انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية مثّل صدمة لعباقرة السياسة والمحللين، فقد هزم شخصية قانونية سياسية عاشت داخل البيت الأبيض لثماني سنين، ومارست مهنة القانون لعقود من الزمن.
أما ترامب فهو الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة «ترامب العقارية» ومؤسس منتجعات ترفيهية شهيرة تحمل اسمه، تدير كازينوهات وفنادق عدة في دول مختلفة فله إمبراطورية من الشركات. قضى عمره في مجال الاقتصاد والمحاسبة وإدارة الأعمال، تشبع بها وأصبح يتقن فنون ومهارات اللعبة الاقتصادية، وطرق إلحاق الهزائم بخصومه المنافسين لأعماله، والتفنن بالإطاحة بهم، وإبعادهم عن دربه ليبسط هيمنته والانفراد بأكبر حصة ممكنة من السوق. يعرف كيف يخدع ويرضي ويدلل زبائنه، فينتج منتجاته بحسب رغباتهم. واستطاع بذلك أن يكون له شركة عقارية عملاقة وثروة مالية ضخمة قدرها الآخرون بأربعة مليارات دولار بينما تقديراته هو 10 مليارات دولار.
كيف يمكن لرجل أعمال ثري شركاته الضخمة منتشرة في دول العالم أن يحكم بلاده الدولة العظمى، التي تصارع لأن تهيمن على العالم، من دون أن تتعارض قراراته السياسية مع أعماله وشركاته؟ كرئيس دولة ينتظر منه أن تكون سياساته وطنية بحتة ليس لها أي علاقة بمصالحه الشخصية، فهل يقدر على ذلك؟ كيف سيتعامل مع شركائه في التجارة؟ كيف سيتعامل مع الدول التي تحتضن مشاريعه الاستثمارية الضخمة؟ هل سيتجرأ أن يغضبهم؟ هل سيقبل بإملاءات تلك الدول؟ هل سيقبل بأن تدفع شركاته تكاليف قراراته السياسية مع تلك الدول؟ كرجل أعمال ينظر أولا لمصالحه المالية ووضع شركاته ومستقبلها ونفوذها قبل التفكير في اتخاذ أي قرار، فيحسب الأرباح والخسائر والكلفة الإجمالية لكل قرار يتخذه، فكلما اتسع الفارق بينهما بشكل إيجابي كلما أصبح أكثر جرأة على الدخول في مشاريع ذات مخاطر أكبر.
السياسي المنتخب يكون أسير شعبه فيعمل لأجلهم ولإرضائهم، والمعيار الذي يحكمه هو مدى قبول ورضا المجتمع بقراراته وسياساته، أما رجل الأعمال فيكون أسير زبائنه وعملائه، فيعمل لإشباع رغباتهم وكسب رضاهم، والمعيار الذي يحكمه هو مدى قبول العملاء ببضاعته. وعلى ذلك فإن ترامب قبل أن يكون رئيس أكبر دولة في العالم هو رجل أعمال ناجح وله مشاريع استثمارية هائلة داخل وخارج بلاده.
صحيح أنه لن يدير شركاته من البيت الأبيض، حيث أعطى ابنه الصلاحية الكاملة في إدارة أعماله، ولكن من غير المعقول أن يترك الجمل بما حمل من دون إشراف ومراقبة. كما أنه من غير المعقول أنه وكرئيس دولة أن يتخذ سياسات أو قرارات إستراتيجية وطنية تؤثر سلباً على مصالح شركاته.
مشاريعه الاستثمارية في الدول الأخرى قد تكون عرضة لأي عقوبة عندما يتجرأ بإلحاق أي ضرر لتلك الدول والعكس صحيح تماما، فإذا ما اتخذ قرارا يرضي تلك الدول فإن مصالحه المالية والمرتبطة باستثماراته وشركاته ستنتعش وتزدهر. لديه نحو 527 مشروعا تجارياً حول العالم، من بينها شركات تقوم بأعمال تجارية وفنادق ومطاعم وشركات عقارية في أوروبا والهند، والأرجنتين، ودول الخليج العربي وغيرها من الدول، وبفضل المشروعات العملاقة المشتركة بينه وبين رجال أعمال في هذه الدول نجح بالفعل من تحقيق جزء كبير من ثروته، ويطمح دائما أن تزداد تلك الثروة وتتنوع مشاريعه الاستثماراية. ومن بين تلك المشاريع مشروع (Trump World Golf Club) الذي يقول عنه ترامب نفسه بأنه سيكون "أكبر وأفضل وأقوى من أي مشروع مشابه للجولف في منطقة الشرق الأوسط".
بعض الشركات الأميركية التي تضررت من قرارات ترامب، بدأت تضغط على الرئيس التاجر من خلال مقاطعة منتجات شركاته أملا لتغيير سياساته. فعلى سبيل المثال أعلنت شركة «سيرز» القابضة أنها توقفت عن بيع منتجات شركات ترامب كأسلوب ضغط. وعن تضارب المصالح كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن الحكومة الأميركية تدفع مصاريف رحلة خاصة لابن ترامب الذي سافر إلى أوروغواي في يناير/ كانون الثاني الشهر الماضي في رحلة ترويجية لمنظمة ترامب، حيث كلف دافعي الضرائب الأميركيين نحو 100 ألف دولار. فمثل هذه القضايا ستزداد وتتنوع حتما في السنوات الأربع المقبلة.
فهل سيكون تاجر البيت الأبيض رئيساً للشعب الأميركي أم سيبقى رئيسا لشركة «ترامب العقارية» ومدافعا عن مصالحها؟
المصدر:صحيفة الوسط