مدفن الزهراء
هناك أحاديث للإمام الرضا(ع) تتصل بحياة أهل البيت(ع)، فلقد كان آنذاك، كما هو الآن، جدلٌ حول مدفن الزهراء(ع)، فهناك رواية ترى أنَّها(ع) دُفنت في (البقيع) بمدينة رسول الله(ص)، وهناك رواية تقول إنَّها دُفنت بجانب قبر رسول الله(ص).. وقد سُئِل الإمام الرضا(ع)عن هذه المسألة، كما في (عيون أخبار الرضا، للشيخ الصدوق).. فعن أحمد بن محمد بن أبي نصير البيزنطي، قال: "سألت أبا الحسن الرِّضا(ع) عن قبر فاطمة(ع)، قال: "دُفنت في بيتها، فلما زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد". وعلى هذا، فالإمام عليٌّ(ع) لم يخرجها من بيتها ليدفنها في البقيع أو في مكانٍ آخر، فهو حينما قال: أُخِّر دفنها هذه الليلة، إنَّما أراد دفنها ليلاً في بيتها، ليتمثّل بذلك الاحتجاج على القوم الذين ظلموها.. وهذا الرأي مما يتبنّاه الكثيرُ من علمائنا الأوّلين.
استرجاع فَدَك
وحول (فدك) التي أعطاها رسول الله(ص) للزهراء(ع)، سأل الحسن بن علي بن فضال الإمام الرِّضا(ع): لِمَ لمْ يسترجع أميرُ المؤمنين عليٌّ(ع) فَدَك لمّا وُلِي أمر الناس؟ فقال(ع): "إنَّا أهل بيت إذا ولاّنا الله عزَّ وجلّ لا يأخذ لنا حقوقنا ممن ظلمونا إلا هو ـ فالله سبحانه وتعالى هو الذي يحقّق الظروف التي نسترجع فيها حقّنا ـ ونحن أولياء المؤمنين، إنَّما نحكم لهم ونأخذ لهم حقوقهم ممن يظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا"(1). فالإمام هنا يقول له، إنَّه كان بإمكان الإمام عليّ(ع) أن يسترجع فدك، لكنه كان يرى أنَّ مسؤوليته هي أن يأخذ للناس حقوقهم من الناس، ولا يأخذ حقَّه ممن ظلمه.
ونظنّ أنَّ هذا أسلوبٌ خاصٌ في التعامل مع مسألة حقِّ أهل البيت(ع) المغتَصَب، فالإمام(ع) يرى أنَّ مهمة الأئمة(ع) هي أن يطالبوا بحقوق الناس لا بحقوقهم، فالله هو الذي يأخذ لهم حقَّهم، حتى لا يقول قائلٌ إنَّهم اتخذوا الحكم وسيلةً لتحقيق مطالبهم. والإمام أمير المؤمنين عليٌّ(ع) قد عبّر عن ذلك بقوله: "وما أصنع بفَدَك وغير فَدَك والنفس مظّانها في غدٍ جَدَث"(2).
إحياء أمر أهل البيت
وعن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى(ع) يقول: "رحم الله عبداً أحيا أمرنا ـ والكثير من الناس يستشهدون بهذه الكلمة في التعبير عن الولاء بالأساليب القلقة، ويتصوّرون أنَّ ذلك هو حقيقة إحياء الأمر، ولكنّ الإمام(ع) يفسّر إحياء أمر أهل البيت(ع) بشكل آخر، يكمل الراوي روايته فيقول: ـ فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال(ع): يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنَّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا"(3). فأمر أهل البيت(ع) هو الإسلام، والقرآن، وهو السُنَّة، وأن نقدّم أهل البيت(ع) إلى كلِّ جيلٍ من الأجيال من خلال المفاهيم التي أصّلوها، والعقائد التي أوضحوها، والأخلاق التي نهجوها، والعلوم التي نشروها، وأن نثقّف الناس بثقافة أهل البيت(ع) المتعدّدة الغنيّة. وهذا هو الذي يحيي أمرهم.. ولو أننا أجرينا استفتاءً شعبيّاً، فكم يا ترى في المائة ممن ينتمون لأهل البيت(ع) مَن يملكون ثقافة أهل البيت(ع)؟ كم منهم يعرف نهج البلاغة؟ وكم منهم يعرف الإمام الحسين(ع) في مواعظه وكلماته ومواقفه؟ فإحياء الأمر، هو إبقاء النهج والخطّ والرسالة، والأئمة(ع) ليس لديهم شيءٌ خاصٌّ سوى الإسلام، وأمير المؤمنين عليٌّ(ع) يقول: "فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلامَ وأهلَه أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فَوْت ولايتكم"(4).
فضائل أهل البيت(ع)
وفي تحديده لفضائل أهل البيت(ع)، يقول إبراهيم بن أبي محمود، وهو من الثقاة: "قلت للرِّضا(ع): إنَّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين(ع) وفضلكم أهل البيت وهي من مخالفيكم ـ أي أنَّ مصادرها ليست شيعيّة ـ ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها؟ ـ فهل نلتزم بها؟ ـ فقال: "يابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جدّه، أنَّ رسول الله(ص)، قال: مَن أصغى إلى ناطق فقد عبده ـ أي إذا استغرق في كلمات المتحدّث ـ فإن كان الناطق عن الله عزَّ وجلّ فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس". ثم قال(ع): "يابن أبي محمود: إنَّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها: الغلوّ ـ وهي أحاديث الذين يناصبوننا العداء، فأحاديث الغلوّ الموضوعة من قِبَلِهم تُخرجنا من إطار البشرية وتجعلنا قريبين من الربوبيّة، فهو ليس حديثنا ـ وثانيها: التقصير في أمرنا ـ وإنزالنا عن مراتبنا التي رتّبنا الله فيها ـ وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا ـ وهي أحاديثُ سبِّ الآخرين الذين نختلف معهم، ونحن لم نسبّ أحداً ولا أمرنا أحداً بالسبّ ـ فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ـ فيُقال لهم إنَّكم تغالون (ترفعون أئمتكم إلى مستوى الألوهيّة) ـ ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالبَ أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا ـ أي إذا ورد عنّا سبّ، فإنَّ الأعداء يتخذونه ذريعةً لسبّنا ولعننا ـ وقد قال الله عزَّ وجلّ: {وَلا تسبُّوا الذين يَدْعُون من دون الله فيسبُّوا الله عَدْوَاً بغير علم} [الأنعام:108] يابن أبي محمود، إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا ـ فإنَّ طريقتنا هي الصراط المستقيم، وهي المحجّة البيضاء، وهي الجادّة الوسطى ـ فإنَّه مَنْ لَزِمَنا لَزِمْناه، ومَن فارقنا فارقناه، إنَّ أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة نواة ـ أي أن يغيّر حقائق الأشياء ـ ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه، يابن أبي محمود، احفظْ ما حدّثتك به، فقد جمعت لك خيرَ الدنيا والآخرة".
الهوامش:
(1)عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:86.
(2)نهج البلاغة، الكتاب:45.
(3)عيون أخبار الرضا، ج:1، ص:307.
(4)نهج البلاغة، الكتاب:62.
المصدر: موقع بينات