ففي تطور غير محسوب لأزمة الإيزيديات في العراق، لا يرغب بعضهن ممن كنّ مختطفاتٍ لدى تنظيم "داعش" بالعودة إلى عائلاتهن بعد أسرهن لنحو أكثر من أربع سنوات من قبل مقاتلي التنظيم، بعد دخوله إلى بلدة شمال غربي العراق في آب من العام 2014.
وإزاء هذا الواقع الجديد، روى صحافي سوري مختص في شؤون الإيزيدية ويدعى جابر جندو، لـ العربية.نت قصصاً عن معاناة هؤلاء الناجيات من الموت والهاربات من موت آخر في مناطقهن، قائلاً "لقد كنتُ مع الكثير من الإيزيديات الناجيات، حيث عبر العديد منهن مناطقنا في سوريا وأكملن طريقهن نحو قراهن في شمال غربي العراق".
ولفت إلى أنه "بعد تحرير تلك السيدات من بطش داعش، يخشى بعضهن الاعتراف بانتمائهن للطائفة الإيزيدية، والعودة إلى منازلهن، خوفاً من ردود أفعال عائلاتهن نتيجة تعرّضهن للاغتصاب المتكرر والعنف الجسدي وأيضاً إنجاب بعضهن الأطفال من مقاتلي التنظيم، لذا الكثير منهن يعشن في مخيماتٍ متفرقة بسوريا، فيما ذويهن يبحثن عنهن باستمرار، وهن يرفضن العودة"، ما يزيد وضعهن سوءاً، ليتحول هربهن من العادات والانتقادات إلى قضية جماعية تحتاج إلى حل.
ويضطر ذوو المختطفات والناجيات، لدفع مبالغ كبيرة عبر وسطاء يساعدونهم في الوصول لبناتهم الهاربات من التنظيم، إلا أن الهاربات القلقات يمتنعن عن إظهار هويتهن الحقيقية على العلن، ويحرصن على الابتعاد عن عائلاتهن.
في المقابل، ولمواجهة تلك المخاوف، أفتى المجلس الروحاني الأعلى للطائفة الإيزيدية في العالم بـ"ضرورة السماح بعودة الفتيات الناجيات من التنظيم لذويهن وتقبلهنّ في مجتمعاتهن دون ضغوط أو شروط".
ورغم انتشار هذه المخاوف لدى بعضهن، إلا أنه في المقابل هناك بعض الجماعات في المجتمع الإيزيدي تقبلت حالة الناجيات بعد عودتهن إلى قراهن، وتم احتضانهن من جديد.
أما اللافت في تلك المأساة، فيكمن في أن بعض المختطفات، لا سيما المراهقات والصغيرات في السن، تأثرن بأفكار التنظيم نتيجة وجودهن لديه وبين مقاتليه لفترة طويلة، ولم تتمكن قوات سوريا الديمقراطية التي تواصل مؤخراً تحرير بلدة "هجين"، الجيب الأخير للتنظيم في شمال شرقي البلاد، من الوصول لتلك السيدات، في الوقت الّذي تمكنت فيه من تحرير وحماية مئات المختطفات لدى التنظيم.
قصة "آلين".. التي خطفت يوم كان عمرها 9 سنوات
ومن ضمن قصص الناجيات المؤلمة، قصة الطفلة "آلين"، فعلى الرغم من أنها لم تكن تجاوزت التاسعة من عمرها عند خطفها، ولا تفقه شيئاً في السياسة، إلا أن هذا لم يمنع مقاتلي "داعش" من جعلها جاريةً لديهم بعد أن قاموا بأسرها من بلدتها شمال العراق وجلبها لمدينة الرقة السورية.
وقد تحدثت الطفلة الكُردية الإيزيديّة "آلين" عن رحلة أسرها الطويلة، قبل عودتها مؤخراً إلى عائلتها في العراق، قائلة "لقد قتلوا بعض رجال قريتنا أمامي رمياً بالرصاص في ذلك اليوم، بينما تم أسري مع أمي واثنين من إخوتي الصغار، وكنا معاً إلى أن افترقنا داخل مركز التنظيم في سوريا".
وكانت مهمة آلين البالغة من العمر اليوم 13 عاماً خلال أربعة سنوات من أسرها لدى التنظيم، تنظيف بيتِ أميرٍ كان يقاتل في صفوفهِ.
وكشفت والدة "آلين" أن ابنها لا يزال مختطفاً لدى التنظيم، وقالت بحسرة " ليتني أتمكن من مقابلته مرة أخرى".
مياسة: سعادتي لم تكتمل.. أنتظر أطفالي
من جهتها، أكدت مياسة عبّاس (35 عاماً) بعد تحررها من التنظيم أن ما عاشته لا يزال جاسماً في مخيلتها، وقالت "أنا سعيدة جداً بخلاصي من تنظيم داعش، لكن اللحظات القاسية لا تفارق مُخيلتي، وسعادتي لم تكتمل بعد".
وأضافت "حين أتذكر الساعات الأولى التي دخل فيها مقاتلو التنظيم إلى قريتنا، انتابني شعور بالخوف لدى سماعي بدخولهم، ولم أتخلص من هذا الشعور إلا بعدما تمكنت من الهرب منهم أخيراً".
وتابعت "لقد أجبرونا على اعتناق الإسلام عدّة مرات وفعلنا ذلك بالإكراه والخوف، بعض الإيزيديات انتحرن نتيجة سوء التعامل معهن، لقد عشنا في مناطق سورية متفرقة، وقاموا بفرز النساء حسب أعمارهن ووضعهن الاجتماعي، بعضنا حاولن الهرب وفشلن في ذلك وكان هذا سبباً إضافياً لتعذيبنا".
وكانت عبّاس، سبيّة لدى التنظيم تُباع وتشترى، ورغم نجاتها منهم، إلا أنها فقدت الاتصال بأطفالها ولم تعد تعرف عنهم شيئاً.
كما كشفت أيضاً أن مقاتلي التنظيم "كانوا يرغمون النساء على شرب الكحول وتناول بعض الحبوب التي لم يكن يعرف نوعها، كي يفقدن الوعي ويخضعن لأوامرهم".
وبين من استطاعت العودة إلى حياتها في كنفِ أسرتها بشكل طبيعي ومن تتهرّب خوفاً وخجلاً من مجتمعها، كشفت آخر إحصائيات المديرية العامة لشؤون الإيزيدية في وزارة أوقاف حكومة منطقة كُردستان العراق، أن "أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة فتاة إيزيدية ما زلن في قبضة التنظيم إلى الآن"، ولا يعرف مصيرهن وما إذا كنّ على قيد الحياة.