نحن نعیش ذکرى میلاد الإمام علیّ بن محمَّد الهادي(ع)، وهو الإمام العاشر من أئمَّة أهل البیت(ع) والذي تصادف ولادته الخامس عشر من ذي الحجة، نحاول فی خطِّ الإمامة أن نلتقي ببعض الأوضاع الّتي کانوا یعیشونها. من المسائل التي یمکن أن نتطرق الیها قصة الإمام الهادي مع بریحة العباسي الذی بُهر بأخلاق الامام علیه السلام.
عندما نقرأ تاریخ الإمام الهادي(ع)، فإنَّنا نستوحي منه أنّه کان محلّ احترام الناس وتقدیرهم فی الحرمین (مکّة والمدینة)، ومن الطبیعی أن یکون هذا التّقدیر وهذا الاحترام بمستوى استثنائیّ، إذ لا بدَّ من أن یکون ناشئاً من خلال القیادة الفکریّة والروحیّة والحرکیّة الّتی کانت تدخل إلى کلّ عقل وإلى کلّ قلب، لأنه لیس من الطبیعیّ أن یأخذ إنسان هذا المستوى من الإکبار والتّعظیم بدون أن یترک تأثیره الکبیر فی عقول الناس وقلوبهم وحیاتهم، مع ملاحظة أنَّ الناس فی الحرمین لم یکونوا على رأیٍ واحدٍ فی المذهبیَّة، بل کانوا یختلفون، فلم یعهد أنَّ النّاس فی مکّة والمدینة آنذاک کانوا إمامیّین یتشیَّعون لأهل البیت، بل کانوا مختلفین فی آرائهم المذهبیَّة، ومع ذلک، نجدهم یلتقون على احترام شخصیّة الإمام الهادی(ع).
لقد تسالم علماء عصره وفقهاءه على الرجوع إلى رأیه فی المسائل المعقّدة والغامضة من أحکام الشریعة الإسلامیة. مما جعل من مدرسته الفکریة فی مسجد الرسول (ص) فی المدینة محجّة للعلماء وقبلة یتوجه إلیها طلاب العلم والمعرفة انذاک وقد نقلت عن لسانه الشریف الکثیر من الاراء الفقهیة والعقائدیة والکلامیة والفلسفیة من خلال أسئلة أصحابه والمناظرات التی کان یجیب فیها على تساؤلات المشکّکین والملحدین بالحجة والمنطق.
وبذلک احتل مکانة محترمة فی قلوب الناس مما أزعج السلطة العباسیة أن یکون للإمام هذا الدور وهذه الموقعیة والتأثیر فأحاطوه بالرقابة وعناصر التجسس لمعرفة أخباره ومتابعة تحرکاته.
کان الإمام علی الهادی کثیر الإحسان للناس سیما الفقراء والضعفاء، وقد شاهد الناس منه کثیراً من الکرامات حتى أحبه الخاص والعام. وبعد أن أُتِیَ بالإمام من المدینة إلى سامراء بأمر من المتوکل العباسی کان الوشاة بین الحین والآخر یشحنون المتوکل بالحقد على الإمام الهادی(ع)، یصورن له خطره على عرشه، وکانت الحاشیة المحیطة به تدین بالنصب والعداء لأهل البیت (ع).
حیاة الإمام الهادی(ع)
عاش الإمام الهادی (ع) فی المدینة المنورة مع والده الإمام الجواد(ع) زهاء سبع سنوات فی بیت محاط بارکان الإیمان والفضیلة والإمام الهادی(ع) هو أحد الأئمة المنصوص على إمامته من جده رسول الله (ص) وذلک فی مواد ونصوص عدیدة، وروى المسعودی فی کتاب (إثبات الوصیة) إن الإمام الجواد (ع) لما حضرته الوفاة نص على إمامة الإمام الهادی(ع) وکان قد سلمه بالمدینة المنورة.. سلاح رسول الله(ص) ومواریث الأنبیاء.
الإمام الهادي (ع) وحکام عصره
حین غادر الإمام الجواد(ع) المدینة المنورة متجهاً نحو بغداد بطلب من الخلیفة العباسی (المعتصم) بقی الإمام الهادی(ع) وأخوه موسى الملقب بـ(المبرقع) فی المدینة المنورة ولما استشهد الإمام الجواد(ع) مسموماً ببغداد حضر الإمام الهادی(ع) عنده، وقام بتغسیله والصلاة علیه ودفنه.
وإذ امتازت الفترة التی حکم بها بنو العباس بالاضطرابات والصراع على السلطة فیما بینهم بأوقات ومناسبات لیست قلیلة فقد عاصر الإمام الهادی(ع) تلک الظروف العصیبة والمخاطر المتربصة به بالذات وبالإسلام الحقیقی فی کل لحظة خاصة وأنه عاصر عدة خلفاء أمتاز بعضهم بالمزاج الحاد ومعاداة أهل بیت النبی محمد (ص) ومنهم الإمام الهادی(ع) هو نفسه حیث عاصر الإمام الهادی من خلفاء العباسیین الخلیفة المعتصم والخلیفة الواثق والخلیفة المتوکل والخلیفة المنتصر والخلیفة المستعین والخلیفة المعتز بعد أن أجاز کل من هؤلاء الخلفاء إضافة کلمة (بالله) إلى أسمائهم فأصبح یقال عن المعتصم (المعتصم بالله) وعن المتوکل.. (المتوکل بالله) الخ فی حین کان معظم هؤلاء الخلفاء یعادون النبی محمد(ص) ورسالته الإنسانیة فی شخوص عترته الطاهرة من أبنائه رغم علمهم أنه (ص) قد أوصى بهم (المحبة) و(المودة) وبهذا الصدد ینقل أبو فرج الأصفهانی فی متن کتابه الشهیر – مقاتل الطالبیین فی الصفحة 395:
(کان المتوکل شدید الوطأة على آل أبی طالب، غلیظاً على جماعتهم، مهتماً بأمورهم شدید الغیظ والحقد علیهم، وسوء الظن والتهمة لهم.
واتفق أن عبد الله بن یحیى بن خاقان – وزیره – کان یسیء الرأی فیهم، فحسن له القبیح فی معاملتهم، فبلغ فیهما ما لم یبلغه أحد من خلفاء بنی العباس قبله).
الإمام الهادی (ع) والخلیفة المتوکل
بعد وفاة الإمام محمد الجواد (ع) وانتقال الإمامة إلى ولده الإمام علی الهادی (ع) مکث الإمام الهادی (ع) فی المدینة المنورة حتى بلغ من العمر ما زاد على العشرین سنة وکان أهل المدینة یجلّوه ویعظموا منزلته لنسبه الشریف ومن الطبیعی فإن التجاء العامة الناس إلیهم فی حل مشاکلهم وما کان یشغل بالهم من مسائل الشرعیة یحدد هو (ع) أفضل الحلول الدینیة لها قد زادت من شعبیة الإمام وفی سنة 223هـ حین استلم الخلیفة المتوکل منصة الحکم أظهر حقده الإجرامی المریض ضد آل رسول الله (ص).
وکان والی المدینة المنورة عبد الله بن محمد یرفع التقاریر إلى المتوکل بعد أن یشبعها بکلام التحریض ضد الإمام الهادی (ع) إذ تجرأ الوالی عبد الله بن محمد على کل ما له صلة برموز الإسلام لما کتب إلى المتوکل هذه الکلمات:
(إن کان لک فی الحرمین (مکة والمدینة) حاجة فأخرج علي بن محمد منهما، فإنه قد دعاء الناس إلى نفسه، وأتبعه خلقاً کثیر).
31