دروس في ولاية الفقيه...الأدلة على ضرورة تعيين الولي و الحاكم

الإثنين 3 سبتمبر 2018 - 06:16 بتوقيت غرينتش
دروس في ولاية الفقيه...الأدلة على ضرورة تعيين الولي و الحاكم

إن الاستدلال بهذه الآية لأجل إثبات حاكمية الناس على بعضهم ونفي الحاكمية المعينة من جانب الإله هو تمسك بالعام في الشبهة المصداقية العامة...

آية الله جوادي الآملي‏
استند البعض لأجل نفي ضرورة تعيين الولي والحاكم من قبل الله المتعال على الآية الكريمة من سورة الشورى حيث يذكر الصفات العشر للمؤمنين: ﴿والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون﴾.

وجاء الاستدلال بهذه الآية على أن وصف المؤمنين بأنهم يؤدون أعمالهم من خلال الشورى دليل على وجوب الشورى في أفراد المجتمع الإسلامي من باب حكومة الناس على بعضهم أي أن قيادة وإدارة المجتمع ليست أمراً يعين من قبل الله، بل هو تكليف على الناس.

* الجواب الأول في دفع شبهة المعارضة
إن الاستدلال بهذه الآية لأجل إثبات حاكمية الناس على بعضهم ونفي الحاكمية المعينة من جانب الإله هو تمسك بالعام في الشبهة المصداقية العامة، والحال قد ثبت في علم الأصول أن التمسك بالعام غير جائز في الشبهة المصداقية الخاصة فكيف إذا كان اعتماداً على العام في الشبهة المصداقية العامة. أي أنه لو كان لدينا أمراً عاماً خصص لأمر خاص، وهناك شككنا في أحد المصاديق هل يشمله العنوان الخاص ليخرجه ذلك من الحكم العام أم لا. ففي هذا المورد لا يمكن أن نجري الحكم العام على ذلك الأمر المشكوك من خلال الاستناد أو التمسك بالعام. فإذا كان التمسك بالعام لا يمكن أن يعين حكم أمر يشك بشمول الخاص له، فمن المسلم أنه لا يمكن تحديد حكم أمر يشك بالأصل في مصداقيته للعام.

وكمثال؛ لو صدر الحكم من خلال جملة "أكرم العلماء" بإكرام جميع العلماء، ثم شككنا في عالمية زيد، فهنا لا يمكن الحكم بوجوب أكرام زيد من خلال التمسك بعموم "العلماء".
وفي الآية المذكورة أيضاً لو كان الحكم عاماً في أن على المؤمنين أن يتشاوروا في الأمور المتعلقة بهم يكون الاستدلال على هذا العموم حينها تاماً، إذا أثبتنا قبلها أن الحكومة والقيادة في المجتمع هي من الأمور المتعلقة بالناس من قبيل البلدية وغيرها.
فلو ثبت أن حق التدخل في الحكومة من شأن الناس لاستطعنا في هذه الحال أن نستدل بهذا الشكل:
- الحكومة جزء من أمور الناس وحقهم.
- والمؤمنون يديرون الأمور المتعلقة بهم بالشورى.
إذن فالحكومة ينبغي أن تدار بالشورى.
لكن ما لم يثبت أن الحكومة من الحقوق الخاصة بالناس، فلا يمكن إطلاقاً إثبات لزوم الشورى وانتخاب الحكومة بالإستناد إلى أن المؤمنين يديرون أمورهم بالشورى.

* الجواب الثاني‏
يمكن تقسيم الحكومات إلى ثلاثة أنواع:
1-الحكومة الاستبدادية: التي تقوم على أساس السيطرة والغلبة. تحت شعار "الحكم لمن غلب". وقد عبر فرعون عن هذا الاعتقاد بقوله: ﴿قد أفلح اليوم من استعلى﴾ (طه: 64).

2-حكومة الشعب: نظير الحكومات الرائجة التي تدّعي حرية الشعب. وتكون دائرة تدخل وتصرف مثل هذه الحكومات في حدود تنظيم وإدارة أعمال الناس.

