أنصار الحسين...منهم الصحابيّ، ومنهم التابعيّ، ومنهم مَن عرفته ساحات الجهاد طويلاً.
إلتحقوا بساحة الفوز العظيم من كلّ مصرٍ وقبيلة، كأقمارٍ تطوفُ حول كعبة الآمال بلقاء المحبوب.
من صفاتهم الجامعة: يقينٌ لا شكّ فيه، وعشقٌ للموت ذوداً عن سبط خاتَم النبيّين صلّى الله عليه وآله وسلّم.
خاطبهم الإمام المهديّ عليه السلام في الزيارة المنسوبة إليه: "أشهد لقد كُشف لكم الغطاءُ، ومُهِّد لكم الوطاءُ، وأُجزلَ لكم العطاءُ، وكنتم عن الحقّ غير بِطاء
بلغ عدد الشهداء بين يدي الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من المحرّم عام 61 من الهجرة ما يزيد عن السبعين شهيداً من الهاشميّين ومن قبائل مختلفة، وقد رأينا في هذا الباب أن نقدّم عن احد الشهداء العظام ممّن يندر الحديث عنهم عادة، الشهيد الأدهم بن أميّة.
هِجرتُه إلى ما هاجَر إليه
كان الأدهَم من الشيعة البصريّة الذين يجتمعون في بيت مارية ابنة مُنقِذ العبديّة، وهي امرأةٌ تتشيّع وقد جَعَلت دارها مَأْلَفاً للشيعة يتحدّثون فيه حول شؤون الإسلام وأحوال المسلمين وظروفهم.
وكان عبيدالله بن زياد ـ بعد بلوغه إقبالُ الإمام الحسين عليه السّلام ومكاتبة أهل العراق له ـ كتب إلى عامله بالبصرة أن يضع الأنظار والمَراصد ويأخذ الطريق. فيما أجمع يزيد بن ثبيط العبديّ البصريّ ( وهو من شيعة البصرة ومن أصحاب أبي الأسوَد الدؤليّ، وكان شريفاً في قومه ) على الخروج للالتحاق بالركب الحسينيّ القادم إلى العراق، وكان ليزيد بن ثبيط بنون عشرة، فدعاهم إلى الخروج معه، فاستجاب له اثنان منهم: عبدُالله وعبيدالله.. فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة: إنّي قد أزمعتُ على الخروج، فمَن يخرج معي ؟
ثمّ خرج.. هو وابناه ، وصَحبُه: عامر بن مسلم، ومولاه سالم، وسيف بن مالك، والأدهم بن أُميّة العبديّ البصريّ. وقويَ في الطريق حتّى انتهى إلى الإمام الحسين عليه السّلام، فلمّا بلَغَ الحسينَ سلامُ الله عليه مجيئُه جعل يطلبه.. حتّى جاء عليه السّلام إلى رَحله، فقيل للحسين عليه السّلام: قد خرج إلى منزلك. فجلس عليه السّلام في رحل يزيد العبديّ ينتظره، وأقبل يزيد لمّا لم يجد الحسينَ عليه السّلام في منزله وسمع أنّه عليه السّلام قد ذهب إليه ليستقبله، ورجع على أثره إلى رحله. وعندما رأى يزيدُ العبديّ سيّدَه الإمامَ الحسينَ عليه السّلام جالساً في رحله ينتظره، قال: بِفَضْلِ اللهِ وبرحمتهِ وبذلكَ فَلْيَفرْحُوا، السلامُ عليك يا ابنَ رسول الله.
ثمّ جلس يزيد العبديّ إلى الإمام الحسين سلام الله عليه وأخبره بالذي جاء به، فدعا له الإمام الحسين عليه السّلام بخير، ثمّ ضَمَّ عليه السّلام رَحلَ يزيد العبديّ إلى رَحله. وما زال هو ومَن قدم معه ـ وفيهم الأدهم بن أُميّة العبديّ ـ مع أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه حتّى استُشهِدوا جميعاً في الطفّ بين يديه.
الهجوم الأوّل
تجاسَرَ بعضُ أزلام عمر بن سعد في كلامهم على حُرمة الإمام الحسين عليه السّلام، وأقبلوا يجولون حول الخيام ليقتحموا عسكره، فرامَ بعضُ أصحابه عليه السّلام أن يَردّوا عليهم ويؤدّبوهم، وهَمَّ بعضهم أن يقتل المتجاوزين، إلاّ أنّ الإمام الحسين عليه السّلام نهى ومنع قائلاً: أكْرهُ أن أبدأهم بقتال.
وهكذا كانت الرحمة الحسينيّة تَدَع الفرصةَ متوفّرةً لكلّ مَن يريد أن يؤوب، أو يتوب، أو يُفيق من غفلته وغروره وينظر أين هو ؟ ومَن يقاتل ؟ وإلى مَن ينتصر ؟ لِيَهْلِكَ مَن هَلَكَ عَنْ بيّنةٍ ويَحيى مَن حَيَّ عن بيّنة.
