جاء في مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ للخوارزمي قال : و دعا المختار بعبد الرحمن بن عبيد الهمداني وقال له : بلغني عن شمر بن ذي الجوشن الضبابي أنّه خرج من الكوفة في نفر من غلمانه و مَن تبعه هارباً ، فاخرج أنت في طلبه فلعلّك تأتيني به حيّاً أو برأسه ؛ فإنّي لا أعرف في قتلة الحسين أعتى منه، ولا أشدّ بغضاً لأهل البيت (عليهم السّلام).
وضمَّ إليه عشرة من أبطال أصحابه ، وقال له ولهم : أنشدكم الله إلاّ أقررتم عيني بقتله ، و شفيتم غليلي بذلّه ؛ فلقد أكمدني بفعله .
فخرج عبدالرحمن في أصحابه العشرة يسألون عنه ، فقيل : إنّه قد نزل في جنب قرية على شاطئ الفرات يقال لها : الكلتانية ، ومعه قوم قد صحبوه من قَتَلة الحسين (عليه السّلام) ، و هم آمنون مطمئنون . فرحل عبد الرحمن بهم إليه ، فلمَّا أشرف عليه أعلم أنّ الخيل خيل المختار ، فوثب قائماً يتأمّلهم ، فنظروا إليه و عرفوه ، فكبّروا و أحاطوا به و بأصحابه ، وكان شمر متّزراً بمنديل ، وكان أبرص ، والبرص على سائر جسده فكأنه ثوب ملمع ، فأخذ رمحه ودنا من أصحاب المختار ، و حمل عليهم و هو يقول :
نَـبَّهْتُمُ ليثاً هِزَبْراً باسلا جَـهْماً مُحِيَّاهُ يدقُّ الكاهلا
لم يكُ يوماً عن عدوٍّ ناكلا إلاّ كـذا مـقاتلاً أو قاتلا
فتقدّم إليه عبد الرحمن بن عبيد و هو يقول :
يـا أيُّـها الغادرُ و ابنَ الغادرِ و قـاتل الحسينِ ذي الـمفاخرِ
ابــنِ الـنبيِّ الطيِّبِ العناصرِ و ابنِ الوصيِّ الطاهرِ ابنِ الطاهرِ
مُـنِّـيْت مـن شيعتهِ بـثائرِ يـطعنُ في الضلوعِ والحناجرِ
أشـجعَ مـن ليثِ عرينٍ خادِرِ فـابْشِرْ بخزيٍ و بموتٍ حاضرِ
ثمّ طعنه عبدالرحمن في نحره فسقط قتيلاً ، فنزل إليه و احتزّ نحره ، و قتل أصحابه جميعاً ، و أخذ أموالهم و أسلحتهم و دوابهم ، وجاء برأسه و رؤوس أصحابه إلى المختار ، فلمَّا نظر المختار إليه خرَّ ساجداً ، وقال عبد الرحمن : أقرَّ الله عينك بلقاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الجنّة ، ثمّ أمر برأس الشمر فنصب في رحبة الحذائين إزاء المسجد الجامع ، فمثَّل به الصبيان برمي الحجارة والقذارة ، و أمر المختار لعبد الرحمن عشرة آلاف دينار ، وولاّه حلوان."(1)
و روى إبن عساكر قال : أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنبأ محمّد بن علي ، أنبأ أحمد بن إسحاق ، عن أحمد بن عمران ، عن موسى بن زكريا ، عن الخليفة العصفري قال : الذي ولي قتل الحسين (عليه السّلام) شمر بن ذي الجوشن، و أمير الجيش عمر بن سعد بن مالك .
قال أبو مخنف : فحدثني مسلم بن عبدالله قال : و أنا والله مع شمر تلك الليلة ، فقلنا له : لو أنّك ارتحلت بنا من هذا المكان ؛ فإننا نتخوّف به . فقال : أوَ كلُّ هذا فرقاً من هذا الكذّاب ؟! والله لا أتحوَّل منه ثلاثة أيام ، ملأ الله قلوبكم رعباً . وكان ذلك المكان الذي كنَّا به فيه دبا كثير ، فوالله إنّي لبَيْنَ اليقظان والنائم إذا سمعت وقع حوافر الخيل ، فقلت في نفسي : والله صوت الدّبا ، ثمّ إنّي سمعت أشدَّ من ذلك ، فانتبهت و مسحت عيني فقلت : لا والله ما هذا بالدّبا .
قال : و ذهبت لأقوم فإذا أنا بهم قد أشرفوا علينا من التلِّ ، فكبّروا ، ثمّ أحاطوا بأبياتنا ، و خرجنا نشتدّ على أرجلنا ، و تركنا خيلنا .
قال : فأمرُّ على شمر و أنّه لمرتدي ببرد محقق ، وكان أبرصَ ، فكأنّي أنظر إلى بياض كشحيه من فوق البرد ، و أنّه ليطاعنهم بالرمح قد أعجلوه أن يلبس سلاحه و ثيابه .
قال : فمضينا و تركناه .
قال : فما هو إلاّ أن مضت ساعة إذ سمعت : الله أكبر ، قتل الله الخبيث."(2)
و روى في هلاكه الشيعي العلاّمة المجلسي (رحمه الله) ، قال : و طلب المختار شمر بن ذي الجوشن ، فهرب إلى البادية ، فسعى به إلى أبي عمرة ، فخرج إليه مع نفر من أصحابه ، فقاتلهم قتالاً شديداً فأثخنته الجراحة ، فأخذه أبو عمرة أسيراً ، و بعث به إلى المختار ، فضرب عنقه ، و أغلى له دهناً في قدر ، فقذفه فيها فتفسّخ ، و وطئ مولى لآل حارثة بن مضرب وجهه و رأسه.(3)
الهوامش:
(1) مقتل الحسين ـ الخوارزمي 2 / 270 ـ 271 .
(2) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر 23 / 190 .
(3)بحار الأنوار ـ العلاّمة المجلسي 54 / 338 ، أقول : و ذكر أيضاً في بحار الأنوار 45 /375 هلاك شمر (لعنه الله) مشابهاً لِما ذكره الخوارزمي ، مستدرك سفينة البحار ـ الشيخ علي النمازي 6 / 43 .