3-الحكومة الإلهية: التي تتسع دائرة تصرفها فوق أعمال الناس لتشمل الأخلاق والعقائد. فهي تمتلك برنامجاً واضحاً بالنسبة للجانب العقائدي وتقرر لهم مسلكاً أخلاقياً. وفي مثل هذا النوع من الحكومات لا يكون الحكم للحاكم الذي ينتصر بالقوة، ولا للشعب الذي يفرض قانونه الخاص بل هو حق الله رب الناس.

ولهذا ففي هذا النوع من الحكومات وخلافاً للرائج في هذا العالم لا يوجد أدنى فرق بين الحاكم الذي يكون نبياً أو إماماً أو مجتهداً عادلاً وعامة الشعب سواء في التقنين أو الافتاء أو القيادة أو الولاية. أي أن الولي والعامي كلاهما تابعان للأحكام الإلهية والولائية.
ونجد هذا التساوي في كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام حيث يقول: "ما أمرتكم بشي‏ء إلا وكنت عاملاً به قبلكم ولم أنهكم عن أمر إلا وكنت منتهياً عنه قبلكم".
ولهذا أيضاً نجد شمول وسعة الحاكمية الإلهية في اطلاق دليل حرمة رد حكم الحاكم الشامل للجميع حتى على الفقيه المعين نفسه. بمعنى أن الولي الفقيه أيضاً كسائر أفراد المجتمع محكوم بالفتوى أو الحكم الذي يصدره على أساس الضوابط الإلهية.

بالالتفات إلى خصائص الحكومة الإلهية والمميزات التي تفصلها عن الحكومات الأخرى وخاصة بالتوجه إلى أن الحق في الحكم مختص بالله تعالى يُعلم أن الاستناد إلى عموم الآية الشريفة ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ لإثبات حاكمية الشعب لا يكون من قبيل الاستناد إلى العام في الشبهة المصداقية، بل هو من قبيل التمسك بالعام في المورد الذي يخرج قطعاً عن مصاديقه، ومثل هذا التمسك بديهي البطلان. أي أن تلك الشبهة للوهلة الأولى قد تبدو بصورة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ولكن بعد التأمل الدقيق تطرح بعنوان التمسك بالعام في المورد المقطوع العدم.

* شبهة نقض البرهان العقلي ودفعه
يمكن أن يقال أنه لو كان وجود العارف بالإسلام الذي يعمل على إجراء وتنفيذ القوانين الإلهية في جميع الأزمنة ضرورياً للبشر بالبرهان العقلي لكان ينبغي في كل العصور أن لا تخلو الأرض من القيادة الإلهية في حين أننا لا نشاهد بعد ارتحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا مرحلة قصيرة من حكم أمير المؤمنين والإمام الحسن المجتبى عليهما السلام وبعبارة أخرى، بالرغم من وجود أشخاص عارفين بالإسلام بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لكن طبقاً لمفاد البرهان هناك إضافة إلى المعرفة والعمل بها ضرورة القدرة على الإدارة والقيادة.
وجواب هذه الشبهة هو أنه قد وجد أولئك الأشخاص الحائزين على الشرط الثالث إضافة إلى معرفة الإسلام والعمل به وهو القدرة على إجراء القانون في غير زمن حكم أمير المؤمنين والإمام الحسن المجتبى عليهما السلام وما يثبت ضرورته البرهان إضافة إلى معرفة الإسلام والعمل به ليس شيئاً آخر سوى القدرة والإمكانية للتدبير والقيادة الاجتماعية.

وهنا يلزم معرفة هذه النقطة وهي أن الأمة والإمامة اللتين تشكلان النظام الإسلامي مثل العلية والمعلولية هما من المفاهيم المتضايفة لا يتحقق أحدهما إلا بتحقق الآخر لكن هذا التضايف المفهومي لا يكون مانعاً من فعلية وتكون الإمام في الخارج في رتبة مقدمة على الأمة كما في التضايف المفهومي للعلية والمعلولية بمعنى نفي التقدم الذاتي للعلة على المعلول.

