بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله و سلام على عباده الذين اصطفى ؛
هناك كلام يتداوله الناس أن شهر صفر شهرٌ منحوس ومشؤوم تتنزل فيه البلايا والمحن، فلا يشترون الشيء الجديد، ولا ينتقلون الى بيت جديد ونحو ذلك، فهل هذا الكلام صحيح؟ علما انهم يستدلون له بأمرين:
1-أنه مذكور في مفاتيح الجنان ما نصه: (إعلم أن هذا الشهر معروف بالنحوسة)
2-وجود رواية عن النبي (صلى الله عليه واله): "من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة"
نقول : لا دليل من القرآن الكريم، ولا من السنة المطهَّرة على نحوسة شهر صفر، فلا ينبغي رفع مستوى الحزازة الى درجة تعطّل بها الحياة، ويدُبّ معها التشاؤم في ربوع المجتمع، بل الدليل على خلافه فقد ورد المنع عن التشاؤم والتطيّر ومعاداة الايام
قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ الاعراف :131
وهذه الآية المباركة واضحة في ذم التشاؤم والتطيّر، وأنّه ليس مختصاً بعرب الجاهلية قبل الاسلام، بل كان سائدا في أوساط ومجتمعات سبقتهم.
وورد عن النبي (صلى الله عليه واله) أنّه قال: "ليس منا مَن تطيَّر أو تُطيِّر له أو تكهّن أو تُكُهِّن له أو سحر أو سُحِر له."
وورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنَّه سُئل: عن الخروج يوم الأربعاء لا يدور، أي آخر أربعاء من الشهر فقال (عليه السلام): "من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافًا على أهل الطيرة وُقيَ من كلِّ آفة وعوفي من كل عاهة وقضى الله له حاجته. "
وهذه الرواية واضحة في الحث على تحدّي هذه الثقافة (التشاؤم والنحوسة والتطيّر)، ووعد من تمرَّد عليها بالوقاية من الآهات، والمعافاة من الآفات، والتوفيق لقضاء الحاجات.
وورد عن الإمام الهادي (عليه السلام) أنَّه دخل عليه الحسن بن مسعود فقال له: نكبت إصبعي (جرحت) وتلقاني راكب وصدم كتفي ودخلتُ في زحمةٍ فخرَّقوا عليَّ ثيابي فقلت كفاني الله شرَّك من يوم فما أشأمك، فقال لي (عليه السلام): يا حسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له، قال الحسن: أستغفر الله أبدًا وهي توبتي يا بن رسول الله . فقال (عليه السلام): (والله ما ينفعكم ولكنَّ الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذمَّ عليها فيه ... لا تعد ولا تجعل للأيام صنعًا في حكم الله.
وورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: "إذا تطيَّرت فامضِ وإذا ظننت فلا تقضِ ."
وورد عنه (صلى الله عليه واله) أنّه قال: "كفارة الطيرة التوكل"
وفي الرواية أن الامام الهادي (عليه السلام) سُئل حينما كان في (سر من رأى): يا سيّدي حديث يروى عَنِ النبيّ (صلى الله عليه واله) لا أعرف مَعناه، قال: وَما هُو، قُلت: قوله: ((لا تُعادُوا الايّام فتُعاديكم)) ما مَعناه؟
فقال: نَعم الايّام نَحن ما قامَتِ السّماوات والارض، فَالسَّبت اِسم رَسول الله (صلى الله عليه وآله).
وَالاحد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وَالاثْنان الحَسَن وَالحُسين (عليه السلام)، والثّلاثاء عليّ بن الحسين وَمحمّد بن عليّ وجَعفر بن محمّد (عليه السلام)، والاربعاء مُوسى بن جعفر وعليّ بن مُوسى ومحمّد بن عليّ وَأنا ، والخميس ابني الحَسَن (عليه السلام)، والجُمعة ابنْ ابني واليه تجتمع عصابة الحقّ، فهذا مَعنى الايّام فَلا تُعادوهم في الدّنيا فيُعادوكم في الاخرة.
وامَّا ماذُكر كدليل على هذه النحوسة فلا حجية فيه:
1-ما ذكره الشيخ عباس القمي رضوان الله عليه في مفاتيح الجنان: (إعلم أن هذا الشهر معروف بالنحوسة) لعلّه بصدد نقل ما عليه الناس من اعتبار نحوسة هذا الشهر وأنّه متعارف لديهم النحوسة فيه، لذا لم يذكر دليلا على ذلك، و اكتفى بذكر استحباب الصدقة لرفع النحوسة لإطلاقات أدلة الصدقة الدالة على دفع البلاء بشكل مطلق، كما أنه ذكر الدعاء بالمأثور لنفس الغرض.
2-وأمّا الرواية المنسوبة الى النبي (صلى الله عليه واله)، فهي مرسلة، ولم تروَ في ايِّ من الكتب الحديثية المعتبرة، وخلت منها كتب القدماء . نعم، ذكرت مرسلة في مستدرك سفينة البحار .
ولا ننسى أن نقول : نعم يصادف في شهر صفر عدد من المناسبات الحزينة التي تدمع لها العيون وتدمى لها القلوب: وفاة النبي محمد (صلى الله عليه واله)، واستشهاد الإمامين الحسن المجتبى وعلي الرضا (عليهما السلام)، ورجوع قافلة السبايا من أهل البيت الى كربلاء حيث قبر الامام الحسين (عليه السلام)، لذا ينبغي التحزّن لهذه المصائب، وتقديم فروض التعازي، واظهار المواساة الحقة، ولكن هذا غير النحوسة المدعاة كما هو واضح.
فالخلاصة: لا دليل على النحوسة المدعاة ولعلّه لأجل دفع هذه الشبهة لدى الناس أطلق علماؤنا الاعلام على هذا الشهر: صفر الخير
فائدة:
---------
1-أعتقد أنَّ التشاؤم لا يعدو عن كونه أمراً نفسانياً لا أثر له في الواقع، فإذا أصاب الإنسان منه شييء، فليدفعه بالتوكل، والاعتصام بالله عزَّ وجلَّ، والدعاء، والصدقة، وهذا موافق لما ورد عن اهل البيت (عليهم السلام)، وهو ما أثبته الطب الحديث وعلماء النفس والاجتماع.
2-بدلاً من هذا التشاؤم والتطيّر لماذا لا نفهم من هذا الشهر تجديد العلاقة بالله تعالى، وتصفية النفس أمامه والتوبة الحقَّة في ساحته فنصفِّر العدّاد او نفرمته كما يعبِّرون، ونبدأ من جديد بخطى ثابتة مع الله تعالى لنرفع من مستوى الحسنات والطاعات والقُربات، فيرفرف علينا الخطاب الالهي{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ}.
المصدر : موقع الوارث
إقرأ أيضا: ما هي...حقيقة نحوسة شهر صفر؟