لقد نقَل طائفة من كتّاب السيرة، والمحدثين الاسلاميين نصَّ الحوار الذي دار بين وفد نجران المسيحي ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولكن المرحوم السيد ابن طاووس نقل نص هذا الحوار وقضية المباهلة بنحو أدقّ واكثر تفصيلاً ممّا ذكره الآخرون من المحدثين والمؤرخين.
فقد ذكر جميع خصوصيات المباهلة من البداية الى النهاية نقلاً عن كتاب المباهلة لمحمد بن المطلب الشيباني(1). وكتاب عمل ذي الحجة للحسن بن اسماعيل(2)، غير أن نقل جميع تفاصيل هذه الواقعة التاريخية الكبرى التي قصّر حتى في الاشارة اليها اشارة عابرة بعض أصحاب السيَر أمر خارج عن نطاق هذا الكتاب، ولهذا فاننا نكتفي بنقل جانب من هذا الحوار الذي نقله رواةالحلبي في سيرته(3)
عرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على وفد نجران وتلا عليهم القرآن، فامتنعوا وقالوا: قد كنّا مُسلمين قبلك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: كَذِبتُم، يمنعكم من الإسلام ثلاثُ: عبادتكم الصليب، وأكلكم لحمَ الخنزير، وزعمُكُم أنّ للّه ولداً.
فقالوا: المسيح هو اللّه لأنه أحيا الموتى، وأخبر عن الغيوب، وأبرأ من الأدواء كلِها، وخلَق من الطين طيراً.
فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله هو عبد اللّه وكلِمته ألقاها الى مريم.
فقال أحدُهم: المسيح إبن اللّه لأنّه لا أبَ له.
فسكتَ رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله عنهم فنزل الوحيُ بقوله تعالى:
{إنَّ مثَلَ عِيسى عِندَ اللّه كمثَلِ آدمَ خلقَهُ مِن تُرابٍ}(4)
فقال وفد نجران: إنا لا نزدادُ منكَ في أمر صاحبنا إلا تبايُناً، وهذا الأمر الذي لا نقرّه لك، فهلمَّ فلنلاعنك أيّنا أولى بالحق فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين(5)
فانزلَ اللّه عزّ وجلّ آية المباهلة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله:
{فمن حاجَّكَ فيهِ مِن بعدِ ما جاءكَ مِنَ العِلم فقُل تعالَوا ندعُ أبناءنا وأبناءكُم ونساءنا ونِساءكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم ثُمَّ نبتهِل فنجعَل لعنةَ اللّه على الكاذِبين}(6)
فدعاهُم إلى المباهلة، فقبلوا، واتفق الطرفان على ان يقوما بالمباهلة في اليوم اللاحق.
يتبع...
الهوامش:
(1)هو محمَّد بن عبد اللّه بن محمَّد بن عبيد اللّه بن البهلول بن همام بن المطلب المولود عام 297 هجري والمتوفى عام 387 هجري.
(2)من اراد الوقوف على خصوصيات هذه الواقعة التاريخية فليراجع كتاب الاقبال للمرحوم السيد ابن طاووس ص 496 - 513.
(3)السيرة الحلبية: ج 3 ص 239.
(4)آل عمران: 59.
(5) بحار الأنوار: ج 21 ص 320، ولكن آية المباهلة، وكما يستفاد من السيرة الحلبية تفيد ان النبي هو الذي اقترح المباهلة ابتداء كما تفيدُ عبارة «تعالوا ندع ابناءنا...».
(6)آل عمران: 61.
المصدر:مركز الأبحاث العقائدية