أمينة التويني
مقام السيدة خولة، ابنة الامام الحسين (عليهما السلام)، حفيدة رسول الله محمد (ص)، معلم سياحي ديني، يستقبلك عند المدخل الجنوبي لمدينة الشمس بعلبك، التي تعد من أشهر المدن السياحية في الشرق الاوسط، لوجود قلعتها الاثرية حيث بنى الرومان معبدا لثلاثة من آلهتهم فيها، كما ضمت العديد من الكنائس والمساجد الاثرية التي بنيت خلال القرون المنصرمة.
واذا كان للسياحة في لبنان محطات، فزيارة مقام السيدة خولة (ع)، محطة ضرورية لسياحة دينية في برنامج كل سائح يقصد مدينة بعلبك، فوجود المقام الملاصق لسور قلعتها،أضاف على مدينة الشمس نورا على نور. الداخل الى المدينة نهارا يبهره نور الشمس وهو يسطع على القباب الذهبية وعلى قلعتها، كما على البساتين الخضراء المحيطة بالقلعة والمقام، حتى ليخال نفسه انه في الجنة.
لمحة تاريخية
وفي لمحة تاريخية عن اكتشاف هذا المقام، ومن شيده، تشير الروايات، الى انه بعد استشهاد الامام الحسين (ع) في اليوم العاشر من محرم في موقعة كربلاء في العراق، سبيت نساء الامام الحسين وآل بيته في اليوم الحادي عشر، في رحلة طويلة وشاقة من كربلاء الى الكوفة ومن الكوفة الى الشام، حيث سار ركب السبايا من حلب الى حماه ومنها الى حمص مرورا بمناطق لبنانية مختلفة وصولا الى بعلبك فمرجة رأس العين حيث يوجد مسجد رأس الامام الحسين، والذي شيد في العام 681 م، تكريما للمكان الذي وضع فيه رأس الامام (ع) الذي استشهد في كربلاء عام (680م- 61ه). هذا وقد رمم السلطان المملوكي المسجد عام 1277م، وهو مسجل ضمن الاماكن الاثرية في لبنان.
كما تركت مسيرة ركب السبايا الطويل والشاق من كربلاء الى بعلبك ضريحا للسيدة خولة. وقد تعددت بشأنه الروايات، فرواية تقول بأن استشهادها كان من جراء السفر الطويل والمضني، ورواية اخرى حسب ما ورد عن اهل العلم، امثال المؤرخ العلامة القاضي المهاجر ان السيدة خولة كانت في عداد قافلة السبي، وكانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات، وقعت عن ظهر الجمل وبقيت مريضة الى ان وافتها المنية في مدينة بعلبك، فدفنت في بستان على المدخل الجنوبي للمدينة قرب القلعة الاثرية.
هناك شجرة السيدة خولة...تبكي في بعلبك...
كيف لا أبكي وقد مُنِعَ أبي من الماء؟! رحلة طفولة مريرة، عاشتها بنات البيت العلوي الطاهر، بين دخان ونار وخيام يأكلها الحقد الأموي، وبين مشاعل رؤوس طاهرة تالية للقرآن، عانقت أسنة الرماح لتعلن قصة إنتصار الدم بدايتها، وإنطلاقها نحو سماء الحرية، فهناك طفلة عانت مشاق السبي، والزجر، والضرب، والعطش، والخوف، لأن حياة كربلاء لاتتم إلا بعطاء ثم عطاء، فتلك العلوية الصغيرة تقضي ليلها بالنحيب، على أبطال أحبة قتلوا غدراً وظلماً، إنها خولة بنت الحسين (عليهما السلام).
قبر في بعلبك لجسد طري، بقربه شجرة سرو معمرة ونادرة، ما تزال تنبض بالحياة رغم جذورها الميتة منذ مئات السنين، وحكاية البراءة تقص رؤياها لأحد السادة، الذين يعيشون بالقرب من منطقة ساقية رأس العين، بمدينة بعلبك اللبنانية، حيث كانت تردده بمنامها مستغيثة: (ياعم حوّل الساقية عن قبري فإن مياهها آسنة تؤذيني)، فما لهذه العلوية الطاهرة من عنفوان، ليعلن عن قبر شامخ بات محط رحال الموالين، ومزاراً يحكي قصة السبي الأليمة، التي جرت على حرائر بيت النبوة.
ويروى ان اهالي المنطقة المجاورة والمحيطة بقبرها، كانوا يرون انوارا تهبط على تلك البقعة الشريفة، بين البساتين، الى ان اتت الطفلة خولة في المنام الى رجل من آل جاري، كان يملك ذلك البستان، وطلبت منه تحويل المياه عن ضريحها. ولما لم يلتفت جاءته ثانية وثالثة ورابعة، عندها قام الرجل بالاتصال بنقيب آل مرتضى في بعلبك وقص عليه الرؤيا، فذهب النقيب مع عدد من الرجال الى تلك البقعة واستخرجوا جسد الطفلة الطري، ونقلوه الى المكان الحالي حيث دفن وشيدوا فوق الضريح قبة صغيرة.
