ومن أوائل الكوفيين الذين كتبوا للإمام الحسين (ع) بعد وفاة معاوية يدعونه إلى القدوم إليهم والثورة، فلمّا قُتل مسلم وهاني اختفى مدّة، ثمّ أتى في الخفاء إلى الحسين عليه السلام بكربلاء، واستشهد بين يدَيه يوم عاشوراء على أرض كربلاء
اسمه، كنيته ونسبه
حبيب بن مُظَهَّر (أو مُظاهر) بن رئاب بن اشتر بن حجوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن حارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد الأسدي الكندي الفقعسي. أثبت المصادر التاريخية المتقدمة اسم أبيه مُظاهر تارةومًظهّر أخرى وبعضها أثبته "مُطهّر" ، والصحيح- كما عن المامقاني وبقرينة الزيارات وما اشتهر على الألسن– مُظاهر. فيما مال السيد محسن الأمين لتصحيح مُظهر على وزن مطهر، وما أثبتته كتب المتأخرين خلاف ضبط القدماء.
فضائله
هو من أشهر أصحاب الإمام الحسين (ع) وكان من السبعين رجلا الذين نصروه في كربلاء وصبروا على البلاء حتى قتلوا معه، وقد تقدم عده من أصحاب علي والحسن عليهما السلام.
ذكره المصادر بأنه كان عابداً ورعا تقيا ومراعيا لحدود الله تعالى، حافظا للقرآن الكريم، وكان يختمه في كل ليلة من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.
قال العلامة الأمين العاملي في أعيان الشيعة:
كان حبيب من الجماعة الذين نصروا الحسين (ع) و لقوا جبال الحديد واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم وهم يعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون ويقولون لا عذر لنا عند رسول الله (ص) إن قتل الحسين و منا عين تطرف حتى قتلوا حوله.
صحبته للنبي الأكرم (ص)
اختلفت كلمة الرجاليين في حبيب بن مظاهر هل كان صحابياً أو تابعياً، فذهب البعض كابن الكلبي وابن حجر العسقلاني الى القول بأن حبيباً أدرك النبي (ص) وصاحبه.
فيما يظهر من عدم عدّ الشيخ الطوسي له في أصحاب الرسول (ص) وعدّه في أصحاب علي والحسنين (ع) أنه ليس بصحابي. و كذلك لم يذكره صاحبا الإستيعاب وأسد الغابة في عداد الصحابة.
مصاحبته لأمير المؤمنين (ع)
قال أهل السير : إن حبيبا نزل الكوفة ، وصحب عليا ( عليه السلام ) في حروبه كلها، وكان من خاصته وحملة علومه. إذ تعلم منه علم المنايا والبلايا وكان من رجال شرطة الخميس المدافعين عن أمير المؤمنين عليه السلام، وله حكاية تكشف عن معرفته بعلم المنايا والبلايا عن فضيل بن الزبير، قال:
مرّ ميثم التمار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الاسدي عند مجلس بني أسد، فتحدثا حتى اختلف أعناق فرسيهما.
ثم قال حبيب: لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دارالزرق، قد صلب في حب أهل بيت نبيه عليه السلام، ويبقر بطنه على الخشب.
فقال ميثم: واني لاعرف رجلا أحمر له صفيدتان يخرج لينصر ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه بالكوفة.
مع الإمام الحسين (ع)
في الكوفة
لما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية اجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعى فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله وأثنوا عليه، وكتبوا الى الحسين (ع): بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي عليهما السلام من سليمان بن صرد، والمسيب بن نجية، ورفاعة بن شداد البجلى، وحبيب بن مظاهر، وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك فانا نحمد اليك الله الذي لا اله إلا هو، اما بعد فالحمد لله الذى قصم عدوك الجبار العنيد... إنّه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. ولما ورد مسلم بن عقيل الكوفة و نزل دار المختار بن أبي عبيد و أقبلت الشيعة تختلف اليه جعل حبيب ومسلم يأخذان البيعة للحسين (ع) في الكوفة حتى إذا دخلها عبيد الله بن زياد وخذل أهلها عن مسلم وتفرق أنصاره حبسهما عشائرهما وأخفياهما، فلما ورد الحسين كربلاء خرجا اليه مختفيين يسيران الليل و يكمنان النهار حتى وصلا اليه.
