من سيرة النبي آدم(ع)...قصة الشيطان...اليمين والوسوسة

الأربعاء 15 أغسطس 2018 - 16:56 بتوقيت غرينتش
من سيرة  النبي آدم(ع)...قصة الشيطان...اليمين والوسوسة

فقد جاء في رواية عن الإمام الصادق (ع)، وعن الإمام علي بن موسى الرضا (ع): فجاء إبليس فقال: " إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

رآى " آدم" نفسه أمام أمر إلهي يقضي بعدم الإقتراب من الشجرة، لكن الشيطان أبى إلا أن ينفذ بقسمه في إغواء آدم وذريته، فطفق يوسوس لآدم ووعده وزوجه.

وللوصول إلى هذا الهدف رأى أن أفضل طريق هو أن يستغل حب الإنسان ورغبته الذاتية في التكامل والرقي والحياة الخالدة، وليوفّر لهما عذرا يعتذران ويتوسلان به لتبرير مخالفتهما لأمر الله ونهيه، ولهذا قال لآدم وزوجته:﴿ وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾.

وبهذه الطريقة صور الأمر الإلهي في نظرهما بشكل آخر، وصور المسألة وكأن الأكل من " الشجرة الممنوعة" ليس غير مضر فحسب، بل يورث عمرا خالدا أو نيل درجة الملائكة. والشاهد على هذا الكلام هو العبارة التي قالها إبليس﴿ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ﴾.

فقد جاء في رواية عن الإمام الصادق (ع)، وعن الإمام علي بن موسى الرضا (ع): فجاء إبليس فقال: " إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين، وبقيتما في الجنة أبدا، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة".

ولما سمع آدم هذا الكلام غرق في التفكير، ولكن الشيطان من أجل أن يحكم قبضته ويعمق وسوسته في روح آدم وحواء  توسل بالإيمان المغلظة للتدليل على أن يريد لهما الخير ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ).

آدم على أمل الحياة الخالدة:

لم يكن آدم يملك تجربة كافية عن الحياة، ولم يكن قد وقع في حبائل الشيطان وخدعه بعد، ولم يعرف بكذبه وتضليله قبل هذا، كما إنه لم يكن في مقدوره أن يصدّق بأن يأتي بمثل هذه الإيمان المغلظة كذبا، وينشر مثل هذا الحبائل والشباك على طريقه. ولهذا وقع في حبال الشيطان، وانخدع بوسوسته في المآل، ونزل بحبل خداعه المهترىء في بئر الوساوس الشيطانية للحصول على ماء الحياة الخالدة والملك الذي لا يبلى، ولكنه ليس فقط لم يظفر بماء الحياة كما ظن، بل سقط في ورطة المخالفة والعصيان للأوامر الإلهية، كما يعبر القرآن عن ذلك ويلخصه في عبارة موجزة إذ يقول: ﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ﴾.

مع إن آدم  نظرا لسابقة عداء الشيطان له، ومع علمه بحكم الله ورحمته الواسعة، ومحبته ولطفه كان من اللازم أن يبدد كل الوساوس ويقاومها، ولا يسلم للشيطان، إلا إنه قد وقع ما وقع على كل حال.

وبمجرد أن ذاق آدم وزوجته من تلك الشجرة الممنوعة تساقط عنهما ما كان عليهما من لباس وانكشفت سوءاتهما ﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾.

ويستفاد من العبارة أعلاه أنهما بمجرّد أن ذاقا من ثمرة الشجرة الممنوعة أصيبا بهذه العاقبة المشؤومة، وفي الحقيقة جردا من لباس الجنة الذي هو لباس الكرامة الإلهية لهما.

ويستفاد من هذه جيدا أنهما قبل ارتكابهما لهذه المخالفة لم يكونا عاريين، بل كانا مستورين بلباس لم يرد في القرآن ذكر عن حقيقة ذلك اللباس وكيفيته، ولكنه على أي حال كان يعد علامة لشخصية آدم وحواء ومكانتهما واحترامهما، وقد تساقط عنهما بمخالفتهما لأمر الله وتجاهلهما لنهيه.

على حين تقول التوراة المحرفة: إن آدم وحواء كانا في ذلك الوقت عاريين بالكامل، ولكنهما لم يكونا يدركان قبح العري، وعندما ذاقا وأكلا من الشجرة الممنوعة التي كانت شجرة العلم والمعرفة، أنفتحت أبصار عقولهما، فرأيا عريهما، وعرفا بقبح هذه الحالة.

إن آدم الذي تصفه التوراة لم يكن في الواقع إنسانا، بل كان بعيدا عن العلم والمعرفة جدا، إلى درجة إنه لم يكن يعرف حتى عريه.

ولكن آدم الذي يصفه القرآن الكريم، لم يكن عارفا بوضعه فحسب، بل كان واقفا على أسرار الخلقة أيضا "علم الأسماء"، وكان يعد معلم الملائكة، وإذا ما استطاع الشيطان أن ينفذ فيه فإن ذلك لم يكن بسبب جهله، بل استغل الشيطان صفاء نيتّه، وطيب نفسه.

ويشهد بهذا القول الآية التي تقول: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ﴾. وما كتبه بعض الكتاب المسلمين من أن آدم كان عاريا منذ البداية، فهو خطأ مأخود ممّا ورد في التوراة المحرفة.

وعلى كل حال فإن القرآن يقول: إن آدم وحواء لمّا وجدا تفسيهما عاريين عمدا فورا إلى ستر نفسيهما بأوراق الجنة: ﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾.

وفي هذا الوقت بالذات جاءهما نداء من الله يقول: ألم أحذركم من الإقتراب والأكل من هذه الشجرة؟ ألم أقل لكما: إن الشيطان عدو لكما؟ فلماذا تناسيتم أمري ووقعتم في مثل هذه الأزمة:﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾.

الإخراج من الجنة:

يقول القرآن الكريم بعد ذلك: ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾. (26)

نعم، أخرجا من الجنة حيث الراحة والهدوء وعدم الألم والتعب والعناء، على أثر وسوسة الشيطان.

وصدر لهما الأمر الإلهي بالهبوط ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾.

وهنا، فهم آدم إنه ظلم نفسه، وأخرج من الجو الهادئ الملئ بنعم الجنة بسبب استسلامه لوسوسة الشيطان. وهبط في جو مفعم بالتعب والمشقة والعناء. مع أن آدمكان نبيا ومعصوما، فإن الله يؤاخذ الأنبياء بترك الأولى ? كما سنرى ? كما يؤاخذ باقي الأفراد على ذنوبهم. وهو عقاب شديد تلقّاه آدم جرّاء عصيانه.

المصدر:تفسير الأمثل