الشيخ عبد الله اليوسف
قال تعالى عن الشيطان: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }
وقال تعالى أيضاً عن النساء:{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }
هل صحيح إن كيد النساء هو أعظم من كيد الشيطان... أو هناك معنى معين أو مسار معين لتفسير هاتين الآيتين ، وألا يعتبر كيد النساء من كيد الشيطان إذ يعتبر هو الذي يوسوس في صدور الناس سواء من الرجال أو النساء؟
لمعرفة تفسير الآيات الشريفة ينبغي عدم تجزئتها ، ومعرفة السياق العام لها، فالآية الأولى وردت في سورة النساء،ورقمها:76،حيث يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ﴾ فالمؤمنون يقاتلون في سيبيل الله، ولمرضاته وإعلاء كلمته﴿الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ وهم موعودون بالنصر مادام قتالهم وجهادهم لله تعالى كما وعد الله تعالى بذلك في قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾محمد/7
أما الكفار وأعداء الدين،فهم يقاتلون في سبيل الطاغوت ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ﴾فإن الذين كفروا لا يريدون بقتالهم إلا الظلم والطغيان وإبقاء الأنظمة الفاسدة والعادات والتقاليد الزائفة،ثم يحرض الله تعالى المؤمنين على قتال الكافرين المحاربين ﴿فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ﴾ وأحباءه الذين يتولّونه ويدافعون عنه ،﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ﴾ومكره وحيلته في سبيل إبقاء أمره وتقوية جيشه ﴿ كَانَ ضَعِيفاً ﴾ أمام قدرة الله تعالى ونصره للمؤمنين الصادقين، فكيده ضعيف وخاسر!
وهكذا يتضح أن كيد الشيطان ضعيف أمام نصر الله سبحانه وتعالى للمؤمنين الذين يقاتلون في سبيله، فالحديث هنا عن كيد الشيطان في القتال بين المؤمنين والكافرين، وأي شيء أمام قدرة الله القوي المقتدر فهو ضعيف وخاسر .
أما كيد الشيطان للإنسان فهذا هو عمله الدائم وهو جر الإنسان إلى الرذيلة والانحراف والابتعاد عن الحق وعن سبيل الله ،فالشيطان يتحدث عن عمله بكل وضوح: ﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً ﴾النساء/119 فمن اتبع هواه فسيكون ضعيفاً أمام كيد الشيطان ومكره،وسيقع في حبائله.
أما قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾يوسف/28فتتحدث الآية عن جانب من قصة عشق زليخا امرأة عزيز مصر ومحاولتها مراودة يوسف عن نفسه كما اعترفت بذلك،﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾يوسف/51
وكان طريقة شق الثوب هو الحل لمعرفة من أراد أن يفعل العمل القبيح- قبل أن تعترف زليخا بذلك- فإن كان الثوب قد شق من الأمام فقد صدقت زليخا بأن يوسف هو من همّ بها، وإن شق الثوب من خلف فيدل على أن زليخا هي التي أرادت فعل الفاحشة وليس يوسف.
فالتفت زوج زليخا إلى ثوب يوسف ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾يوسف/28، فلما رأى عزيز مصر أن ثوب يوسف قد شق من الخلف علم أن زوجته قد أرادت الخيانة الزوجية وعمل الفاحشة لكن يوسف امتنع وأراد الفرارمنها!
وعندما اطمئن عزيز مصر إلى أن زوجته هي وراء المحاولة الفاشلة قال عزيز مصر متوجهاً لزليخا :﴿ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ﴾ وحيلكن معاشر النساء ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾حيث لديكن القدرة على جلب الرجال بذكاء ومكر!
وختاماً: هل يدل ذلك على أن كيد النساء أعظم وأقوى من كيد الشيطان؟!
والجواب: كلا، إذ أن كيد النساء من كيد الشيطان، فكيده أصل ، وكيدهن فرع وتبع، ثم أن المقصود من ضعف كيد الشيطان إنما هو أمام من ينصره الله تعالى كما أوضحنا ذلك،وأيضاً فالشيطان لاسلطان له على عباد الله الصالحين. أما من يتبع هواه، ويطيع الشيطان فهو ضعيف أمامه ، والشيطان قوي عليه!
أما المقصود من عظمة النساء في كيدهن ومكرهن ، أن النساء غير المؤمنات، وغير الملتزمات بشرع الله تعالى وأوامره، فهن من أقوى جنود الشيطان وأنصاره ، فقد روي عن النبي قوله: (النساء حبائل الشيطان) والشيطان يستخدم النساء غير الملتزمات كوسيلة من الوسائل الفاعلة من أجل الإيقاع بالرجال الصالحين في حبائله الماكرة !