مجاهد منعثر منشد
اذا شئت النجاة فزر حسينا لكي تلقى الاله قرير عين
فأن النار ليس تمس جسما عليه غبار زوار الحسين
الاربعون سر من اسرار الله سبحانه وتعالى، كونها سر رباني لا يعلمه الا هو، فنلاحظ هذا الرقم قد ورد في كتابه العزيز عدة مرات، فقد قال في محكم الكتاب الكريم:
{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً }(البقرة/ 56.).
وقال عزوجل: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (الاعراف/142).
وقال جل وعلا بشأن قوم موسى (عليه السلام): {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } (المائدة/26)
وورد في القران الكريم: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} (الأحقاف/15).
وهذا قسم مما جاء في أقواله تعالى، أما في الحديث الشريف، فقد تم ذكر عدد الاربعين، والتي منها قول الامام الصادق (عليه السلام): (من حفظ من شيعتنا 40 حديثاً بعث الله يوم القيامة فقيهاً عالماً فلم يعذبه)( وسائل الشيعة، ج 27/ 29)
وقال ايضا: "إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلاً من المؤمنين فقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا قال الله تبارك وتعالى قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون."
وقال (عليه السلام): "من قدّم في دعائه أربعين من المؤمنين ثم دعا بنفسه أستجيب له."
وقد ورد عن أبي ذر الغفاري وابن عباس (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه واله): (إنَ الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً). وهذا مختصر لما ورد في الدين الاسلامي.
ولم يقتصر ذكر الاربعين بالمسلمين فحسب، بل حتى غير المسلمين لديهم اعتناء بالفقيد بعد اربعين يوما من وفاته.
وهذا يؤيد ويؤكد هذه الطريقة المألوفة والعادة المستمرة بين الناس من الحداد على الميت أربعين يوماً فإذا كان يوم الأربعين أقيم على قبره الاحتفال بتأبينه يحضره أقاربه وخاصته وأصدقاءه وهذه العادة لم يختص بها المسلمون فأنّ
النصارى يقيمون حفلا تأبينيا يوم الأربعين من وفاة فقيدهم يجتمعون في الكنيسة ويعيدون الصلاة عليه المسمّاة عندهم بصلاة الجنازة ويفعلون ذلك في نصف السنة وعند تمامها.
واليهود يعيدون الحداد على فقيدهم بعد مرور ثلاثين يوماً وبمرور تسعة أشهر وعند تمام السنة(السيد عبد الرزاق المقرم، مقتل الحسين (عليه السلام)، ص 365)وكل ذلك إعادة لذكراه وتنويهاً بآثاره واعماله إن كان من العظماء.
فكيف بذكرى اربعينية سبط الرسول، الذي كان عظيم الموقف كبير التضحية، ضحى بأعز ما يملك من أجل كرامة الانسان والحفاظ على الشريعة الاسلامية الغراء.
فإننا من مناهل العظماء نقتبس، ومن ما نطقت به السنتهم نطبق، فذاك الامام الباقر (عليه السلام) يقول:(إنَ السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً تطلع حمراء وتغرب حمراء."(كامل الزيارات نقلاً عن السيد المقرم،مقتل الحسين/ 365)
كما ورد عن الإمام جعفر الصادق قولُه: إنّ السماء بكت على الحسين (عليه السلام) أربعين صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، وإنّ الشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة... وإنّ الملائكة بكت عليه
أربعين صباحاً (والميرزا النوري مستدرك الوسائل ج 1 ص 391ح1).
ولما كانت مزايا الإمام الحسين وفجائعه لاتُعدّ، كانت أسرة الامام (عليه السلام) تحيي مناسبة زيارته، وخصوصا أنّ رأس الحسين رُدّ إلى بدنه بكربلاء من الشام، وضُمّ إليه. فقال الشيخ الطوسيّ: ومنه «زيارة الأربعين»(أبن شهر اشوب،مناقب ال ابي طالب،4/ 77)
ويقول الامام الحسن العسكري في خبر عن هذه الزيارة:"قد عدّ من علامات المؤمن زيارة الأربعين".
فروي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) أنه قال: (علامات المؤمن خمس الصلاة، زيارة الأربعين، التختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).( المحدث محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار)
أما تحديد وقت الزيارة، ففي خبر صفوان بن مهران الجمال قال: (قال لي مولاي الصادق في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار، وتقول السلام على ولي الله إلى أخر الزيارة.)( بحار الأنوار، ج 101 ص 331، رواية 2، باب 25.)
هذه هي علامات المؤمن المسلم لأوامر الله تعالى، ومنها موالاة أوليائه ومودتهم وقد قال عز من قائل: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) والإمام الحسين من أقرب قربى رسول الله، ومن مصاديق المودة: إحياء الذكرى،والمواساة مع التأسي، والتفاعل الروحي والقلبي بسيرته وما جرى عليه صلوات الله عليه.
