عيد الغدير؛ هو من أكبر أعياد الشيعة الإمامية، وقد روي أنّ في الثامن عشر من شهر ذي الحجة السنة العاشرة للهجرة قام النبي وبأمر من اللهبالإعلان عن تنصيب علي خليفةً وإماماً للمسلمين وذلك في مكان يُسمى غدير خم، ومن هنا اقترنت الواقعة باسم هذا المكان، وعُدّت إحدى الأعياد الإسلامية.
وقد عبّر عن تلك الواقعة في المصادر الشيعية بعدة تعابير، فسمّيت تارة بـ عيد الله الأكبر وعيد أهل بيت محمد تارة أخرى، وأشرف الأعياد.
وقد اعتاد الشيعة في شتّى بقاع الأرض على إحياء تلك المناسبة والاحتفاء بها وإقامة مجالس الفرح والبهجة تعظيماً لتلك المناسبة الكبرى.
واقعة الغدير
حينما همّ رسول الله لأداء فريضة الحج، أذّن في الناس، وبلغت دعوته أقاصي بلاد الإسلام، فتجهّز الناس، وتأهبوا للخروج معه، وحضر أهلالمدينة وضواحيها وما يقرب منها خلق كثير - بلغ 120 الفاً- وتهيئوا للخروج معه؛ فخرج النبي بهم لخمس بقين من ذي القعدة.
فلما أتمّ مناسك الحج رجع إلى المدينة وكان معه المسلمين، فوصل في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة إلى منطقة تدعى غدير خم، وتقع في مفترق طرق، وذلك بموكب كبير من الحجيج، وقبل تفرّق الحجاج إلى بلدانهم نزل عليه الوحي يأمره بتبليغ تلك المسألة المصيريّة المتمثّلة بتعيين الإمام والخليفة من بعده، فأمر الناس بتجهيز مقدّمات ذلك الأمر مثل الإعلان بتريّث المسلمين الحجّاج وتوقّفهم في ذلك المكان، وأمر بإرجاع الّذين سبقوا الآخرين بالذهاب وإيقاف القادمين، حتى تجمّع ذلك العدد الغفير من الحجاج.
فأمر النبيّ الحجيج أن يصنعوا له منبراً من أحداج الإبل حتى يراه الحاضرون جميعاً، ويسمعون كلامه، فارتقى النبيّ ذاك المنبر وخطب الناس خطبة غرّاء وقال فيما قاله :
أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ - ثلاثا- وهم يجيبونه بالتصديق والاعتراف، ثم رفع يد علي وقال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله... ثم قال: فليبلّغ الحاضر الغائب.
وغير ذلك من العبارات الباهرة، ثم أمر الناس الّذين اجتمعوا في هذا الملتقى أن يقوموا فرداً فرداً، ويبايعوا عليّاً، ويسلّموا عليه بالإمرة والخلافة طوعاً.
عيد الغدير في الأحاديث
ورد في مصادر العامة: من صام يوم ثمانية عشرة خلت من ذي الحجة كتب له «صيام ستين شهرا» وهو يوم غدير خم.
وعن رسول الله أنّه قال: يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب عَلماً لأمتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ على أمتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً.
وعن الإمام الصادق أنّه قال: أَعظم الاعياد وأَشرفها يومُ الثامن عشر من شهر ذي الحجَّة وهو اليوم الَّذي أَقام فيه رسول اللَّه قالب:ص أَميرَ المؤمنين (ع) ونصبهُ للنَّاس علماً.
قال الراوي قلْت: ما يجبُ علينا في ذلك اليوم؟ قال: يجبُ عليكم صيامُهُ شُكراً للَّه وحمداً له «مع أَنَّهُ أَهلٌ أَنْ يُشكر كلَّ ساعة»، ومنْ صامهُ كان أَفضل منْ عملِ ستِّينَ سنة.
وعن الامام الرضا في بيان قيمة ذلك اليوم: إِنَّ يومَ الغدير في السَّماءِ أَشهرُ منهُ في الأَرضِ... واللَّه لو عرف النَّاسُ فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهمُ الملائكةُ في كلِّ يوم عشر مرَّات.
تاريخ الاحتفال بعيد الغدير
ما زال المسلمون وخاصة الشيعة يعظّمون يوم الغدير، ويعتبرونه من الأعياد الكبيرة عندهم، وقد عرف في أوساطهم بعيد الغدير.
وقد سجّل لنا المسعودي المتوفى 346هجرية في كتابه التنبيه والاشراف ذلك التعظيم بقوله:«وولد علي رضي الله عنه وشيعته يعظمون هذا اليوم». وهذا يكشف بأنّ الاحتفاء بعيد الغدير يضرب بجذوره إلى أعماق التاريخ الإسلامي وأنّه كان رائجا في القرنين الثالث والرابع الهجريين.
مكان واقعة الغدير
و قد روى الفياض بن محمد بن عمر الطوسي عن الإمام الرضا المتوفى سنة 203 هـ ق، أنه كان يحتفل بذلك اليوم، حيث قال: حضرتُ مجلسَ مولانَا عليِّ بن موسى الرِّضا في يوم الغدير وبِحضرته جماعةٌ من خواصِّه قد احتبسهُمْ عندهُ للإِفطار معهُ قد قدَّم إِلى منازلهمْ الطَّعام والْبُرَّ وأَلبسهمُ الصِّلاةَ والكسْوَةَ حتَّى الخواتيمَ والنِّعال.وهذا يكشف عن سابقة تاريخة أطول مما مر للاحتفال بالغدير.
ولم تنقطع عملية الاحتفاء تلك بل واصل المسلمون تعظيمهم لذلك اليوم حتى أنّ الخليفة الفاطمي المستعلي بن المستنصر بويع في يوم عيد غدير خم، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، بل وصلت الحالة في القرون المتأخرة الى حدّ أصبح الاحتفال بعيد الغدير شعاراً للشيعة، وكان الفاطميون في مصر قد أضفوا على عيد الغدير صفة الرسمية، وهكذا الأمر في إيران حيث يحتفل بذلك اليوم منذ حكم الشاه اسماعيل الصفوي البلاد سنة 907هجرية وحتى يومنا هذا بصورة رسمية.
أمّا النجف الأشرف فقد اعتاد أهلها إقامة حفل بهيج في الصحن العلوي يوم الثامن عشر من ذي الحجة يحضره علماء الشيعةووجهاؤهم بالإضافة إلى سفراء الدول الإسلامية في العراق، وتلقى في ذلك الحفل الكثير من القصائد العصماء والخطب الرائعة.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى الزيدية في اليمن حيث تحيي هي الأخرى ذلك اليوم بكل إجلال وبهاء ، وقد وصف الثعالبي مكانة الغدير عند الشيعة بقوله: وللشيعة به تعلق كبير.
أعمال عيد الغدير
ورد لهذا اليوم أعمال، منها:
الصيام
الغسل
قراءة زيارة أمين الله
قراءة دعاء الندبة
ارتداء الملابس الجديدة والجميلة
التزين ووضع العطور
صلة الارحام
إطعام المؤمنين
يهنئ المؤمنون بعضهم بعضا بالقول: «الحمد الله الذي جعلنا من المتمسّكين بولايةأمير المؤمنين و الأئمة المعصومين عليهم السلام».