رسالة الحسين (ع) إليه
جاء في المصادر المتأخرة:
لما وصل الإمام الحسين (ع) في مسيره الي الكوفة، الي أرض، و خيم في واد منها، و علم بقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، و أن أهل الكوفة غدروا به، و كان قد عقد اثنتي عشرة راية، ثم أمر جمعا بأن يحمل كل واحد منهم راية منها، فأتي اليه أصحابه و قالوا له: يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله! دعنا نرتحل من هذه الأرض. فقال لهم: صبرا حتي يأتي الينا من يحمل هذه الراية الأخري. فقال له بعضهم: سيدي! تفضل علي بحملها. فجزاه الحسين عليه السلام خيرا و قال: يأتي اليها صاحبها. ثم كتب كتابا نسخته كذا:
من الحسين بن علي بن أبي طالب الي الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر: أما بعد، يا حبيب! فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله صلي الله عليه و آله، و أنت أعرف بنا من غيرك، و أنت ذو شيمة و غيرة، فلا تبخل علينا بنفسك، يجازيك جدي رسول الله صلي الله عليه و آله يوم القيامة.
ثم أرسله الي حبيب.
قال: و كان حبيب جالسا مع زوجته، و بين أيديهما طعام يأكلان، إذ وصلته الرسالة، فدار بينه و بين زوجته حديث وهي تحثه على نصرة ابن رسول الله. ثم أقبل حبيب على جواده و شد شدا وثيقا، و قال لعبده: خذه، و امض به، و لا يعلم بك أحد، و انتظرني في المكان الفلاني. فأخذه العبد، و مضي به. و بقي ينتظر قدوم سيده.
في كربلاء
لمّا وصل حبيب إلى الحسين (ع) ورأى قلة أنصاره وكثرة محاربيه قال للحسين (ع): إن هاهنا حيّا من بني أسد فلو أذنت لي لسرت إليهم ودعوتهم إلى نصرتك لعل الله أن يهديهم وأن يدفع بهم عنك! فاذن له الحسين (ع) فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم وقال في كلامه: يا بني أسد قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه، هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) وقد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين، وقد أطافت به اعداؤه ليقتلوه، فاتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله (ص) فيه... [فخرجوا معه] فعارضهم عمر بن سعد ليلا ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم، فلما علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحملوا عن منازلهم، و عاد حبيب إلى الحسين (ع) فأخبره بما كان، فقال عليه السلام: "وما تشاؤون الا ان يشاء الله" ولا حول ولا قوة إلا بالله.
شهادته
قتاله في المعركة
برز حبيب بن مظاهر الأسدي وهو يقول:
أنا حبيب وأبي مظاهرفارس هيجاء وحرب تسعر
وقاتل قتالا شديداً، ثم حمل عليه بُديل بن صُرَيم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير لعنه الله على أمّ رأسه بالسيف فوقع ونزل بديل فاجتز رأسه وأخذ فعلقه في عنق فرسه فهد مقتله الحسين عليه السلام، فقال: عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي. وفي رواية قال عليه السلام: لله دَرُّكَ يا حبيب، لقد كنتَ فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة.
روي أن لحبيب ولد إسمه القاسم فلما بلغ الحلم قتل بديل بن صريم.
المصادر والمراجع
المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث الطبعة: الثانية، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت – لبنان، سنة الطبع: 1414- 1993 م.
الخوارزمي، موفق بن أحمد الخوارزمي، قم، أنوارالهدى، ۱۴۱۸هـ.
السيد بن طاووس، علي بن موسي بن جعفر بن طاووس، اللهوف، الطبعة الأولى المطبعة: مهر الناشر: أنوار الهدى- قم- ايران،1417هـ.
محمد مهدي الحائري، شجرة طوبى، الطبعة : الخامسة، الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف، محرم الحرام 1385هـ.