السيد جعفر مرتضى العاملي
تعتقد الشيعة بأن حديث الغدير هو من أقوى الأدلة على أحقية علي(ع) بالخلافة من غيرِهِ . فهل هناك بعض المصادر التاريخية ولو مصدر واحد فقط عند السنة يذكر فيه أن علياً أو فاطمة استشهدا بهذا الحديث على أحقيته بالخلافة ،حيث إن ما وردَ من طرق الشيعة لا يلزم السنة في ذلك علماً إن جمهور علماء السنة إلا من شذَّ لا ينكرون صدور هذا الحديث وإن كانوا يناقشون في دلالته على ما تدعيه الشيعة .
في الواقع ، يمكننا القول أنه إذا كان الحديث ثابتاً ومعلوماً لدى كل أحد ، وإذا كان النبي [صلى الله عليه وآله] ، قد أورده أمام عشرات الألوف من الناس كما ذكرت الروايات ، فلا تبقى ثمة حاجة إلى الاحتجاج به؟! فإن من يعرف حرمة الكذب ، ويقرأ الآيات في ذلك ، ويسمع تأكيدات الرسول [صلى الله عليه وآله] ، على حرمته .
ومن يعرف حرمة السرقة، ويقرأ آيات تحريمها صباح مساء ، ومن يعرف وجوب الصلاة ويقرأ ويسمع آيات القرآن ، وكلمات الرسول [صلى الله عليه وآله] ، في الحث عليها ، والدعوة إليها ، فإنه حين يمارس الكذب ، ويقدم على السرقة ، وعلى ترك الصلاة جهاراً نهاراً ، فسيكون الاحتجاج عليه بالآيات والروايات عبثاً ، وبلا فائدة أو عائدة .
وهكذا الحال تماماً بالنسبة لحديث الغدير .
وعدم نقل بعض أهل السنة ذلك ، يعد أمراً طبيعياً ، لأن نقلهم له إنما يعني تسجيل إدانة لأناس يريدون تبرئتهم من كل شيء ، كما أنه سوف يحدث خللاً اعتقادياً لو أراد الناس الالتزام بلوازمه . . ولا أحب أن أقول أكثر من هذا . .
بل ربما يكون دليل مخالفيهم هو الأقوى . . وذلك لأن هذا التوثيق، وذاك الرفض مرتكزان إلى حسم الأمر في مسألة الإمامة وفقاً للأدلة الشرعية المتوفرة ، فلا معنى لفرض اتجاه معين في الأخذ بالمصادر والمراجع ، قبل حسم الأمر في تلك المسألة ، لأن هناك من يدّعي أن قضايا الدين لا بد أن تؤخذ من القرآن ، ومن خصوص عترة الرسول [صلى الله عليه وآله] ، فمن خالفهم في شيء ، فإنه يردّ عليه . .
كما أننا نجد في مصادر أهل السنة العديد من الموارد التي أشير فيها إلى أن علياً [عليه السلام] كان يحتج بحديث الغدير ، ويسعى لحمل الذين حضروا واقعة الغدير على أن يعلنوا للناس بما رأوا وبما سمعوا في ذلك اليوم الأغرّ ، ونذكر من ذلك ، الشواهد التالية :
أ ـ إحتجاجات علي (عليه السلام)
حيث إن النصوص قد ذكرت :
1 ـ احتجاجه [عليه السلام] ، بحديث الغدير في يوم الشورى ، حيث قال [عليه السلام] : ولأحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك ، ثم قال : أنشدكم الله ، أيها النفر جميعاً : أفيكم أحد وحّد الله قبلي؟ قالوا : لا . .
إلى أن قال : فأنشدكم الله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله [صلى الله عليه وآله] : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره . ليبلغ الشاهد الغايب ، غيري؟
قالوا : اللهم لا . . إلخ . . (1) .
وعلى كل حال : فقد ذكروا حديث المناشدة عن الدارقطني وابن مردويه ، وأبي يعلى وغيرهم .
ولنفترض أن بعض رجال أسناد هذا الحديث ضعاف ، فإن ذلك لا يعني كذب الرواية من الأساس كما هو معلوم . لاسيما مع أن مصلحة الرواة هي في خلاف مضمون ما يروونه . .
2 ـ واحتج علي [عليه السلام] ، بهذا الحديث في خلافة عثمان أيضاً . . وذلك في المسجد ، في حلقة كان فيها أكثر من مئتي رجل . فراجع فرائد السمطين ص123 كما في الغدير ج1 ص163-165 .
3 ـ وحديث مناشدته [عليه السلام] للناس بحديث الغدير يوم الرحبة في سنة 35 للهجرة قد رواه كثير من علماء أهل السنة فراجع الغدير ج1 ص166 ـ 184 تجد عشرات المصادر من كتب أهل السنة .
4 ـ مناشدته به في يوم الجمل كما ذكره الحاكم في المستدرك ج3 ص371 وعن مروج الذهب ج2 ص18 والمناقب للخوارزمي ص112 وغيرهم كما في الغدير ج1 ص186 – 187 . .
5 ـ وحديث الركبان ، راجع فيه الغدير ج1 ص187-191.
ب ـ احتجاج الزهراء (عليها السلام)
روى شمس الدين أبو الخير الجزري الدمشقي المقري الشافعي في كتابه أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب ص49 51 قال عن حديث الغدير :
فألطف طريق وقع بهذا الحديث وأغربه ما حدثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن المحب المقدسي مشافهة : أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب ابنة أحمد عبد الرحيم المقدسية ، عن أبي المظفر محمد بن فتيان بن المثنى ، أخبرنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ ، أخبرنا ابن عمة والدي القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد المدني بقراءتي عليه ، أخبرنا ظفر بن داعي العلوي باستراباد ، أخبرنا والدي وأبو أحمد ابن مطرف المطرفي قالا : حدثنا أبو سعيد الإدريسي إجازة فيما أخرجه في تاريخ استراباد ، حدثني محمد بن محمد بن الحسن أبو العباس الرشيدي من ولد هارون الرشيد بسمرقند وما كتبناه إلا عنه ، حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الحلواني ، حدثنا علي بن محمد بن جعفر الأهوازي مولى الرشيد ، حدثنا بكر بن أحمد القسري .
حدثتنا فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر [عليه السلام] ، قلن حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق ، حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي ، حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين ، حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي عن أم كلثوم بنت فاطمة عن فاطمة بنت النبي ، رسول الله صلى الله عليه [وآله] ورضي عنها ، قالت : أنسيتم قول رسول الله صلى الله عليه و آله[يوم غدير خم ، من كنت مولاه فعلي مولاه؟
وقوله صلى الله عليه [وآله] :أنت مني بمنزلة هارون من موسى [عليهما السلام]؟
وهكذا أخرجه الحافظ أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء ، وقال :
هذا الحديث مسلسل من وجه، وهو أن كل واحدة من الفواطم تروي عن عمة لها ، فهو رواية خمس بنات أخ كل واحدة منهن عن عمتها (2) .
الهوامش:
1-راجع : الغدير ج1 ص159 فما بعدها عن المناقب للخوارزمي الحنفي ص217 وأخرجه الحمويني الشافعي في فرائد السمطين الباب58 وفي الدر النضيد لابن حاتم الشامي ، قال : أنشدكم بالله ، أمنكم من نصّبه رسول الله [صلى الله عليه وآله] ، يوم غدير خم للولاية غيري؟ قالوا : اللهم لا . .
وراجع أيضاً : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص61 كما ذكره في الغدير ج1 ص16. 2-راجع الغدير ج1 ص197 .
المصدر: كتاب مختصر مفيد( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة )