وسام البلداوي
لقد عاش عمر بن سعد أشد حالات الخيبة والذلة بعد قتله للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وأهل بيته في كربلاء، لأنه لم يبق لنفسه دنيا ولا آخرة، فآخرته قد ضاعت لقتله ريحانة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، ودنياه قد تحطمت لأن يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد لعنهما الله لم يفيا له بولاية الري التي من أجلها اهلك نفسه، ((لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ))، فبقي في الكوفة منبوذا مهانا لا يجتمع الناس معه في مكان واحد، ويسبه كل من يراه، فترك الخروج وأصبح حبيس ذنبه وبيته، قال السيد المرعشي: (ثم قام عمر بن سعد لعنه الله عند إبن زياد يريد منزلته التي وعده بها فلم يف له فخرج من عنده وهو يقول ما رجع أحد مثل ما رجعت، أطعت الفاسق ابن زياد الظالم ابن الفاجر وأغضبت الحاكم العدل وقطعت القرابة الشريفة وكان كلما مر على ملأ من الناس أعرضوا عنه وكلما دخل المسجد خرج الناس منه وكل من رآه سبه فلزم بيته إلى أن قتل عليه غضب الله)(1).
وبقي عمر بن سعد على حالته هذه من الذلة والمهانة والاحتقار إلى سنة ست وستين، حين تولى المختار السيطرة على الكوفة ومن حولها، فطلب كل من شارك بقتل الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وقتل منهم كل من وصلت إليه يده، وكان عمر ابن سعد من بين هؤلاء الأرجاس الذين طالتهم يد العدالة والقصاص، قال ابن الأثير: (وكان المختار قد خرج يطلب بثار الحسين بن علي رضي الله عنهما واجتمع عليه كثير من الشيعة بالكوفة فغلب عليها وطلب قتلة الحسين فقتلهم قتل شمر بن ذي الجوشن الضبابي وخولى بن زيد الأصبحي وهو الذي أخذ رأس الحسين ثم حمله إلى الكوفة وقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص وهو كان أمير الجيش الذين قتلوا الحسين وقتل ابنه حفصا وقتل عبيد الله بن زياد)(2).
وقال خليفة بن خياط العصفري: (وفي سنة ست وستين... غلب المختار بن أبي عبيد على الكوفة...وقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص وابنه حفص بن عمر بن سعد)(3).
وقال ابن قتيبة: (فلما كان أيام المختار بن أبي عبيد بعث إلى عمر بن سعد أباه عمرة مولى بجيلة فقتله وحمل رأسه إليه وعنده حفص بن عمر بن سعد فقال له المختار أتعرف هذا الرأس قال نعم هذا رأس أبي حفص قال المختار فألحقوا حفصا بأبي حفص).(4)
وقال محمد بن سعد: (سار المختار بأصحابه إلى منزل عمر بن سعد فقتله في داره وقتل ابنه أسوأ قتلة)(5).
وروى الدينوري قصة أخرى لمقتل عمر بن سعد لعنه الله فقال: (وبلغ المختار أن شبث بن ربعي، وعمرو بن الحجاج، ومحمد بن الأشعث مع عمر بن سعد قد أخذوا طريق البصرة في أناس معهم من أشراف أهل الكوفة، فأرسل في طلبهم رجلا من خاصته يسمى أبا القلوص الشبامي في جريدة خيل، فلحقهم بناحية المذار، فواقعوه، وقاتلوه ساعة، ثم انهزموا، ووقع في يده عمر بن سعد ونجا الباقون. فأتي به المختار، فقال: الحمد لله الذي أمكن منك، والله لأشفين قلوب آل محمد بسفك دمك، يا كيسان، اضرب عنقه. فضرب عنقه)(6).
ورواية مقتله في بيته وعلى فراشه أصح وأكثر اعتبارا من حيث ان الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه دعا عليه في يوم عاشوراء بقوله: (ما لك قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلط عليك بعدي من يقتلك على فراشك، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من محمد صلى الله عليه وآله وسلم)(7)، فلعنه الله يوم ولد ويوم مات ويوم يغل إلى جهنم وبئس المصير.
الهوامش:
(1)شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي ج 33 ص 646 ــ 647.
(2)أسد الغابة لابن الأثير ج 4 ص 336.
(3) تاريخ خليفة بن خياط لخليفة بن خياط العصفري ص 202.
(4)المعارف لابن قتيبة ص 243 ــ 244.
(5) الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج 5 ص 148.
(6)الأخبار الطوال للدينوري ص 301.
(7) كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي ج 5 ص 114.