عن أهميّة الصلاة بقلبٍ حاضرٍ، وتسليم القلب بكلّ قواه لإرادة الحقّ، يوضح الإمام الخمينيّ بيان ذلك مستشهداً بأحاديث عن الأئمّة عليهم السلام، ووصاياه لتعرف كيف تُقبل بقلبك بين يدي الله.
أحاديث الترغيب في حضور القلب
من أحاديث أهل بيت العصمة والطهارة عليها السلام في الترغيب في حضور القلب نكتفي بذكر بعضها:
عن الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم: "اعبُدِ الله كأنّك تراه، وإنْ لم تكن تراه فإنّه يراك"(1). تُستفاد من هذا الحديث مرتبتان من مراتب حضور القلب:
المرتبة الأولى: إنّ السالك يكون مشاهداً جمال الجميل في تجلّيات حضرة المحبوب على نحو تكون جميع مسامع قلبه مسدودة عن سائر الموجودات، وتكون بصيرته مفتوحة لجمال ذي الجلال الطاهر، ولا يشاهد غيره. وبالجملة يكون مشغولاً بالحاضر وغافلاً عن المحضر والحضور.
المرتبة الثانية: التي هي دون تلك المرتبة، وهي أنْ يرى السالك نفسه حاضراً في محضره، ويلاحظ أدب الحضور والمحضر. فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كأنّه يقول إنْ كنت تستطيع أنْ تكون من أهل المقام الأوّل وتأتي بعبادة الله على ذلك النحو فافعل، وإلّا فلا تغفل عن أنّك في المحضر الربوبيّ.
الغفلة بُعدٌ عن مقام العبودية
ولمحضر الحقّ تعالى أدب تكون الغفلة عنه لا محالة بعداً عن مقام العبوديّة. وإلى هذا أشير في الحديث الذي رواه أبو حمزة الثمالي، قال: "رأيت علي بن الحسين عليه السلام يصلّي، فسقط رداؤه عن منكبه، فلم يسوّه حتّى فرغ من صلاته، قال: فسألته عن ذلك، فقال: ويحك أتدري بين يديْ مَن كنت؟"(2).
وفي حديث أيضاً عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الرجلين من أمّتي يقومان إلى الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد، وأنّ ما بين صلاتهما ما بين السماء والأرض". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلّى ركعتين لم يحدّث فيهما نفسه بشيء من الدنيا، غفر الله له ذنوبه"، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر، وإنّ منها لما تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها"(3).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلّا وجبت له الجنّة، فإذا صلّيت فأقبل بقلبك إلى الله عزّ وجلّ، فإنّه ليس من عبد يُقبل بقلبه على الله عزّ وجلّ في صلاته ودعائه إلّا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين وأيّده مع مودّتهم إيّاه بالجنة"(4).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يا أبا ذرّ، ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ (لاهٍ)"(5). والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهذا المقدار كافٍ لأرباب القلوب اليقظة وأصحاب الاعتبار.
في طريق تحصيل حضور القلب
إذا عرفت الآن فضيلة حضور القلب وخواصّه عقلاً ونقلاً، وفهمت الأضرار الكبيرة في تركه، فهذا يجعل الحجّة عليك أتمّ. فشمّر عن ذيل الهمّة، وكن في صدد تحصيل ما علمته، وأخرج علمك إلى مرحلة العمل كي تستفيد منه وتربح، وتفكّر قليلاً في أنّ قبول الصلاة شرط لقبول سائر الأعمال، بحسب أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام، الذين هم معادن الوحي، وإنّ أقوالهم وعلومهم من الوحي الإلهي والكشف المحمّدي، وإنّ الصلاة إذا لم تكن مقبولة فلا يُنظر إلى سائر الأعمال أساساً، وهي ساقطة عن درجة الاعتبار، ولا تليق بمحضر الحقّ تعالى.
زمام الأمر بيدك
فزمام الأمر بيدك، ولله الحجّة البالغة، قد هدى سبيل السعادة والشقاوة، وأعطى التوفيقات الظاهريّة والباطنيّة؛ فما منه تعالى ومن أوليائه فقد تمّ. فانتبه أنت أيضاً من نومك، واطْوِ طريق السعادة، واستفد من عمرك وقوّتك، فإنْ كنت الآن في عهدِ الشباب فلا تؤخّر أمرك إلى الشيب، فإنّ للشيب مصائب لا يعلمها إلّا الشيب، وأنت في غفلة عنها، وإنْ كنت شايباً فلا تدع بقيّة العمر تفوت منك، فإنّك ما دمت في هذا العالم فلك طريق إلى السعادة، ولك منها باب مفتوح، فلا سمح الله إذا أغلق هذا الباب، خرج زمام الاختيار من يدك، ولا يبقى لك نصيب سوى الحسرة والندامة والأسف على ما مضى من أمرك.
فأنت -أيها العزيز- إن كنت تؤمن بما ذُكر، وهيّأت نفسك لتحصيل السعادة وسفر الآخرة، وعلمت بلزوم حضور القلب، الذي هو مفتاح كنز السعادة، فطريق تحصيله أن ترفع أولاً موانع حضور القلب، وتنحّي الأشواك عن طريق السلوك بجذورها، وبعد رفع الموانع تُقدم على تحصيل حضور القلب. وفي العدد القادم تتمةٌ مع تلك الموانع.
الهوامش:
1- الوافي، الفيض الكاشانيّ، ج11، ص370.
2- علل الشرائع، الصدوق، ج1، ص232.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج81، ص260.
4- من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج1، ص209.
5- مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص465.
المصدر: كتاب الآداب المعنوية للصلاة، الفصلان (التاسع والعاشر).
إقرأ أيضا: مع روح الله...كيف تكون صلاتنا خالصة من الشيطان؟