التدريس والتعليم
تُعدّ مهنة التدريس من المِهَن الإنسانيَّة المُتخصِّصة، التي تقوم على مهاراتٍ وظيفيَّة وأفرادٍ مؤهلين ضمن إطارٍ منظَّم ومرجعيَّاتٍ مؤسسيَّة محكومة بقواعد وقوانين، تضمن إنجاز المهمات والأهداف العامَّة والخاصَّة والمنسجمة مع مبادئ المجتمعات والدّول، فهي عبارة عن نشاطٍ مقصودٍ يهدف إلى إنجاز التعلّم وتسييره للمتعلمين ليساعدهم على إدراك الخبرات التعلمية والشعور بنتائجها وتنميطها في سلوكاتهم وانفعالاتهم، ما ينعكس بصورةٍ ملموسة كمجزاتٍ واقعيَّة في البيئة التعلّميَّة والمجتمع العام ككل. وتحتاج العمليَّة التدريسيَّة باعتبارها عمليَّةً سلوكيَّةً إلى تخطيط مسبقٍ لتلبية متطلبات المجتمع وحاجاته للتعلُّم وسياساتِ البلاد أو المؤسسات الراعية للعمليَّة لتشكِّل بذلك مجالاتٍ معرفيَّة منظَّمةٍ تسوق المعارف للدارسين عبر استراتيجيَّات ومهارات وأساليب مختارة ومدروسة لتحقق المنجز القيمي للتدريس ألا وهو التعلُّم واكتساب المعارف.
كيفيّة استقبال العام الدِّراسي الجديد
ما إن تلوح معالم العام الدراسي الجديد في كل مرَّة في أفق الطلبة وذويهم حتَّى تمتزج مشاعرهم بالعديد من التوافقات والمتناقضات حول ما يحمله العام الدِّراسي الجديد وما عليهم أن يبدوه تجاهه وكيف عليهم أن يستقبلوه، ومن البديهي أنَّ كلَّ فئةٍ من النَّاس ترى العالم بما يحمله بصورةٍ ذهنيَّةٍ تناسب الفهم والذهن والخبرة المتكونة لديها حول طبيعة العام وخبرات الأعوام السابقة، فيراه التلاميذ وقد توسَّعت مداركهم وتعمَّقت أفهامهم بصورةٍ مغايرةٍ لجميع الأعوام التي سبقته وباعتباراتٍ أكثر وأكبر، ومن الحريِّ بجميع المعنيين بالعام الدِّراسي الجديد أن يتقنوا التخطيط والتنظيم لاستقباله ليتحقَّق لهم أسمى ما تمنَّوا وأضمروا في أذهانهم من أهدافٍ وأحلام، ويمكن التخطيط لاستقبال العام الدِّراسيّ الجديد من خلال اتّباع النَّصائح والإرشادات المساعدة على ذلك ومنها:
1- العودة إلى المعارف السابقة والخبرات المتحصَّلة من الصفوف السابقة، ومراجعتها مع الوالدين أو الإخوة، ومعاودتها بصورة سريعة تثري الذاكرة وتعمق الفهم، إذ أنَّ المعارف الجديدة مبنيَّة على ما سبقها من العلوم في الصفوف السابقة ومرتكزة عليها، فهي الأساس المتين للبناء المستمر والمتحصَّل من خلال تعلم المواد والمناهج الدراسية المختلفة.
2- تعويد النَّفس على التهيئة اليوميَّة للمدرسة، ويكون ذلك بالاستعداد الذهني والجسدي والنفسي لليوم المدرسي ونشاطاته، كأن ينام التلميذ مبكِّراً ليضمن استيقاظه مبكِّراً ويعين جسده على تحمل النشاطات المدرسيَّة والتركيز فيها والإفادة منها ما أمكن.
3- عدم المبالغة في شراء احتياجات ولوازم المدرسة بما فيه إسراف وتبذير وإرهاقٌ لا حاجة فيه ولا تبرير، فالأنشطة المدرسية لا تكتمل بالماركات والموضة والتطاول بالأثمان الباهظة والبضائع العالميَّة، بل إنَّ الاكتفاء بالمستلزمات الضروريَّة تهذيب للنفس وتطويع لها في حضرة العلم والتعلم.
4- التفاؤل بالعام الجديد والمرحلة الجديدة والصف الجديد الذي سيكون ملازماً للطالب سنةً كاملةً بنشاطاته ومناهجه وطلَّابه ومعلميه.
5- التَّصالح مع الذات ومع قيمتها الجديدة ومكانتها في العام الدِّراسي الجديد وتصحيح الأخطاء والإقلاع عن العادات السلبيَّة، وعقد العزم على التغيير والتجديد والتحسين بما فيه منفعة الذات وتكوين صورة حسنة تليق بالتلميذ في مرحلته الجديدة.