ونذكر لكم مجيء جابر الانصاري رضوان الله تعالى عليه إلى كربلاء التي تشمل فوائد كثيرة فقد روى الشيخ الجليل عماد الدين أبو القاسم الطبري الآملي وهو من أجلاء فن الحديث في كتابه بشارة المصطفى مسنداً عن عطية بن سعد بن جنادة العوفي (من رواة الإمامية، وقد صرّح أبناء العامة في رجالهم بصدق حديثه) أنه قال: خرجتُ مع جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) زائرين قبر الحسين فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم ائتزر بإزار وأرتدى بآخر ثم فتح صُرة فيها سعُد (السعد: نبت له أصل تحت الأرض أسود طيب الريح)، فنثرها على بدنه ثم لم يخطُ خُطوة إلاّ ذكر الله حتى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه ـ أي خذ بيدي إلى القبر ـ فألمسته فخّرَّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششتُ عليه شيئاً من الماء فأفاق وقال: يا حسين ثلاثاً، ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه، ثم قال: وأنى لك بالجواب، وقد شحطت أوداجك على اثياجك (الأثياج: جمع ثيج ما بين الكاهل إلى الظهر)، وفرّق بين بدنك ورأسك... الخ، ثم جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين واناخت برحله... إلى ان قال: لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال عطية: فقُلتُ لجابر: وكيف ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسيفٍ والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأيتمت أولادهم وارملت الأزواج؟.
فقال لي: يا عطية سمعتُ حبيبي رسول الله يقول: (مَن أحبَّ عمل قومٍ أشرك في عملهم). والذي بعث محمداً بالحق نبيّاً إن نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه(كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى للطبري/ 74 ـ 75).
قال الراوي: فلما صرنا في بعض الطريق فقال لي: يا عطية هل أوصيك؟ وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك، أحبْ محبَّ آل محمدَ ما أحبهم، وابغض مبغض آل محمد ما أبغضهم، وإن كان صواما قواماً، وارفق بمحب آل محمد فأنه إن
تزل لهم قدم بكثرة ذنوبهم تثبت لهم أخرى بمحبتهم، فإن محبهم يعود إلى الجنة ومبغضهم يعود إلى النار (منتهى الآمال ص 2).
وزيارة الاربعين لها دلالات كثيرة ومعاني وهي رساله واضحة المعالم الى كل الطغاة بان تواصلنا مع الحسين هي قضية مبدأ وتعتبر مراسيم زيارة الاربعين الى الامام الحسين صرخة مدوية ضد الظالمين والطغاة وتحفز الزائرين على المجيء الى كربلاء من اجل تجديد البيعة للأمام الحسين وبالمقابل هي نداء واضح لكل المشككين باننا لن نقطع درب الحسين الى ظهور الامام الحجة (عليه السلام) وكل هؤلاء الزوار يقدمون الغالي والنفيس من الاموال الى الارواح من اجل نصرة قضية الحسين ونحن مستمرون على هذا المنوال نحن وابناؤنا، ولن تثنينا كل ادوات الارهاب من تفجير و تفخيخ بل على العكس هي تزيدنا اصرارا على الذهاب الى كربلاء من اجل نيل الشهادة في سبيل الله على طريق الامام الحسين وفي دربه.
والزيارة نوع من انواع مد قوة الارتباط بين المسلمين والتي حاربها اعداء اتباع اهل البيت على مر العصور السابقة... وقبل كل ذلك جاهد الإمام الحسين عليه السلام لنيل أسمى المقاصد، وأنْبل الغايات، وقام بما لم يَقُم بمثله
أحد... فبذل عليه أفضل الصلاة والسلام نفسه، ومالَه وآلَه وأصحابه، في سبيل إحياء الدين، وإظهار فضائح المنافقين، واختار المنيَّة على الدنيَّة، وميتة العز على حياة الذل، ومصارع الكرام على اللئام.
فأمن الحق أن تقام له الذكرى على ما جرى عليه في كل عام، بل وفي كل يوم، وتبكي له العيون بدل الدموع دمـــا.
فقد قال الإمام الحسين: (انا قتيل العبرة ما ذكرت عند مؤمن الا ودمعت عيناه).
وبكى الإمام زين العابدين على مصيبة أبيه الإمام الحسين ثلاثين سنة... وكان الإمام الصادق يبكي لتذكُّر المصيبة، ويستنشد الشعر في رثاه ويبكي... وكان الإمام الكاظم إذا دخل شهر محرم لا يُرَى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلُبُ عليه... وقال الإمام الرضا إنَّ يَومَ الحسين أقرحَ به جُفونَنا، وأسال دموعنا، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء.
ويمضي الموالون لأهل البيت على تجديد العهد في يوم الأربعين من كلّ سنة، يتذكّرونه ويُذكّرون به، ويتثبّتون على أصله في حديث الإمام الحسن العسكريّ: علامات المؤمن خمس: صلاة الإحدى والخمسين (وهي الفرائض اليوميّة مع النوافل)، وزيارة الأربعين (وهي زيارة الحسين في أربعينيّة شهادته، والألف واللام في كلمة الأربعين تُسمّى للعهد، فهي زيارة معهودة مشهورة)، والتختّم باليمين (التزاماً بسُنّة النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليهم(، وتعفير الجبين (بالسجود على الأرض، خضوعاً لله تعالى وتذلّلاً في محضره القدسيّ)، والجهر بـ «بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم» (وذلك وجوباً في الصلاة الجهريّة).
المصدر:العتبة الحسينية