وكان للإمام الحسين عليه السّلام صَبْرُه، فلِلّهِ دَرُّه، وعلى الباري أجْرُه.. حتّى كانت فتنة عمر بن سعد بعد أن خَطَب الحرُّ بن يزيد الرياحيّ رضوان الله عليه في معسكر أهل الكوفة، فأنّبهم ووبّخهم على وقفته تلك، ودعاهم إلى نُصرة سيّد شباب أهل الجنّة أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، فما كان مِن أصحاب عمر بن سعد إلاّ أن حملوا عليه يرمونه بالنَّبل، ثمّ نادى عمر بن سعد: يا دُرَيد! أَدْنِ رايتَك. فأدناها، ثمّ وضع ابنُ سعد سهماً في كَبِد قوسه فرمى قائلاً: اشهَدوا أنّي أوّل مَن رمى من الناس!قال محمّد بن أبي طالب ـ وهو يؤرّخ وقائع عاشوراء ـ: فرمى أصحابُ عمر بن سعد كلُّهم، فما بقيَ من أصحاب الحسين عليه السّلام أحدٌ إلاّ أصابه من سِهامهم. قيل: فلمّا رَمَوهم هذه الرمية، قلّ أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام، وقُتل في هذه الحملة خمسون رجلاً.
الاصطدام
قال أبو مِخنَف وهو يدوّن وقائع يوم الطفّ: وحَمَل القومُ بعضُهم على بعض، واشتدّ بينهم القتال، فصبر لهم الإمام الحسين عليه السّلام وأصحابه..
حتّى انتصف النهار وهم يقاتلون مِن جهةٍ واحدة، فلمّا رأى ابن سعدٍ ذلك أمر بإحراق الخيام.. وحمل الشمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاطَ الحسين عليه السّلام ونادى: علَيّ بالنار لأُحرقَ بيوت الظالمين! فحمل عليه أصحاب الحسين عليه السّلام حتّى كشفوه عن الخيمة.
وناداه الحسين سلام الله عليه: وَيْلَك يا شمر! تريد أن تُحرق خيمة رسول الله ؟!
قال: نعم.
فرفع الحسين عليه السّلام طَرْفَه إلى السماء وقال: اللّهمّ لا يُعجزك شمرٌ أن تُحرقه بالنار يومَ القيامة.
فغضب الشمر وقال لأصحابه: احملوا عليهم حملة رجلٍ واحد، وأفْنُوهم عن آخِرِهم!
فتفرّقوا يميناً وشمالاً، وجعلوا يَرشُقونهم بالنَّبل والسِّهام، فصار أصحاب الحسين عليه السّلام ما بين جريحٍ وطريح.. وكان مِن بينهم هذا الشهيد: الأدهم بن أميّة العبديّ، الذي ثبت مع جملة الأصحاب حتّى نال المنى مع تلك الجماعة التي يصفها الشاعر:
سَطَتْ ورَحَى الهيجـاءِ تَطحَنُ شُوسَها ووجـهُ الضـحى فـي نَقِعـها مُتنقِّبُ
تَهلَّلُ بِشْـراً بــالقِـراعِ وجـوهُـها وكم وَجـهُ ضـرغـامٍ هنـاك مُقطِّبُ
وتَلتذُّ إن جاءتْ لهـا السُّـمْرُ تلتـوي وللبِيضِ إن سُلّتْ لدى الضرب تَطْرَبُ
أعـزّاءَ لا تلـوي الـرقـابَ لفـادحٍ ولا مِن أُلـوفٍ فـي الكـريهة تَرهَبُ
فمـا لِسـوى العليـاءِ تاقَتْ نفـوسُهُم ولم تَكُ في شـيءٍ سوى العِـزِّ تَرغَبُ
وما بَرِحتْ تُقـري المـواضي لحومَ هاومِـن دمها السُّمـرُ العواسلُ تَشـربُ
إلى أن تَهـاوَتْ كالكواكبِ في الثَّـرى ومـا بَعـدَهم يا ليتَ لا لاحَ كوكبُ
تهـاوَوا.. فقُلْ زُهْـرُ النجـومِ تَهافتتْ وأهْوَوا.. فقُلْ شُـمُّ الجبـالِ تَهـدَّم
لقاء الله.. أحلى وألذّ
كتب السيّد ابن طاووس: رُوي عن مولانا الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: سمعتُ أبي (أي الإمام محمّد الباقر عليه السّلام) يقول: لمّا التقى الحسينُ عليه السّلام وعمر ابن سعد لعنه الله، وقامت الحرب، أنزل اللهُ تعالى النصرَ حتّى رفرَفَ على رأس الحسين عليه السّلام، ثمّ خُيِّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله، فاختار لقاءَ الله.
واختار أصحابُ الإمام الحسين عليه السّلام الشهادةَ على الفرار، والقتالَ على الانزواء، ونُصْرَة الحقّ على نصرة الباطل.. وكان منهم الأدهم بن أُميّة العبديّ الذي استُشهِد في الحملة الأولى فيمن استُشهِد من أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام.
الخلاصة: هو ابن الصحابيّ «أميّة العبديّ» الذي سكن البصرة مع من سكنها من الصحابة، وكان من الموالين لأهل البيت عليهم السلام، وممّن وطّنوا أنفسهم على نصرتهم ولو ببذل الأرواح.
كان من ضمن المجموعة التي خرجت من البصرة مخترقةً إجراءات جيش ابن زياد، ووافت الإمام الحسين عليه السلام في مكّة، ثمّ سار معه إلى العراق معايشاً الظروف التي مرّت بالركب الحسينيّ، فلم يزدد إلّا تصميماً على ما سار لأجله. وفي كربلاء، قبل ظهر اليوم العاشر من محرّم، شنّ جيش عمر بن سعد هجوماً على معسكر الإمام الحسين، فكان الأدهم بن أمية من شهداء تلك الحملة رضوان الله تعالى عليه.
فسلام عليه في الأوفياء، والصالحين الشهداء.