السيد سامي خضرة
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ *وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ *} سورة الشعراء: الآيتان 78 و79. .
اهتم الإسلام بالآداب الخاصة، المتعلقة بآداب الطعام والشراب، وما قبلهما وبعدهما، وليس من المبالغة القول: إنَّ مئاتٍ من الروايات الشريفة تطرَّقت لهذه المواضيع، وأسهبت في الحديث عنها. ومن المهم جداً للسالك إلى الله تبارك وتعالى، أن يطَّلع على هذه النصوص المباركة، ليتعلمَ الآدابَ المتنوعة للطعام ،لعلَّه يلتمس روعة الأسرار، والحكمة من وراء هذا التشريع الإلهي البديع.
فالإسلام نصَّ على استحباب غسلِ اليدين قبل الطعام وبعده، حيث إنَّ الإنسان عادةً يكون، في أثناء عمله، قد تناول أشياء كثيرةً، ومن مصادر مختلفةٍ، والتي تنقل إليه أنواعَ الجراثيم المؤهَّلةِ لغزو جسده، والفتكِ بصحته من خلال الطعام، الذي لا بدَّ له منه مراتٍ عديدة. فقد روي عن الصادق قوله: «مَنْ غسل يديه، قبل الطعامِ وبعده، بورك له في أوَّلِهِ وآخرِهِ، وعاش ما عاش في سعةٍ، وعُوفيَ من بلوى في جسدِه» (مكارم الأخلاق: ص139).
كما يُستحب الوضوءُ قبل الطعام، وهو من آداب المسلم، وتذكُّره الدائم لربِّهِ تعالى شأنُه، فهو في حالِ تذكرٍ ومراقبةٍ، حتى عندما يُريدُ أن يُقدم على أكله. وفي هذا ما رُوي عن رسول الله من قوله: «الوضوء، قبل الطعام وبعدَه، ينفي الفقر» (المصدر نفسه: ص140)
ومن الآداب الإسلامية أيضاً، التسميةُ قبل الطعام، والحمدُ بعد الفراغِ منه، والجلوسُ على الأرضِ جلسةَ العبدِ، وشكرُ الله على هذه النعمة، وأن لا يحقِّرَ شيئاً منه، حتى الفُتات من كسراتِ الخبز، والمتبقياتِ من فضلات الطعام وآثارها، بل يجمعُها ويأكُلها. فقد ورد عن رسول الله قوله: «ما سقط من المائدة مهورُ الحورِ العين»(المصدر نفسه: ص141).
هذا، إذا كان يأكل على مائدة الطعام في المنزِل، وأما إذا كان في البريَّة، فلا بأس أن يترك ما يَفْضُلُ منه، لتتغذى منه الحيوانات والبهائم، فقد روى محمدبن الوليد قال: أكلتُ بين يدي أبي جعفر الثاني ، حتى إذا فرغت، ورُفع الخِوان الخوان: بضم الخاء وكسرها: المائدة وكل ما يؤكل عليه. ذهب الغلام يرفع ما وقع من فتات الطعام، فقال : «ما كان في الصحراء فدعه، ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فتتبعه والتقطه»( مكارم الأخلاق: ص142).
ويستحب أيضاً الجلوسُ على الجانب الأيسرِ أثناء الطعامِ، كما ورد عن الحسنِبن علي . وورد عنه أيضاً في آداب الطعام، تصغيرُ اللقمة، والمضغُ الشديدُ الجيد، لما في ذلك من آثارٍ صحيةٍ على المِعدة وعمليةِ الهضم (المصدر نفسه: ص141)
ويستحبُ مؤكداً، بَدْءُ الطعام بالملح، والختمُ به، كما هو معروف ومشهور، ولا شك أنَّ في ذلك فوائدَ جمة، منها ما ذُكر في النصوص المباركة، ولعلَّ من فوائده أنَّه يفتح الشهيةَ مثلاً، في الابتداء، ويُعقِّمُ الفَمَ عند الانتهاء، والله العالم. وربَّما يفسر ذلك ما ورد عن مولانا علي أمير المؤمنين : «ابدؤوا بالملح، في أوَّل طعامكم، فلو يعلمُ الناسُ ما في الملح لاختاروه على الترياق المجرب» (ميزان الحكمة: ج641). (والترياق ما يستعمل من الأدوية لدفع السمّ). .
وفي وصية النبي لعلي : «يا علي، افتتح بالملح، واختتم به، فإنَّه شفاء من سبعين داءً» (مكارم الأخلاق: ص142).
وأما ما ورد من نصوصٍ حول التسمية قبل الطعام، والحمد بعد الانتهاء منه، فكثير جداً، حتى باتت هذه العادةُ ملازمةً لكل المسلمين تقريباً، على وجه المعمورة، على تنوعهم واختلاف عاداتهم. ويكفي لإدراك السُّنَّةِ المستحبة، ونيل الثواب، أن تقول ابتداءً: «بسم الله»، أو: «بسم الله الرحمن الرحيم». وأن تقول عند الانتهاء: لله»، أو لله ربّ العالمين».
وورد عن أمير المؤمنين قولُه: «ضمنتُ لمن سمّى على طعام، أن لا يشتكي منه» (المصدر نفسه: ص142) وعن الصادق : «ما أُتخمتُ قط، وذلك لأنِّي لم أبدأ بطعام إلاَّ قلتُ: «بسم الله»، ولم أفرُغْ منه إلاَّ قلت: الحمد لله». وعنه قولُه: «إنَّ مَنْ نَسيَ أن يُسميَ على كل لون، فليقل: بسم الله على أوله وآخره» (مكارم الأخلاق: ص143).
وفي وصية النبي لعلي : «يا علي إذا أكلتَ فقل: «بسم الله»، وإذا فرغتَ فقل: الحمد لله»، فإنَّ حافظَيْكَ لا يستريحان من أن يكتبا لك الحسنات، حتى تنبِذه عنك» (المصدر نفسه: ص142).
وعن رسول الله قولُه: «إذا وُضعت المائدةُ، حفَّها أربعةُ أملاك، فإذا قال العبد: «بسم الله»، قالت الملائكة للشيطان: «اخرج يا فاسق، فلا سلطان لك عليهم» وإذا فرغوا فقال: الحمد لله» قالت الملائكة: «قوم أنعم الله عليهم، فأدُّوا الشكر لربهم»، وإذا لم يقل: «بسم الله»، قالت الملائكة للشيطان: «ادنُ يا فاسق، فكُل معهم»، فإذا رُفعت المائدةُ ولم يحمدوا الله، قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربَّهم» "المصدر نفسه: ص142".
هذه جملة مُنوّعة من آداب الطعام والمائدة نرجو من الله أن يوفقنا للقيام بها قربةً خالصةً لوجهه الكريم، وأن لا يحرمنا من ثوابه الجزيل، وفي الصفحات الآتية المزيد.
المصدر:كتاب آداب السلوك