هذا وقد شهد المزار على مراحل متقطعة اعمال تحسين وتوسعة، ومؤخرا تم توسيعه فشيدت قبة مذهبة فوقه، بالاضافة الى مئذنتين مذهبتين، كما تحيط بالمقام من الخارج الاشجار الصنوبرية والحرجية بطريقة هندسية رائعة من كل جنب.
والضريح يقع في وسط المقام، وهو عبارة عن قفص جديد في داخله القفص الخشبي القديم والذي يحتوي ضريح السيدة خولة(ع)، اما القفص الجديد فمصنوع من الذهب والفضة، طوله اربعة امتار وعرضه ثلاثة، بابه مصنوع من خشب السنديان المعتق الملبس بالفضة، اعلى الضريح مزين بتيجان من الفضة والذهب مكتوب عليها اسماء الائمة المعصومين، اضافة الى الآيات القرآنية على باب الضريح، يعلو القفص ثريا ضخمة من طبقات عدة مصنوعة من الكريستال، والى امتار عدة من الضريح تخترق شجرة سرو عملاقة سقف المبنى الاول من المقام لترتفع عاليه في السماء شجرة يتبارك منها الناس، قيل ان الامام زين العابدين كان قد غرسها غصنا صغيرا ليكون دلالة على قبرها.
ومع السنين تحول الغصن الى شجرة يعود عمرها الى قرابة 1400 سنة ومن معاجز هذه الشجرة ان اوراقها لا تزال تنبض بالحياة وجذورها ميتة.
لقد ورد ذكر إسم شجرة السرو، بكتاب الرحالة الإنكليزي روبرت وود (عام1757 ميلادية)، ونقل بعض الأشخاص التقاة، الذين كانوا يعيشون في بعلبك، إنهم كانوا يسمعون نحيباً بهذه البقعة الطاهرة، وكأنه أشبه بأنين طفلة تائهة،على أننا نقول: لم تتنهِ مصيبة كربلاء، في العاشر من محرم (سنة61 هجرية) بل بدأت منه، لتتوزع بعده قبورأجساد طُهرت، ويشاهد العالم بأسره، بشاعة الجرائم المرتبكة بحق الطفولة والنسوة، لما تعرضنَ لمشاهد الفزع، والترهيب، والإذلال، ولكن يأبى الله ذلك ورسولة والمؤمنون.
اضافة الى سحر وجمال الهندسة في بناء القفص، تدهشك الجدران الملبسة بالكاشي ذي الزخرفة الايرانية الجميلة في الاعمدة المرتفعة والمتماثلة بالوانها والتي نقشت عليها الآيات القرآنية، والاحاديث الشريفة بطريقة جميلة تختلط بها الالوان ما بين الازرق والابيض والكحلي بطريقة تبهر البصر، اضافة الى المرايا المعلقة في السقف المظللة للقاعة.
يستقبل المقام قرابة 100 الف من المؤمنين الذين يجتمعون كل سنة للانطلاق منه في يوم اربعينية الحسين (ع) في مسيرة عاشورائية، ويستقبل الآلاف يوميا لاحياء هذه المناسبة، كما يأتون للزيارة والتبرك في المناسبات المتعددة من احياء ليالي القدر والشعائر المختلفة، اضافة الى ما يقام فيه من محاضرات وندوات ومعارض اسلامية.
فالمقام اصبح محجا ومعلما سياحيا ودينيا بارزا في المنطقة كافة، من سوريا وايران ودول الخليج والدول الاسلامية، والكثير من ابناء الطائفة المسيحية يقصدونه للتبرك وايفاء النذور. كما يزوره الاجانب بصورة خاصة من انحاء العالم كافة، للتعرف الى هذا الصرح الديني الشهير، وقد سجل ضمن الاماكن الاثرية اسوة بقلعة بعلبك.
هذا وقد ذكر عن الرحالة الانكليزي روبرت وود انه ترك وثيقة مميزة تعتمد الصورة فقد رسم المقام الشريف عام 1757م اثناء زيارة قام بها الى بعلبك، وقد ظهر المقام واضحا وخلفه اعمدة بعلبك وهياكلها الرومانية.
كما ظهرت شجرة السرو الى جانب المقام والتي لا تزال قائمة حتى اليوم كحارس امين للدلالة على مكان الضريح وقدسيته.
المصدر:موقع قناة المناربتصرف