لماذا ختمت النبوة بمحمد (ص)؟

الأربعاء 3 أكتوبر 2018 - 19:27 بتوقيت غرينتش
لماذا ختمت النبوة بمحمد (ص)؟

الكوثر: اتفق المسلمون قولا واحدا على انه لا وحي إلى أحد بعد محمد ( صلى الله عليه واله ) ، ومن أنكر ذلك فما هو بمسلم ، ومن ادعى النبوة بعد محمد وجب قتله ، ومن طلب الدليل على نبوة هذا الدعي محتملا الصدق في قوله فهو كافر ، وفي تفسير إسماعيل حقي « روح البيان » : « لو جاء بعد رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله ) نبي لجاء علي بن أبي طالب لأنه كان منه بمنزلة هارون من موسى » .

وتسأل : لماذا ختمت النبوة بمحمد ؟

الجواب : ان الغاية الأولى والأخيرة من بعثة النبي هي أن يبلغ قوله تعالى إلى عباده ، وما من شيء يريد اللَّه سبحانه أن يبلغه إلى عباده إلا وهو موجود في القرآن الكريم ، قال تعالى : ( ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) - 89 النحل .

وقال : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام : 38]. أي من شيء يتصل بوظيفة الأنبياء واختصاصهم في هداية الخلق وإرشادهم إلى مصالحهم التي تضمن لهم سعادة الدارين .

ولا وسيلة لإثبات هذه الحقيقة إلا بالتجربة التي لا تقبل الشك والجدال ، ونعني بها أن يدرس أهل الاختصاص القرآن دراسة علمية شاملة من ألفه إلى يائه ، ثم يقارنوا بينه وبين غيره من كتب الأديان . . ونحن على يقين بأنهم ينتهون من ذلك إلى أمرين : الأول ان القرآن ببلاغته وعقيدته وشريعته يفوق جميع كتب الأديان .

الثاني انهم يجدون في القرآن جميع الأصول والمبادئ التي تتجاوب مع حاجات الناس ومصالحهم وتقدمهم إلى قيام الساعة . فما من نهضة علمية أو ثورة تحررية إلا ويدعو إليها القرآن ويباركها ، وما من تشريع يحتاج إليه الناس في دور من أدوار التاريخ إلا ويستطيع أهل العلم والاجتهاد أن يستخرجوه من أحد أصول القرآن ومبادئه ، وقد أذن اللَّه ورسوله لمن له الأهلية والكفاءة ، أن يفرّع على أصول القرآن ، ويستخرج منها الأحكام التي فيها خير وصلاح للناس بجهة من الجهات ، ومعنى هذا ان حكم المجتهد العادل هو حكم القرآن والرسول ، ولذا جاء في بعض الروايات ان الراد على حكمه كالراد على اللَّه . ومعنى هذا أيضا ان النبي موجود بوجود القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . . وقد أجاد ابن عربي في قوله : « من حفظ القرآن فقد أدرج النبوة بين جنبيه » . طبعا على شرط التدبر والإيمان الخالص .

وبعد ، فان محمدا بشر يوحى إليه كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، ولكن اللَّه سبحانه قد خص محمدا بما لم يخص به أحدا من الأنبياء ، مع العلم بأنه تعالى قد منح كل نبي جميع الفضائل ، لأن النبوة أم الفضائل كلها . .

ولكن للفضل مراتب ، فهناك فاضل وأفضل ، وكامل وأكمل تماما مثل عالم وأعلم ، وكريم وأكرم : (ولَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ )- 55 الإسراء .

وقد خص اللَّه محمدا ( صلى الله عليه واله )  بأسمى المراتب وأكمل صفات الكمال بحيث لا شيء فوقها إلا اللَّه وصفات اللَّه . . ومن ذلك إكمال الوحي الذي أنزل إليه ، إكماله من جميع الجهات ، والدليل هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شيء مما يدخل في وظيفة رسل اللَّه ، فأين هي كتب الأنبياء ؟ فليأت الجاحدون بواحد منها فيه تبيان كل شيء ، أو يجرأ على القول : إنه ما فرط فيه من شيء . . وإلى هذا أشار خاتم النبيين وسيد المرسلين حيث قال : « ان مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وجمّله إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين » .

ونختم الجواب بما قلناه في كتاب « إمامة علي والعقل » : وإذا قال قائل :  لما ذا كان محمد ( صلى الله عليه واله )  خاتم الأنبياء ؟ أجبناه بأن محمدا ودين محمد قد استوفيا جميع صفات الكمال ، وبلغا الغاية منها والنهاية ، تماما كما بلغت الشمس الحد الأعلى من النور ، فلا كوكب ولا كهرباء يمتلئ الكون بنورهما بعد كوكب الشمس . . كذلك لا نبي يأتي بجديد لخير الإنسانية بعد محمد ( صلى الله عليه واله ). ويتصل بهذا الموضوع ما كتبناه بعنوان « الدين والدعوة إلى الحياة » في ج 3 ص 465 وعند تفسير الآية 9 من سورة الإسراء ج 5 ص 23 والآية 30 من سورة الروم .