تأشيرة الحج.. البقاع المقدسة في مزاد السياسة

الأحد 19 أغسطس 2018 - 23:19 بتوقيت غرينتش
تأشيرة الحج.. البقاع المقدسة في مزاد السياسة

مناسك الحج - الكوثر: تقول الأخبار الواردة من العاصمة اللبنانية بيروت إن السطات السعودية منحت هذا العام تأشيرات حج للقيادي المسيحي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، قال البعض إنها في حدود ثلاثمئة تأشيرة، ولكن الكرم السعودي بإسباغ تأشيرات الحج على مسيحيي لبنان قوبل بغضب واسع من مسلمين جأروا بالشكوى لمنعهم من الحج عاما بعد عام.

وبينما يتوافد الملايين من حجاج بيت الله الحرام على مشعر منى إيذانا بالبدء الفعلي لمناسك حج هذا العام؛ تخفق قلوب أعداد أخرى من المسلمين الذين امتلكوا القدرة والإرادة وحرمتهم صراعات السياسة من الدنو من بيت الله الحرام.

وتبدو حالة منع حجاج قطر من الوصول إلى البيت العتيق الحالة الأبرز في حج العام الحالي، والذي قبله، بعد اندلاع الأزمة بين دول مجلس التعاون، ولكنها ليست الوحيدة، فقد استخدمت السلطات السعودية سوط التأشيرات وسلطان الأمر الواقع لحرمان البعض من أداء هذه الفريضة أفرادا وحجاج دول.

وما يجمع بين أغلب حالات المنع أن أصحابها وجدوا أنفسهم مرغمين على دفع ثمن خلافات سياسية بين أنظمتهم أو بلدانهم مع السلطات السعودية، وهو ما يعني وفقا للكثيرين أن السعودية تعتبر الحج إحدى أوراقها التي تستخدمها عند الحاجة، رغم أنه فريضة إسلامية تخص جميع المسلمين بغض النظر عن مواقعهم ومذاهبهم وخلافاتهم السياسية والفكرية.

دول في دائرة المنع
مع أن الضغوط على الحجاج الليبيين سبقت الربيع العربي، حيث ظلت الاحتكاكات والمساجلات بين العقيد الراحل معمر القذافي والحكومة السعودية مستمرة، ووجد الحجاج الليبيون أنفسهم أكثر من مرة في عين العاصفة على خلفية تلك الاحتكاكات التي اتخذت صورا وأنماطا متعددة.

وفي العام الماضي، رفضت السعودية استقبال الحجاج الليبيين ما لم يكونوا متحصلين على جوازات سفر إلكترونية، ورغم محاولات وزارة الأوقاف الليبية لإقناع نظيرتها السعودية بتجاوز المنع فإن الأخيرة رفضت وأصرت على موقفها.

وفي حادثة تناقلتها وسائل الإعلام العام الماضي، اعتقل الأمن السعودي ثلاثة معتمرين ليبيين وسلمهم إلى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، رغم دخولهم بجوازات سفر وتأشيرات رسمية إلى الأراضي السعودية، لتؤكد بذلك الرياض أن الحرم لم يعد آمنا إلا بقدر ما يريد آل سعود.

ومثّل موضوع الحجاج الإيرانيين مادة للسجال والنقاش كل عام تقريبا بين الدولتين؛ وأدى ذلك إلى منع كافة الحجاج الإيرانيين من أداء الفريضة عام 2016، ولكن السعودية رحبت بهم بحفاوة العام الحالي رغم أنها تمنع حجاج قطر على خلفية أزمة تصر السعودية وحلفاؤها على أن من أهم أسبابها العلاقة بين إيران والدوحة.

وفي السياق ذاته، تطبق السعودية سياسة خاصة في التعاطي مع الراغبين في الحج من سوريا؛ حيث اعتمدت منذ عام 2012 ما يسمى الائتلاف الوطني السوري بوصفه الجهة المخولة أمام وزارة الحج والعمرة السعودية بتسجيل حجاج سوريا، بالإضافة إلى الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين، بتركيا والأردن ولبنان ودول مجلس التعاون.

ولا تستثني الإجراءات السعودية التي يصفها البعض "بالمسيسة" فلسطينيي الشتات؛ وتشير وسائل إعلام متعددة إلى أن السعودية أصدرت العام الماضي قرارا يمنع منح تأشيرات الحج والعمرة لفلسطينيين مقيمين ببعض الدول العربية. وبينما تشدد السلطات السعودية على أن الحظر يستهدف اللاجئين الفلسطينيين بسوريا دون غيرهم؛ يؤكد نشطاء وإعلاميون أنه تم عمليا تطبيقه على الجميع.

الجار ذو القربى
وعلى مستوى اليمن الجار الجنوبي للمملكة؛ فرضت السعودية جملة إجراءات وقيود على الراغبين في الحج، خاصة من يقيمون في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش واللجان الشعبية، وهو ما أثار غضبا مضاعفا في أوساط اليمنيين الذين يعانون الأمرين في ظل الحرب الدائرة في بلادهم منذ سنوات.

وما زال القطريون ممنوعين للعام الثاني على التوالي من أن يسلكوا طريقا سلكه آباؤهم من قبل، وأن يصلوا إلى بيت بناه إبراهيم ورفع قواعده مع ابنه إسماعيل وجعله الله حرما آمنا.

وقبل مدة، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريراً كشف عن أن السعودية استخدمت أساليب عدة للضغط على دول للوقوف معها في أزمتها ضد قطر، وتحديدا الدول الأفريقية.

ولم يقتصر المنع على الدول والمجموعات فقط؛ فقد ذكرت وسائل إعلام متعددة منذ فترة أن السعودية أعادت رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي من المطار وهو يلبس لباس الإحرام ومنعته من الحج رغم حمله تأشيرة رسمية حين كان مقيما في بريطانيا قبل اندلاع ثورة البوعزيزي.

البيت الحرام مهوى أفئدة المسلمين من كل أنحاء العالم يفدون إليه رغبة وشوقا، ويؤثرونه على أنفسهم بمال السفر وترانيم الأشواق.

ومنذ أن وضع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قواعد البيت ظلت الطريق إلى الحرم سالكة معبدة بالدموع والتراتيل، إلا في فترات قليلة حين غلب القرامطة على الحرم، وحين تولى الأعراب إدارة الطريق إلى مكة، حيث انتشر النهب والسلب.

فهل يسعى خدام الحرمين الشريفين إلى رفع قواعد القرامطة أو إحياء سنن الأعراب في موسم الأشواق والتلبية والطواف؟

 

المصدر: الجزيرة