الشيخ محمد صنقور
هل خلق الله الإبليس ليلعب دور الإغواء؟ واذا كان الجواب بالنفي اذاً كيف تكون الحياة دون وجود الشيطان والحياة قائمة على أساس الخير والشر؟ ولماذا أمهله الله حتى قيام الدين هل ليلعب دور الإغواء أم ماذا ونحن نعلم أن الظالم لا تجاب دعوته؟
الغاية من خلق إبليس:
وأما انَّ الشيطان خُلق للإغواء فالامر ليس كذلك بل إنَّ الغاية من خلقه هي الغاية خلق الجن والانس ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
فمعصيةُ إبليس وكفره وغوايته للناس كان بسوء إختياره وإلا فإنَّ الله تعالى قد هيأ له أسباب الهداية شأنُه شأن سائر خلقه، وكان على عتوه بصيراً بعاقبته ومآل أمره قال تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
فإبليس ليس مقسوراً على فعل الغواية لعباد الله تعالى بل هو إنما يفعل ذلك لخبث سريرته وطغيانه على ربِّه فهو مستحق للعقوبة، وليس معنى ذلك انِّه خارج عن سلطان الله تعالى وتقديره ، بل انَّ الله جلَّ وعلا لمَّا خلق عباده من الجن والانس ،اقتضت حكمته انْ يمنحهم العقل والهداية وأنْ يمنحهم الاختيار في حدود سلطانه وانْ يمكِّنهم من فعل ما يُريدون في حدود سلطانه، فاختار بعضُهم الهدى واختار بعضهم السعي في هداية الخلق، واختار آخرون الضلال واختار إبليس وجنودُه مضافاً إلى الضلال السعي في إضلال خلق الله تعالى، وليس لإبليس من سلطان يَقسرُ به الناس على الضلال، فهو أعجز من ذلك، نعم له القدرة بمشيئة الله على السعي من أجل إضلال الناس شأنه في ذلك شأن آخرين من خلق الله تعالى إلا انَّهم لم يختاروا هذا الطريق.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾.
وأما ان الله جلَّ وعلا قد مكنَّه من الوسوسة للناس دون أنْ يرونه فهو لم يُمكِّنه من ذلك لهذه الغاية وانِّما هو بسوء اختياره اتخذ لنفسه هذه الغاية، فشأن إبليس شأن غيره من الجن قادرون على الإلقاء في روع الانسان دون ان يبُصرهم، لذلك فجنود إبليس من الجن لهم عين هذه الملكة التى كانت له قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾(23).
فالطبيعة التكونية لخلق الجن تقتضى القدرة على التواري عن أنظار بنى الانسان، وذلك لحكمة اقتضتها العناية الالهية في تدبير الكون إلا انَّ إبليس وجنوده وظَّفوها بسؤ اختيارهم لغاية الإضلال كما وظَّف الانسان الكثير من قدراته الممنوحة له من الله في معصية اله تعالى.
وأما انَّ الله جل وعلا استجاب له دعاءه فأطال عمره إلى يوم الوقت المعلوم فلأن ذلك هو مقتضى ما أراده الله تعالى في تدبير شؤون خلقه، حيث انَّ إرادته قد اقتضت تمحيص خلقه و امتحانهم بعد أودع فيهم الاختيار قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ/وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾.
ثم انَّ الله تعالى كثيراً ما يمنح النعم للكافرين والطغاة استدراجاً لهم، ولانَّ تدبيره لشئون خلقه يقتضي ذلك.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ/وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ/وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.
فاالمدُّ في عمره لا يعدو كونه إملاءً من الله تعالى واستدراجاً له وحينذاك سيندم ولاة حين مندم.
قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ/فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾
المصدر:مركز الهدى للدراسات الإسلامية