في القسم الأول من حديثنا عن السيد الحائري تكلمنا عن نسبه ، ولادته، نبوغه ،لقبه ، حياته الشخصية ، وعيه ، تدرجه العلمي و...و في هذه المقالة نتابع الحديث عن هذا العالم الجليل :
هجرة السيد
هاجر من النجف الأشرف سنة (1394 ﻫ ق)، ونزل في الحوزة العلميّة المباركة في قم المقدّسة، وبدأ نشاطه العلميّ بتدريس السطح العالي فترة وجيزة، ثُمّ شرع بتدريس الخارج فقهاً واُصولاً، فكان درسه الشريف لا يحضره إلاّ الذين يبحثون عن التبحّر والغور العميق حتّى إنّ عدداً من أفاضل العلماء الإيرانيّين يحضر درسه على الرغم من كونه باللّغة العربيّة؛ طلباً للتحقيق والفائدة.
حبّه لاُستاذه الشهيد الصدر
إنّ حبّه لاُستاذه الشهيد لا يوصف؛ إذ فجع بنبأ شهادته ، فجلس أيّاماً لايخرج من البيت؛ لأنّه لايصبر عن البكاء لا ليلاً ولا نهاراً.
سألناه يوماً عن سوء صحّته بالشكل الذي لا يناسبه عمره الشريف، فأجابنا قائلاً: "اُصبتُ بمصيبتين عظيمتين هدّتا قواي:
الاُولى : فراق الاُستاذ الشهيد الصدر ، وأخذت هذه المصيبة منّي مأخذاً كبيراً حيث اضطررت إلى فراقه والهجرة من النجف الأشرف.
والثانية : شهادته أجهزت عليّ وأنهكتني".
وسمعناه يقول: "لو أنّ أولادي ذبحوا بأجمعهم أمامي، لما اُوذيت كما اُوذيت بشهادة اُستاذي".
وكتب بخطّه الشريف في مقدّمته للجزء الأوّل من الفتاوى الواضحة الذي علّق عليه: "والله يعلم كم يعصر قلبي حينما أراني اُعلّق على هذا الكتاب المبارك في حين أنّني لست إلاّ تلميذاً صغيراً وحقيراً لهذا الاُستاذ الكبير الذي عقمت الاُمّهات أن يلدن مثله".
ما ورد عن اُستاذه في حقّه :
إنّ للشهيد الصدر الأوّل (قدس سره) مواقف وكلمات تدلّ على عنايته الفائقة وأمله العريض بتلميذه الأوّل وحامل علمه الكبير سيدنا الحائريّ (دام ظله) .
وقد عبّر عن ذلك مراراً شفهاً وتحريراً إلى أن حال القدر بينهما...وبعد هجرته أخذت رسائله تترى، وتحمل ودّه ومحبّته وعطفه وتقديره.
وكان (قدس سره) يصدّر كلّ رسالة من رسائله بعبائر حافلة بالودّ والحنان اللذين قلّما يستطيع أب أن يفصح عنه لولده، فمثلاً كتب في صدر رسالة يقول:
"ولدي العزيز أبا جواد، لا عُدمتك ولا حُرمتك سنداً وعضداً." فبعدما يغمره بحنانه يشهد له بأنّه سند وعضد له.
وفي رسالة اُخرى يكتب له عن عواطفه وتقديره فيقول:
"عزيزي المعظّم أبا جواد، لا عُدمتك ولا حُرمتك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد تسلّمت بقلب يرتعش شوقاً وحنيناً، وينزف ألماً سطوركم الحبيبة، وقرأتها مراراً ومراراً."
عجيبة هذه المشاعر الجيّاشة، والأعجب منها حاملها، فقلّما يجتمع علم غزير كأنّ صاحبه في علمه عقل محض، بهكذا عواطف دونها عواطف الأب الرحيم، وما ذاك إلاّ دليل على أنّ الصدر العظيم (قدس سره) مليء حناناً بقدر ما هو مليء علماً.
وكتب (قدس سره) لتلميذه (دام ظله) يشهد له بمقامه العلميّ العظيم، ويندب حظّه لبعده عنه، فيقول:
"قد ربّيتك يا أباجواد من الناحية العلميّة، وكنت آمل أن أستعين بك في هذه المرحلة حينما تتراكم الاستفتاءات ووقتي محدّد، وفيه ما فيه من أشغال ومواجهات، وهموم، وآمال...".
فما أوفى الصدر العظيم (قدس سره) ، وما أخلصه، وما أرقّه وأرأفه، يربّي ويُنشئ ويُكبر.
ولا يجتمع ما ذكر إلاّ فيمن تذوّق طعم ذلك البرّ، والمتغذي على تلك المائدة، ألا وهو تلميذه وحامل أفكاره وعلمه والطالب بثأره سيدنا المبجّل (دام ظله) . ونسأل الله تعالى أن يحقّق أهداف اُستاذه العظيم على يديه.
إقرأ أيضا:هكذا هم علماؤنا ...آية الله الحائري...عالم فمجاهد فأبو شهيد!
المصدر:موقع مكتب المرجع الديني السيد كاظم الحسيني الحائري