جاءت تلك الاعتقالات ، دون أن توضح السلطات مصير المعتقلين أو توجّه لهم تهماً وتعقد لهم محاكمات علنية بناء عليها، لتكون هذه الحملة بداية لما وُصف بأنه عام الاعتقالات في السعودية، والعام الأسوأ في حقوق الإنسان في تاريخ هذا البلد.
بدأت حملة الاعتقالات العنيفة التي شُنّت في مطلع سبتمبر 2017، عندما أوردت وكالات الأنباء العالمية والصحف السعودية والقطرية نبأً يفيد باتصال هاتفي بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي العهد السعودي الحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان، برعاية أميركية، للجلوس على طاولة حوار وبحث مآلات الأزمة التي اشتعلت عقب اختراق وكالة الأنباء القطرية وإعلان الحصار على قطر.
وبدأت الحملة باعتقال الداعية سلمان العودة ونظيره القرني قبل أن تتوسع لتطاول شيوخاً وكتّاباً وصحافيين.
وكتب العودة "مع انتشار نبأ الاتصال الهاتفي بين حمد وابن سلمان"، على مواقع التواصل الاجتماعي مباركاً هذه الخطوة وداعياً للوحدة بين دول مجلس التعاون، ما دفع السلطات لاعتقاله مع الداعية الآخر عوض القرني.
وبينما كان المراقبون في السعودية يتوقعون أن يكون اعتقال العودة والقرني مجرد توقيفات اعتيادية يقوم بها النظام السعودي كل مرة، فوجئ الجميع بحملة كبيرة استهدفت آخرين مثل ناصر العمر وسعيد بن مسفر ومحمد موسى الشريف ويوسف الأحمد وعبد المحسن الأحمد وغرم البيشي وخالد العودة شقيق سلمان العودة.
لم تقف القائمة عند الدعاة فحسب، بل شملت المفكرين والاقتصاديين، مثل عصام الزامل وعبدالله المالكي، ومصطفى الحسن الذي أفرج عنه لاحقاً بسبب تدهور حالته الصحية وإصابته بالسرطان، وعلي أبو الحسن والمنشد الإسلامي ربيع حافظ والروائي فواز الغسلان والصحافيين خالد العلكمي وفهد السنيدي، ورئيس رابطة الصحافة الإسلامية أحمد الصويان، والدكتور يوسف المهوس عميد كلية العلوم الإنسانية في جامعة حوطة سدير.
ولم تتوقف الحملة التي أطلقت المنظمات السعودية عليها "حملة سبتمبر"، إذ لا تزال مستمرة حتى بعد مرور عام كامل عليها، في ظل قيام السلطات بشكل شهري باعتقال العشرات الذين لم يتمكنوا من الفرار خارج البلاد، فقد اعتقلت في الأشهر القليلة الماضية الداعية والأكاديمي في المعهد العالي للقضاء عبد العزيز الفوزان، وإمام الحرم المكي صالح آل طالب، والمفكر والشيخ سفر الحوالي، والشيخ السوري المقيم في السعودية محمد صالح المنجد.
ويعيش "معتقلو سبتمبر" في ظروف إنسانية سيئة، وفق ما تقول المنظمات الحقوقية المهتمة بملف المعتقلين في البلاد، إذ يعاني الكثير منهم، وعلى رأسهم سفر الحوالي وسلمان العودة، من عدة أمراض مزمنة، ولم تستجب السلطات لنداءات أهالي المعتقلين بالسماح لهم برؤيتهم أو معرفة أماكنهم، لكنها استثنت حالات بسيطة أبرزها مصطفى الحسن، والذي أفرج عنه أخيراً بسبب إصابته بالسرطان ووصوله لمراحل متقدمة في جسده.
وتتحفّظ السلطات على معظم "معتقلي سبتمبر" في أماكن مجهولة وشقق خاصة تابعة لجهاز أمن الدولة، وهو الجهاز الذي أنشأه محمد بن سلمان ليدير حملات الاعتقال ضد مناوئيه. لكن عدداً من المعتقلين يقبعون في سجني الحاير في مدينة الرياض، وذهبان في مدينة جدة، وهما أشهر سجنين سياسيين في البلاد.
ولم توجّه السلطات السعودية لمعتقلي "الصحوة" أي تهمة رسمية علنية، لكن الأذرع الإعلامية التابعة لها اتهمت المعتقلين بالعمالة لجهات خارجية والسعي لتخريب البلاد، فيما لم تُعقد أي محاكمة علنية لأي من المتهمين، بينما قال عبدالله العودة نجل الداعية المعتقل سلمان العودة، إن عائلته تمكنت من الاتصال بوالده وإنه أخبرهم أنه نُقل من سجن ذهبان في جدة إلى سجن الحاير في الرياض، وأضاف نجله أن السلطات تمهد لمحاكمته سرياً من دون تمكينه من توكيل محامٍ أو الترافع عن نفسه أمام القضاء.
ومنذ عزل ولي العهد السابق محمد بن نايف من منصبه في يوليو/تموز من العام الماضي وتأسيس جهاز أمن الدولة التابع بشكل مباشر لولي العهد محمد بن سلمان، تدهور سجل حقوق الإنسان في السعودية بشكل كبير، إذ كانت الأنظمة الأمنية السابقة التي قادها محمد بن نايف ووالده الراحل نايف بن عبدالعزيز طوال عقود تتبنّى سياسة الشد والجذب والترغيب والترهيب مع الدعاة وغيرهم من المعارضين، لكن إبن سلمان تبنّى سياسة أكثر صدامية مع معارضيه.