معادلة الطائرات الورقية...ثلاثة أسئلة و ثلاثة إستنتاجات

الخميس 19 يوليو 2018 - 16:18 بتوقيت غرينتش
معادلة الطائرات الورقية...ثلاثة أسئلة و ثلاثة إستنتاجات

"بيّن الثالوث غير المقدس للجيش والسياسة والإعلام شيئًا ما بين البشاعة ومسرح العبث"، يقول الصحفي "الإسرائيلي" يوسي ميلمان...

الاضطراب هو سيد الموقف الذي يعيشه الكيان الصهيوني، ويستجدي الهدوء ويطلب العون من دول الجوار للتأثير على غزة، بفعل تأثيرات الطائرات الورقية وبالونات العودة، التي أتت على آلاف الدونمات في مستوطنات "غلاف غزة"، وفشل الاحتلال في وقفها وإحباطها حتى الآن.

"بيّن الثالوث غير المقدس للجيش والسياسة والإعلام شيئًا ما بين البشاعة ومسرح العبث"، يقول الصحفي "الإسرائيلي" يوسي ميلمان، حيث يتجلى مسرح الرعب الذي فرضته الطائرات الورقية وبالونات العودة.

قسم الترجمة والرصد في "المركز الفلسطيني للإعلام" وقف على بعض ما كتبه المحللون والكتاب الصهاينة حول التناقض الحاصل بين القيادة السياسية والأمنية للاحتلال في موضوع الحرب، وما وصف بـ"الرد الأمثل" على مطلقي البالونات.

التهديد التكتيكي

الجنرال جيورا آيلاند، الرئيس السابق لمعهد الأمن القوم الصهيوني، على صحيفة يديعوت كتب تحت عنوان "ثلاثة أسئلة موجهة للمستوى السياسي": "إن ارتفاع مستوى التصريحات التي أدلى بها كلا الطرفين حول وتيرة الأحداث في الجنوب؛ تُعطي تصورا وانطباعا حتميا عن عملية كبيرة يعد لها في غزة، وعلى وشك أن تحدث في غضون أيام، ومع تلك التناقضات التي حدثت بين الأطراف تم تسريب التقرير للإعلام" .

وأضاف آيلاند: إن "تصادم بينت وآيزنكوت حول إطلاق النار وقتل مطلقي البالونات الحارقة يعدّ قضية حساسة لا يمكن التغاضي عنها؛ لأنها تتعامل مع اختيار الرد على تهديد تكتيكي للغاية، لذا فإن الصورة الواضحة تستمد من الإجابات على ثلاثة أسئلة أكثر أهمية وهي: ما هي الرواية الحقيقية؟ ما هي مصالحنا من الرد؟ وما هي أهداف كل عملية؟".

ثلاثة أسئلة

وبحسب ما طرحه الجنرال آيلاند من أسئلة وإجابات عليها، قال: روايتنا الحقيقية وتوصيف الفكرة المرسومة والصورة المعتادة في الأذهان تقول "إن حماس منظمة إرهابية قد سيطرت واستولت على قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين وهي محتجزة مليوني شخص رهينة لطموحاتها"؛ لكنني أخالف هذا الرأي؛ لأن هذا هو الواقع، منذ 12 عاما أصبحت غزة ذات حكم مستقل تحت حكم حماس، وهي تمثل سكان غزة بشكل حقيقي حتى لو أن هذا الأمر يخالف الكثيرين، فهذا التوصيف الحقيقي ويجب التعامل مع هذا الأمر كما هو بمعزل عن رفض الكثيرين له، وليس بالضرورة أن نتعامل بالطريقة التي تمررها دعايتنا في التوصيف والتعبير عن تلك الواقع.

وأما السؤال الثاني -بحسب آيلاند- فإن "الأمر يقتضي أن تكون مصالحنا (الاحتلال) الوطنية ليست تابعة للأهواء والرغبات؛ بل الأمر حساس وخطير ومهم لدرجة أننا على استعداد لدفع ثمن ذلك، وفيما يتعلق بموضوع القطاع فلا يوجد لنا به مصالح إلا ما يتعلق بالمصالح الأمنية، لكن الكثيرين يقولون عكس ذلك تماما، ويجادلون في أنّ الإطاحة بحكم حماس في القطاع مصلحة إسرائيلية سياسية، لتصبح غزة والضفة كيانًا واحدًا مرة أخرى".

وأما السؤال الثالث المتعلق بأهداف أي عملية عسكرية؛ "فمن الخطأ -بحسب آيلاند- البدء بأي عملية عسكرية أو سياسية بدون أهداف محددة، بعد أن تناقش وتحدد خطوطها بشكل واضح وجليّ، وهذا متعلق بمهمة أي عملية والإجابة على السؤال الذي يُطرح عما يجب علينا فعله لتحقيق الأهداف المصوغة سابقا".