وتوضيحه أن المعنى الإضافي للعلية والمعلولية وأيضاً الوصفين العنوانين للعلة والمعلول فإنهما بسبب التضايف الموجودين ضلعيهما متساوييان ومتلازمان، لكن هذا التلازم يبقى في حدود المفهوم والعنوان. بمعنى أنه فيما لم يتحقق المعلول في الخارج لا يتحقق المعنى الإضافي لعليّة العلة أو المعنى الإضافي بما أنه يبقى في حدود الذهن لا يوجب أبداً تلازم العلة والمعلول في الخارج، ولا يكون سبباً لفخر المعلول أو وهن العلة. لأن ما في الخارج هو التقدم الذاتي للعلة والتأخر الذاتي للمعلول. لأن العلة متقدمة على المعلول ذاتاً، والمعلول يكتسب كل وجوده- حدوثاً وبقاءً- من العلة.
ومثال آخر في هذا المجال هو مثال الخالقية والمخلوقية. فإن الحقيقة العينية للخالق في الخارج متقدمة على المخلوق. لأن الخالق غنى محض والمخلوق فقر صرف. ولكن الخالقية والمخلوقية من الأمور المتضايفة في وعاء الذهن، بدون أن يكون هذا التضايف المفهومي موجباً لفخر المخلوق أو وهن الخالق.

وباتضاح هذا المعنى يعلم أنه لا يوجد مانع لفعلية الإمام قبل فعلية الأمة وقبل تحقق العنوانين المتضايفين للأمة والإمام. أي أن الإمام يمكن أن يكون حاصلاً على شروط الإمامة الثلاثة حتى ولو كان بعيداً عن سند الحكومة أو كان في السجن. كما حصل لأمير المؤمنين عليه السلام في جميع أحواله في ربع القرن الذي قضاه مظلوماً وأيضاً في زمن حكومته. وما تغير في ذلك الوقت هو الأمة. أي أولئك الناس الذين كانوا قبل ذلك أمة بالقوة وبعد ذلك وصلوا إلى مرحلة الرشد والفعلية.
ومثل التغيير الذي يحدث في الأمة بالنسبة للإمام مثل أولئك الذين يبقون محرومين من الاستفادة من نور الشمس بسبب ركونهم إلى الحجاب والساتر. لو خرقوا الحجاب ووقفوا مقابل الشمس لاستفادوا منه بدون أن يتغير أي شي‏ء في الشمس.
ومما مر يُعلم أن عدم فعلية الأمة لا ينقض أبداً ضرورة فعلية أولئك الحائزين على شرائط الإمامة، بل أن الدلائل النقلية تثبت فعلية هذه الشرائط في زمن حضور الإمام المعصوم وفي عصر غيبته كما هو مقتضى البرهان العقلي.
وفي التغيير الذي حصل من جانب الناس بالنسبة للنظام الإسلامي يقول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة الشقشقية: "لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر...".
فالذي أوجب التغيير هو ما حصل في الحاضرين. وأيضاً ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "لو كان عندي أنصار بعدد... لقمت".
وهذا البيان يعد دليلاً على عدم وجود أي نقص في الإمام من جهة إقامة الحكومة والقيادة.
وأما الروايات التي تدل على فعلية شروط الإمامة في زمن الغيبة بالنسبة للفقهاء الجامعين للشرائط (والتي يبحث فيها ضمن الأدلة النقلية على ولاية الفقيه) فهي ثلاثة أقسام:
بعضها أدلة تتعهد مباشرة ببيان جعل الحاكمية للفقيه الجامع للشرائط. والبعض يدل بالملازمة على حاكمية الفقيه الجامع للشرائط من خلال إلزام الأمة بالرجوع إليه، مثل الرواية التي تقول: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا...".
لأن هذه الرواية التي توجب الرجوع إلى الفقيه بالمطابقة تفيد تعيين الفقيه بالالتزام، لأن الرجوع إلى الشخص الفاقد للصفة بالمطابقة لن يكون واجباً.

والفئة الثالثة تلك الروايات التي تدل على ذلك من خلال الدلالة المطابقية والدلالة الالتزامية مثل مقبولة عمر بن حنظلة.

المصدر:مجلة بقية الله