الشيخ بسام محمد حسين
إحتوت زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم الأربعين على العديد من الأمور التي اعتاد المؤمنون والزائرون القيام بها؛ إحياءً لأمر أهل البيت عليهم السلام. فخلال المسير بين طول الطريق ومشقته، وقبل أن تقر العيون بما تهوى، نرى مواكب العاشقين التي نذرت نفسها لخدمة الحسين (ع) بإكرام زائريه وتقديم الممكن والمستحيل من خدمة الزائرين بشتّى أنواع الخدمات، من الاستضافة وبذل الطعام والشراب وتوفير المبيت ووسائل النقل... إلى غير ذلك من جوانب الإكرام والاحترام، التي شاهدها العالم كلّه، وأدهشت الشرق والغرب، في مشهد قلّ نظيره بين التجمّعات الكبرى في العالم...فيا لسعادتهم....فها هي الروايات تتكلم عن فضلهم و ثواب أعمالهم .
* فضل بعض المراسم في الأربعين
يا لسعادة الزائرين...يقوم الزائرون في أيام زيارة الأربعين بالعديد من المراسم التي حثّ الأئمّة عليهم السلام شيعتهم على القيام بها. نشير إلى بعضها، مع ذكر فضله:
1- المشي إلى الزيارة
يقصد الموالون والمحبّون في أيام زيارة الأربعين مقام الإمام الحسين عليه السلام مشياً على الأقدام من أمكنة بعيدة يصل بعضها إلى أكثر من عشرة أيام، مواساةً منهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيهم وسوقهم من بلد إلى بلد، وطلباً للأجر والثواب الذي دلّت عليه روايات عديدة عن الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام:
- عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "يا حسين، من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن عليّ عليهما السلام، إنْ كان ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة حسنة، ومحى عنه سيّئة، حتّى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتّى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتّى إذا أراد الانصراف أتاه ملك، فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرئك السلام، ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى"(1).
- وعن أبي سعيد القاضي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أتاه في سفينة فكفأت(2) بهم سفينتهم، نادى مناد من السّماء: طِبتم وطابت لكم الجنّة"(3).
2- إطعام الطعام
يا لسعادة المطعم...يفرش أصحاب المواكب والهيئات وغيرهم الموائد على طول الطرقات المؤدِّية إلى حرم الحسين عليه السلام، خارج مدينة كربلاء وداخلها، وتبذل فيها أنواع الأطعمة على اختلافها وتعدّدها. ومن المعلوم فضل ذلك، فقد مدح الله تعالى هذا الفعل حينما صدر من العترة الطاهرة كما في قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾ (الإنسان: 8).
وقد دلّت الروايات على فضل الإطعام بشكل عام أيضاً:
- عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إنّ الله عزّ وجلّ يُحبّ إطعام الطعام"(4).
- وعن موسى بن بكر، عن أبي الحسن عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من موجبات مغفرة الربّ تبارك وتعالى، إطعام الطعام"(5).
- وقد جاء عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه كان يصنع الطعام لمأتم أبيه الحسين عليه السلام، فعن عمرو بن علي بن الحسين قال: "لما قُتل الحسين بن علي عليه السلام لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين عليه السلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم"(6).
3- سقي الماء
يا لسعادة الساقي...يجد الزائر على الطريق عدداً كبيراً من عبوات الماء الجاهزة، ووسائل غيرها لتأمين المياه لسقي الزوّار.
وقد ورد في فضل هذا العمل روايات عديدة، منها ما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء، كان كمن أحيا نفساً، ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً"(7).
وفي كامل الزيارات: روى محمد بن أبي سيار المدايني بإسناده، قال: "من سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسين عليه السلام، كان كمن سقى عسكر الحسين عليه السلام وشهد معه"(8).
4- أنواع الضيافة الأخرى
يا لسعادة المضيف...يقوم أصحاب المواكب والهيئات، وكذلك الأهالي بتقديم شتّى أنواع الضيافة الأخرى، من توفير المبيت واللباس والفراش، وأماكن التخلّي، ووسائل النقل، والطبابة والدواء، وإصلاح بعض المستلزمات وغير ذلك من أشكال الخدمات المختلفة، التي تندرج تحت حسن الضيافة وإقراء الضيف، عملاً بما جاء في الرواية عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من إخوانه وأهل دينه، حتى يرحل عنهم"(9).
وقد ورد في فضل الضيافة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "لا يضيف الضيف إلّا كلّ مؤمن، ومن مكارم الأخلاق قَراء الضيف"(10).
ولعلّ هذا العمل المتوارث في ضيافة زوّار الإمام الحسين عليه السلام يرجع -فيما يرجع- إلى ما نسب إلى الإمام الحسين عليه السلام أنّه اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم، وتصدّق بها عليهم، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره، ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام(11).
5- الزيارة المأثورة
ونختم بما يقوم به الزائرون أيضاً من قراءة الزيارة الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام في يوم الأربعين، التي قد رواها الشيخ الطوسي بسنده عن صفوان بن مهران الجمال: قال لي مولاي الصادق عليه السلام في زيارة الأربعين: "تزور عند ارتفاع النهار وتقول: السلام على وليّ الله وحبيبه، السلام على خليل الله ونجيبه..." إلى آخر الزيارة(12).
تقبّل الله زيارتكم.
الهوامش:
1- (م.ن)، ص 252- 253.
2- أي: انقلبت.
3- كامل الزيارات، (م.ن)، (م.س)، ص257.
4- الكافي، الكليني، ج4، ص51.
5- (م.ن)، ص 52.
6- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 3، ص 238.
7- الكافي، (م.س)، ج 4، ص 57.
8- كامل الزيارات، (م.س)، ص 325.
9- الكافي، (م.س)، ج 6، ص 282.
10- دعائم الإسلام، القاضي النعمان، ج2، ص106.
11- يراجع: مجمع البحرين، الطريحي، ج 4، ص 29، مادة: كربل.
12- تهذيب الأحكام، الطوسي، ج 6، ص 113- 114.
المصدر:مجلة بقية الله بتصرف