ثلاثة استنتاجات

وتساءل الجنرال عن موقف المستوى السياسي في الكيان، بقوله: لا يمكن للقيادة السياسية (في الكيان الصهيوني) أن تتجنب موضوع الأسئلة الثلاثة المطروحة؛ لأن الإجابة عليها يصب في جوهرها الاستراتيجي،  وهو ما يجب على الحكومة التعامل معه، وعليه فإن هذه الاستنتاجات التي توصلت إليها من خلال تحليلي لهذه القضايا قادتني لثلاثة استنتاجات:

أولا: حالة قطاع غزة في ظل حكم حماس هي شرط معقول يمكن لـ"إسرائيل" أن تتعايش معه.

ثانياً: إن تضارب المصالح بيننا وبين حكومة غزة ليس حاداً، وبالتالي يمكننا التوصل لتفاهم وترتيب معين يخدم كلا الجانبين، شريطة أن ندرك أن إعادة تأهيل غزة ستتم مع الحكومة هناك وليس خلفها.

ثالثًا: يجب أن تكون أهداف أي عملية ضد غزة متضمنة للوقف التام لإطلاق النار، وتبادل الأسرى والمساعدة في إعادة تأهيل قطاع غزة.

وختم الجنرال جيورا آيلاند بقوله: "بإمكان الحكومة أن تختار وتقرر مسارًا مختلفًا عما جاء في تحليلي وتصوري للحل، لكنه من الأفضل أن تفعل الحكومة في سياق مناقشة صحيحة، وليس فقط أثناء المواجهة والقتال حول بالونات وطائرات ورقية حارقة"، وفق تعبيره.

قيادة مضطربة

وعلى الصعيد ذاته، كتب المعلق العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل تحت عنوان "على الحكومة أن تُعلن حقيقة أن الطائرات الورقية ليست السبب في التوجه للتصعيد والحرب".

وفي بعض ما كتب: "لا يوجد مصدر أمني في إسرائيل يؤمن جازما بأن أوضاع القطاع الحالية تبرر عملية عسكرية، بعكس القيادة السياسية التي سيذهب بها غضبها غير الواعي لصدام غير ضروري، وهذا الوضع الحالي في الجنوب مقلق ومحبط في الوقت نفسه لدى المستويات كافة في إسرائيل؛ لأن القيادة السياسية باتت مضطربة، وفقدت صبرها".

وأضاف هرئيل: إن "القيادة السياسية قلقة وخائفة من الخروج لإخبار الجمهور "الإسرائيلي" بحقيقة أن البالونات الحارقة والطائرات الورقية شكلت هاجسا أمنيا دائما لمجتمعات غلاف غزة، ما يشكل تهديدا دائما ويجب التعامل معه بجدية وتصميم، ومع ذلك فإن هذا التهديد الدائم لم يكن بسبب الضرر المباشر لأي مواطن إسرائيلي، لذا فمن المفترض أن لا يجرنا للحرب".

وبحسب ما قال عاموس هرئيل؛ فإن قيادة الاحتلال "واقعة في شباك خلافاتها وإعلاناتها المتنازعة ولا تحاول أن تغير من نظرتها ونهجها، كي تتفادى حربا غير ضرورية مع حماس، وتدفع "إسرائيل" زوبعة من الظروف في زاوية حرب غير ضرورية؛ ويُجيّش الإعلام من الأحزاب اليمينية المتحالفة من الليكود والبيت اليهودي وإسرائيل بيتنا، وكأننا أمام التفجيرات الانتحارية (الاستشهادية) في الحافلات".

وختم هرئيل: "إلا أن ثمن الحرب الحقيقية التي مر بها مستوطنو غلاف غزة في السابق، القصف العنيف والخسائر المدنية وإخلاء المستوطنات المؤقت، وسقوط عشرات الجنود، هذه هي الصورة المخيفة والموحشة، مع أن رؤية الحقول المحترقة والغابات محبطة ومخيفة كذلك، لكن الضرر حتى الآن ليس المسّ بالمواطنين".

مسرح عبث

ويرى الصحفي يوسي ميلمان في مقال له على يديعوت، أن حماس تدير معركة ذكية ومؤسسية، عادًّا أن قيادة الاحتلال "لا تقدم سوى تكتيك دفاعي لاستعادة الهدوء، ولكن إذا استمرت الحقول في الاحتراق".

ولم يستبعد الذهاب لعدوان جديد ضد غزة "لأن الثالوث غير المقدس للجيش والسياسة والإعلام شيء ما بين البشاعة ومسرح العبث"، وفق قوله.

وبحسب ميلمان؛ ففي وحدات الحرب النفسية في قسم الاستخبارات "أمان" والوعي في قسم العمليات "إيمتس"، يستغل التوقيت، بالإضافة إلى تحركات إضافية مثل نشر القبة الحديدية في منطقة "دان" (وسط فلسطين المحتلة) لنقل رسالة مفادها أن "إسرائيل" مستعدة وجاهزة للحرب، والتي ستشمل توغلًا بريًّا في غزة.

  المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام