من وصايا الإمام الخامنئي دام ظله في الغدير...كونوا علويين وحققوا ما أراد علي تحقيقه

الخميس 30 أغسطس 2018 - 07:07 بتوقيت غرينتش
من وصايا الإمام الخامنئي دام ظله في الغدير...كونوا علويين وحققوا ما أراد علي تحقيقه

لقد أشاح أمير المؤمنين بوجهه عن كل من جاءوا إليه شاهدين له بأن الحق معه وواعدين إياه بالدعم والمساندة وأن عليه ألاّ يقعد عن حقّه المغصوب...

إن قضية الغدير تستحوذ على الاهتمام وتثير الانتباه من عدة زوايا وأبعاد مختلفة، فلا ينبغي أن نتصور أن عيد الغدير كغيره من سائر الأعياد، حتى لو اتصفت جميع الأعياد الإسلامية بما لها من أبعاد ومعانٍ ومضامين، إلا أن عيد الغدير يبقى فريداً ومتميزاً من بينها دون سواه.

إنّ أحد أبعاد هذه القضية يتجلى في اتجاه الإسلام ومسيرة الحركة الإسلامية، وهو بعد الولاية الذي يعتبر من عقائدنا الدينية، أي الإيمان بالإمامة وتنصيب النبي للإمام الذي يُعدّ في الحقيقة تنصيباً من الله تعالى.

إنّ هذا هو أحد أبعاد القضية الذي لو نظر إليه المسلمون بعمق وإمعان لأدركوا أن هذه الحركة العظيمة التي قام بها النبي(ص) أثناء الحج ولدى العودة من أداء المناسك وفي عرض الصحراء وفي الأيام الأخيرة من عمره المبارك والمناداة بأمير المؤمنين وتقديمه لجموع الحجيج بالقول: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» بكل ما تقدمها من تمهيدات وما تلاها من نتائج، ليس سوى حركة مهمة لا تنطوي إلا على معنى ومضمون واحد، ألا وهو تحديد خط الحكومة والولاية في الإسلام بعد رحيل النبي الأكرم(ص).

فلا معنى لهذه الحركة سوى هذا المعني لا غير. لقد شعر الباحثون في العالم الإسلامي بهذا المعنى على امتداد التاريخ، وأدركوا ذلك من تلك الحادثة ومن كلمات الرسول(ص).

ونخلص من ذلك إلى أن مسألة الحكومة في الإسلام لا تعني مجرد وجود سلطة تأخذ بمقاليد المجتمع الإسلامي وتدير شؤونه بدقة وانتظام، بل إنها تعني الإمامة.

إنّ معنى الإمامة هو قيادة الأبدان والقلوب، وليست مجرد الحاكمية على الأبدان أو إدارة شؤون الحياة اليومية للناس فحسب، بل إدارة القلوب، ومنح التكامل للأرواح والنفوس، والرقي بمستوى الأفكار والقيم المعنوية.

فهذا هو معنى الإمامة، وهذا هو ما يهدف إليه الإسلام، وكذلك كانت الأديان الأخرى، ومع أنه لم يبق بيد البشرية وثائق دقيقة على هذا الصعيد فيما يخص الأديان الأخرى، إلا أن الإسلام ما زال يمتلك أبرز الأدلة والوثائق دقة ووضوحاً.

إنّ الإسلام منذ ظهوره ونشأته يهدف إلى إدارة شؤون البشرية وحياتها، وهنا نلمس فرقاً جوهرياً ومعنوياً بين الحركة الإسلامية وسواها من الحركات الأخرى.

فالإسلام يصبوا إلى إدارة الحياة الدنيوية والأخروية لبني الإنسان، ويسعى إلى منح البشرية ما ينبغي لها من كمال وسمو حقيقي فضلاً عن تنسيق وتنظيم حياتها اليومية المعهودة.

فهذا هو ما يأخذه الإسلام على عاتقه، وهذا هو معنى الإمامة على وجه الدقة.

لقد كان الرسول(ص) إماماً بهذا المعنى كما ورد في رواية عن الإمام الباقر (عليه الصلاة والسلام) عندما نادى بصوته بين الحجيج في (منى) قائلاً: «إنّ رسول الله (صلّى عليه وآله) كان هو الإمام». إنّ معنى الإمام هو حاكمية الدين والدنيا في حياة الناس.

إنّ هذا هو أحد أبعاد القضية، وهو البعد العقائدي الذي يؤمن به الشيعة، حيث استطاعوا بهذا المشعل الزاهر وهذا المنطق القويم إثبات حقانيتهم لدى كافة الباحثين عن الحقيقة وجميع المنصفين على طول امتداد مراحل التاريخ الإسلامي.

إنّ بقاء الشيعة وتناميهم رغم كل ما واجهوا من عقبات ومشاكل وضغوطات على مر التاريخ كان بفضل استنادهم وتمسكهم بهذا المنطق القويم الواضح الذي لولاه لكان مصيرهم إلى الاضمحلال والزوال. إنه لمنطق قوي وقويم للغاية.

وأما البعد الآخر فهو تلك القيمة المعنوية التي تتميز بها تلك الشخصية وذلك الرجل الذي نصبه الرسول(ص) خليفة له ووليّاً في تلك الواقعة، أي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام).

إنّ الشخص العادي مهما بلغ،‌ لا يمكنه أن يتوفر حقيقةً على كل تلك الكمالات الإنسانية التي تخوله للحصول على مثل هذا المنصب، حيث أن محاسبة من هذا النوع لابدّ لها من دقة إلهية تفوق قدرة البشر.

وبمثل هذه المحاسبة الدقيقة وجد نبي الإسلام العظيم أن مثل هذا المنصب وهذا المقام لا يليق إلا بأمير المؤمنين ولا يناسب أحداً سواه.

حسناً، لقد كان مقدراً أن الإسلام ستكون له الحكومة والسلطة إلى أبد الدهر، وكان معلوماً أن بعض من يمتلكون صلاحيات على مختلف الأصعدة سيجلسون على سُدة الحكم.

لقد كان هذا واضحاً منذ صدر الإسلام، ولذلك فقد تعيّن أن الذي يتقلد مثل هذا المنصب لا يمكن ان يكون شخصاً عادياً، بل لابدّ له وأن يكون من نفس طراز أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأن ينهل من منهله على مرّ حقب تاريخ الإسلام. ولهذا فقد كان جميع أئمتنا (عليهم السلام) ينظرون إلى أمير المؤمنين بعين العظمة والإكبار، حيث كانوا جميعاً ممن تقلدوا هذا المنصب الرفيع حتى ولو لم تُتح لهم فرصة الحكومة وتولي السلطة.

لقد كان الأئمة جميعاً (عليهم السلام) يرون عليّ بن أبي طالب وكأنه شمس في سماء الإمامة، وهم فيها كالنجوم.

إنّ أمير المؤمنين، كان أفضل منهم كما جاء في الحديث عن الرسول(ص) بشأن الإمام الحسن والإمام الحسين(عليهما السلام) حيث قال: «وأبوهما أفضل منهما» مع كل ما لهما من مقام ومنزلة. فهذه هي مكانة أمير المؤمنين.

وعلى هذا فقد كان لابدّ وأن تتوفر في أمير المؤمنين(عليه السلام) كافة المناقب الكمالية التي ينبغي أن يتصف بها أولياء الله تعالى حتى ينصّبه الرسول(ص) إماماً للأمة بمرسوم إلهي.

وهذا هو البعد الثاني الذي ينظر إلى فضيلة أمير المؤمنين(عليه الصلاة والسلام).

وثمة بعد ثالث يكمن في عيد الغدير ويمثل أهمية بالغة بالنسبة لنا في العصر الحاضر، وهو أنه يجب علينا أن نعلم جميعاً أن من الضروري أن نتخذ من سيماء أمير المؤمنين وملامح المجتمع الذي سعى إلى إقامته نموذجاً يُحتذى في الصورة التي يفترض أن نمنحها لحكومتنا الإسلامية ومجتمعنا الإسلامي، فهذا هو نموذج الأسوة الذي لا ينبغي الانحراف عنه في مسيرتنا، وهو لا يعني بالطبع أن تاريخنا الطويل كان حافلاً بأمثال أمير المؤمنين أو بمن هم دونه درجة، كلا، فمما لا ريب فيه أن كافة عظمائنا وعلمائنا البارزين وشخصياتنا الكبيرة على طول التاريخ لا يعدلون ذرة من تراب تحت أقدام أمير المؤمنين، بل إنهم لا يدانون خادمه (قنبر) درجة أو منزلة.

إننا لا نريد بذلك أن نعقد مقارنة بين تلك الشخصية الرفيعة وغيرها أو أن نقيس بها أحداً، فهذا لا يصح، بل إننا لا نبغي من وراء ذلك سوى أن نتخذ من أمير المؤمنين قدوة لنا في كل ما نقوم به من أعمال.

إنّ النماذج الخطية أو التعليمية أو الفنية عندما تُعطى للتلاميذ من أجل تقليدها أو استنساخها فهذا لا يعني بالضرورة أنهم سيبلغون ما بلغته من الذروة، كلا بالطبع، ولكنها توضع أمامهم لكي ينحوا منحاها ويبذلو جهودهم للتمثل بها وجعلها نموذجاً يُحتذى.

إنّ على مجتمعنا الإسلامي اليوم ألاّ يدّخر وُسعاً في سبيل تحقيق ما حاول أمير المؤمنين تحقيقه خلال تلك الفترة الوجيزة عندما سنحت له الفرصة وأمسك بمقاليد الحكم.

فانظروا إلى ذلك النموذج وتدبروا معالمه وملامحه وما سعى أمير المؤمنين إلى تحقيقه، وما علينا سوى التمسك بنفس تلك المميزات والمعالم. لقد كان أمير المؤمنين يتوخى العدالة والمثل الأخلاقية والتوحيد والعمل لوجه الله والمساواة بين أفراد المجتمع والنظر إليهم جميعاً بعين العطف والشفقة.

إنّ أمير المؤمنين يقول لأحد عماله: «إن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» فيا لها من نظرة واسعة وعميقة.

إنّ الإنسان الذي يريد أن يربيه أمير المؤمنين هو الذي لا يُفرّق بين الواحد والآخر من حيث الرأفة والمحبة والعطف.

وهناك بُعد آخر، وهو التعامل مع الأخطاء والتجاوزات والخيانة بحزم وقاطعية. لقد كان أمير المؤمنين لا يغض الطرف عن التجاوز والخيانة والانحراف عن سبيل الله حتى من أخصّ أقربائه، فالرأفة والشفقة في كفة والجدّ والقاطعية والانضباط في كفة أخرى. فهذا هو مبدأ أمير المؤمنين وكله نموذج وقدوة.

إنّ هذا هو المبدأ الذي يجب علينا التمسك به في حركتنا إلى الأمام حتى ولو لم نحقق سوى درجة واحدة أو درجتين أو ثلاث من مجموع الدرجات العشر المتوفرة في النموذج الأصلي.

وهذا هو المعنى الغدير.

إننا لا نحتفي بالغدير من أجل قيمته العقائدية فحسب، أو من أجل بعده المناقبي المتعلق بشخصية أمير المؤمنين السامية مع مالها من أهمية كبرى.

إنّ علينا ألا ننسى بأن مجتمعنا مجتمع علوي، وإننا لنرجوا أن يكون مجتمعنا من طراز ذلك المجتمع الذي كان يريد أمير المؤمنين إقامته، وهو ما يحتّم علينا مراعاة تلك القيم والمعايير.

وثمة بعد آخر مهم، وهو أن أمير المؤمنين اختار الصمت وفضّل السكوت عندما وجد أن الإسلام سيتعرض للخطر إذا ما طالب بحقه، ‌مع كل تلك المنزلة ورغم كل ذلك الوضوح عندما نصّبه الرسول(ص) إماماً للمسلمين بأمر إلهي.

إنها لمسألة بالغة الأهمية. إنه لم يسكت عن حقه فحسب ـ أي أنه تغاضى عنه خشية الخلاف وشق عصا المسلمين ـ بل حتى إنه تعاون مع أولئك الذين لم يكونوا أصحاب حق في نظره والذين أخذوا بمقاليد الحكومة الإسلامية، وذلك لأن رأى أن الإسلام كان بحاجة إلى التضحية والفداء آنذاك. إنه درس لنا وعلينا أن نتعلمه ونعتبر به، فهو درس الغدير وهو الدرس العلوي. إنّ منطقنا اليوم في عالم الإسلام هو الأقوى والأقوم، وهو ما لا شك فيه ولا شبهة.

إنّ منطق الشيعة، والذي هو منطق الإمامة والولاية لم يخرج عن ذلك خلال ما مضى من عهود تاريخية وحتى الآن.

إننا لا نريد أن نثبت وجودنا بحذف الآخرين، فهذا أمر من الأهمية بمكان.

إنّ هذا هو الانسجام الإسلامي الذي تحدثنا عنه في مطلع هذا العام، وإنها بالدقة نفس النقطة التي يطمح الأعداء إلى اقتحام العالم الإسلامي من خلالها ليغذو أقل حيلة وأكثر ضعفاً.

لقد أشاح أمير المؤمنين بوجهه عن كل من جاءوا إليه شاهدين له بأن الحق معه وواعدين إياه بالدعم والمساندة وأن عليه ألاّ يقعد عن حقّه المغصوب.

لقد كان أمير المؤمنين غنياً عن الجميع إذا ما أراد أن ينهض ويطالب بحقّه، ولكنه وجد أن المجتمع الإسلامي لا طاقة له بتحمل هذه الخلافات والصراعات، فانتحى بنفسه جانباً.

فهذا درس ينبغي لنا أن نتعلمه.

إنّ علينا الكف عن إشعال فتيل الخلافات في يومنا هذا، وليس من شأننا أن نبعثها حية ماثلة، وعلى الفرق الإسلامية ألاّ تُدنس مقدسات بعضها البعض لأنها نقطة حساسة لا ينبغي المساس بها.

إنّ أمامنا اليوم عدواً شرساً، فلا هو سنّي، ولا هو شيعي، وليست له أدنى صلة بأي من الفرق الإسلامية، ولكنه يوسوس للسنة تارة وللشيعة تارة أخرى لكي يؤجج بينهما الخلاف والخصومة والمشاحنة.فعلينا أن نتوخى اليقظة والحذر.

إننا لو أحصينا مؤامرات الاستكبار ومهاتراته ضد الجمهورية الإسلامية طوال سنوات ما بعد الثورة لوجدنا أن تلك الجبهة الاستكبارية العنيدة والمتغطرسة لم تذق سوى مرارة الذل والهزيمة في كافة ما دبرته لنا من مكائد وما نصبته من أحابيل.

إنّ علينا أن نعلم بأننا نواجه عدواً يترصدنا عند كل غفلة ليوجه إلينا ضربته.إنّ هذا هو ما يعلمنا إياه القرآن الكريم.

إنّ القرآن الكريم لطالما جاء باسم الشيطان وما فتيء يكرره في سوره وآياته. لقد كان من الممكن أن يذكره مرة واحدة وكفى، ولكن فائدة هذا التكرار هو أن يعلم الإنسان أنه في مواجهة دائمة مع عدوه على كافة أصعدة الحياة بكل ما فيها من كفاح وتحديات، وأن من الممكن أن يفاجئه هذا العدو ويوجه إليه ضربته.

إنّ السبيل إلى التغلب على العدو هو ألا ننساه، وألا ننسى أبداً أن الله معنا فهو نعم المولى ونعم النصير، وأن نتذكر دائماً شعورناً بالمسؤولية والتمسك بالحضور الفاعل في الميدان، فهذا هو أبلغ العوامل تأثيراً وأهمية.

المصدر:موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي