قاسم العجرش
منذ سبعينيات القرن الفائت؛ حدث تغير جوهري في حياة المسلمين عامة، والعراقيين منهم على وجه التحديد، فقد بدأت بوادر الصحوة الإسلامية الناعمة، ودبت في أوصال مجتمعنا، ثقافة كانت مغيبة منذ زمن طويل.
قبل ذلك الميقات المفصلي، لم نكن كما نحن اليوم؛ وتتذكرون تلك الأيام؛ حيث كانت قلة من الفتيات المتعلمات، أو الملتحقات بالمدارس الثانوية والجامعات يرتدين الحجاب، وكانت تنورة الميني جيب، بخمسة عشر سنتمترا فوق الركبة هي الملبس الشائع لهن.
آنذاك وقبله؛ كانت ظواهر الهيبيز والخنافس، وبنطلونات الجارلس الفضفاضة التي تسحل في الأرض، هي عنوان الشباب، بشعورهم الطويلة المتهدلة على الأكتاف، وكانت حانات الخمور في مدننا الكبرى، تنافس أعدادها؛ أعداد محلات الموبايل في أيامنا هذه، وكان بين حانة وحانة حانة.
في ذلك "الزمن الذي يحن اليه العلمانيين، ومعهم جوقة أدعياء المدنية و"الرفاق" شيوعييهم وبعثييهم، ويطلقون عليه اليوم عبارة "الزمن الجميل"، وحتى كانت مواخير الرذيلة شبه علنية، وكأنها مجازة رسميا.
ولإتمام الصورة؛ نستذكر أنه كان من النادر أيضا؛ أن تجد شابا ملتحيا، وكانت المساجد قفرى إلا من مسنين يعدون أنفسهم للرحلة الأبدية.
لا نبغي عرض الصورة؛ بل نود الإشارة الى أن الصحوة الإسلامية، بدأت في تلك الأيام؛ بمؤثرات وأسباب عدة، لا يكفي المقام لها جميعا، ونسعى لتحفيز ذاكرة جيل تلك الفترة والتي سبقتها؛ على تذكر ما حدث، على شكل شريط سينمائي، وستتوفر لدينا ملايين الأشرطة، التي ستكون بحاجة الى دبلجة، فلغة تلك الأيام غير لغة هذه الأيام، والجيل الحاضر؛ سوف لن يصدق؛ أن كثيرا من الآباء وبينهم أبا أحدهم، كانوا يعتبرون إحتساء الخمرة في البيوت ليس عيبا!
في ملامح البداية؛ أي في سبعينيات القرن الفائت، بدأت مساحات عديدة من المجتمع تصحو من غفلتها، وبالطبع كانت البدايات فردية، وكان الإسلاميون آحادا، لكنهم بدأوا واضحين في المجتمع، وصرنا نرى شبابا ملتزمين، كانت وجوههم تختلف عن وجوه غيرهم، وكانوا بسحنات يكسوها وقار أنيق، لحى خفيفة، مهطعين روؤسهم؛ لا ينظرون الى ما فوق ركب زميلاتهم في الجامعة.
لقد كان بينهن آحاد من البنات الملتزمات، وكان منظرا غريبا أن ترى في الجامعة عباءة، لكن هذا المنظر أخذ يفرض نفسه، وصرت ترى عباءة هنا وعباءة هناك، ورويدا بدأت التنورات تطول..وصحونا!
بعد تلك الأيام بسنوات عدة؛ أصبحت للإسلام بصمته الملحوظة، وكنت تشعر بها في اللباس واللغة، والتعامل اليومي والعلاقات بين الجنسين والفن والأخلاقيات، وبدأنا نشعر أن الأسلام مصدرا للقوة، ورافدا للموثوقية، ودافعا للتغيير، وبدأت أسماء لمفكرين إسلاميين تطرق بقوة أسماعنا..يومها سمعنا عن رجل دين أسمه الخميني، وآخر أسمه محمد باقر الصدر، وكانا عنوان تلك الصحوة الأبرز..
كلام قبل السلام: المعاندون والمكابرون؛ وحدهم من يبخسون هذا الدور..وحتى هؤلاء، وحينما يضعهم صادع بالحق في زاوية ميتة، يقرون بسطوع النهضة التي قادها الإمام الخميني"رض"، ودورها في صناعة يومنا وغدنا.
سلام..
المصدر:وكالة أنباء براثا