب أيضا في وادي ميزاب في الجزائر (350 ألف تقريباً) ، وفي جبل نفوسة وفي زوارة في ليبيا (70 ألف تقريباً) ، وفي جزيرة جربه بتونس (10 آلاف تقريباً) ، بالاضافه إلى مناطق مختلفة كاليمن والشمال الإفريقي ومصر وزنجبار ومالي وغانا والسعودية وبعض المغتربين في الدول الأجنبية ، مما يشكل أتباع ومعتنقي المذهب الإباضي حالياً في العالم حوال 2.5 مليون شخص كان سبب انتشار ووجود أتباع للمذهب الإباضي حالياً في كل من عُمان وشمال إفريقيا ، هو قيام دول إباضية في تلك المناطق.

الهوامش:

 1-كتاب : الخوارج والحقيقة الغائبة ص172 ، للكاتب الإباضي : ناصر بن سليمان السابعي ط الأولى عام 1999م .

2-كتاب الخوارج والحقيقة الغائبة ص177.

3- وقد أكد الشيخ جعفر السبحاني في موسوعته الملل والنحل ج 5 ص233 ، عندما تطرق إلى حجج الإباضية ونفيهم أنهم فرقة من الخوارج قال الشيخ السبحاني : كل ما ذكروه أشبه بالخطابة ، وذلك : إن تخصيص اسم الخوارج بالمتطرفين منهم كالأزارقه والنجدات وتخصيص بلاوجه ، فقد أطلق هذا اللفظ في عصر الإمام علي (ع)  على  من خرجوا عليه .. وان تسميتهم بها كان رائجاً في عصر معاوية ، أي قبل عام الستين (هجرية) وقبل إن يتسنم الازارقه والنجدات منصة القيادة .. ويستنتج من ذلك : إن الخوارج أطلق يوم أطلق على من خرج عن طاعة أمير المؤمنين (ع) وأنكروا التحكيم عليه من غير فرق بين اولهم او من أتى بعدهم .

4- الدكتور عمرو خليفة النامي في مقدمة تحقيقه لكتاب أجوبة ابن خلفون .

5-ولكن في زمن الإمام علي (ع) اشترك في معركة النهروان في صف الخوارج .

6-الإمامة في الفقه الإسلامي ، ص22 للأستاذ علي بن هلال العبري  ، رسالة ماجستير عام 1991م بكلية الفقه وأصوله في الجامعة الأردنية .

7-المصدر السابق ص23.

المصدر:كتاب رؤي مهدوية