6- الاهتمام بالمقتنيات الشخصيَّة واللوازم المدرسيَّة والعناية فيها لتكون سلسة التعرُّف والتنقل في يد المعلمين وقلوبهم، والمواظبة على حل الواجبات المدرسيَّة في وقتها وفترتها دون تسويفٍ ولا تأخير.
7- الإيجابيَّة والتكيُّف الحسن مع المدرسة ومرافقها وأنشطتها والاندماج في جميع مكوناتها ونشاطاتها التي تحقق المتعة وتصنع الشخصيَّة كالرياضة والفنون والنشاطات الثقافية والدينيَّة.
8- تعاهد المكتبة والمواظبة على زيارتها ومطالعة كتبها والإفادة من علومها وما تحويه طيَّات رفوفها، والتزوّد قدر المستطاع من المواد والعلوم المهاريَّة التي تضمن التطوير المستقبلي كاللغة الإنجليزية والحاسوب.
9- التناصح والتذاكر والتآزر وتكوين الصَّداقات الطيبة الصالحة والهادفة، والابتعاد عن التفاخر بالظاهر والتفاضل بما ليس له قيمة من لباسٍ أو مصروفات أو غير ذلك مما يتفاضل فيه النَّاس.
10- حسن المعاملة مع جميع عناصر العمليَّة الدراسية من معلمين وإدارة وحرَّاس المرافق والعمَّال فهم جميعهم موجودون لتحقيق أهداف العمليَّة التدريسيَّة التي تتمحور حول الطالب.
دور الأهل في استقبال العام الدِّراسي
يقع على عاتق الأهل والمجتمع أن يتنبَّهوا باستعدادٍ وفرطِ انتباهٍ لدخول العام الدراسي الجديد لينتقلوا بأبنائهم من نمطيَّة السكون والهدوء إلى حيويَّة التجديد والتغيير بما يضمن التحسين المستمر والتطوير المحفِّز والمثري للوطن وأبنائه، وينبغي على الآباء اغتنام دخول العام الجديد في صناعة أبنائهم واحتراف بنائهم بما يتماشى مع معطيات الأخلاق وعادات المجتمع وتقاليده، ومن الأمور الواجب الحرص عليها والتذكير فيها ما يأتي:
1- نصح الأبناء وإرشادهم ومساندتهم في التعرف إلى أهدافهم ومتطلَّبات عامهم وصناعة رؤاهم والتماشي مع رسالتهم الدينيَّة والمجتمعيَّة.
2- المراقبة المنضبطة الواثقة والحريصة للأبناء ونشاطاتهم وعلاقاتهم والجهات أو الأدوات التي يتعاملون معها ويحتكون فيها.
3- التواصل المستمر مع كوادر المدرسة وعناصرها لمعرفة واقع الطالب وتفاعلاته ومدى انسجامها داخل البيئة المدرسيَّة.
4- تعظيم المعلم والمدرسة في نفوس الطلبة والأبناء وتوجيههم لاحترامهم وتقديرهم والنهل من معارفهم وأخلاقهم وعلومهم ودوام مصاحبتهم والكسب العلمي منهم.
5- تعديل سلوكات الأبناء بالأساليب المنهجيَّة الإنسانيَّة والتربويَّة بعيداً عن تحطيم النَّفس واستخدام التعنيف الجسدي واللفظي.
متعة التعلم
تنفرد عملَّية التعلم في قدرتها على صناعة نوعٍ فريد من المتعة التي يتذوقها الناس على اختلاف مراحلهم، إذ أن كلَّ مرَّة يكتسب فيها الإنسان شيئاً جديداً بالتعلم يتولّد لديه شعورٌ مميز بالمتعة لتصنع لديه حافزاً شمولياً يقوده للبحث عن المزيد من الاكتشافات من خلال التعلم، فتتكوّن لديه قناعة مفادها أن المتعة نتيجة نهائيّة وطبيعيَّة لعمليَّة التعلّم، فتنشأ لديه علاقة حميمة بين العمليَّة والنتيجة، والواقع أنَّ أكثر ما يمثِّل هذه المعادلة ويعبّر عنها هو التعلّم داخل الصفوف المدرسيَّة. إذ تتمايز الصفوف في قدرتها على الإمتاع بين اتجاهين أحدهما يتَّسم بالجمود المجرَّد من النَّشاطِ والتغيير لتخلو نتائجه من الإبداع والتأثير. والآخر ملهم يتَّصف بالحيويَّة والتجديد والقدرة على تحفيز الطلبة واستثارة دافعيَّتهم لما يتذوقونه من متعة التعلّم الفاعل المرتكز على التحفيز والحريّة والتعزيز. ذلك تماماً ما يدعو التلاميذ إلى التعلّق بمدارسهم لمجرَّد شعورهم بالحريَّة والقوة والتجديد، أو ما ينفرهم منها عند شعورهم بالانغلاق والتقوقع والروتين.
104