قلت في القسم الاول من المقال ان استراتيجية تجريد بلدان النفط والمحميات الاستعمارية من قوتها ينبغي ان لا تكون موسمية ومحدودة بفترة تصاعد الهستيريا السعودية والخليجية، بل دائمية ومستمرة حتى تحقق اهدافها... بل لابد من استراتيجية دبلوماسية واقتصادية تحاصر هذا المرض النجدي الخبيث للقضاء عليه ورفض كل انصاف الحلول معه تحت اي عنوان واية مبررات.
وقلت اننا تاخرنا كثيرا في ذلك.. وكان من الضروري اتخاذ هذه السياسة بعد غزو العراق للكويت عام 1990 وعدم غفران ما قامت به الانظمة الخليجية طوال فترة الحرب المفروضة على ايران... ففي تلك الفترة كانت المنظومة الخليجية في اضعف حالاتها والسعودية تستجدي البلدان الاخرى للوقوف معها ضد صدام.
اعود الى امكانية قطع النفط ومنع تصديره من قبل الجميع؟
لكن قبل ذلك اضع بعض الحقائق امام القاريء العزيز:
- تمتد السواحل الايرانية على الخليج الفارسي الى 1800 كيلو متر مع احتساب سواحل الجزر وبدونها 1400 كيلو متر.
- تمتلك ايران 30 جزيرة في الخليج الفارسي اشهرها طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى وقشم (اكبر جزيرة ) وهرمز ولارك وكيش وسيري وخارك ولاوان.
- طول مضيق هرمز 180 كم يمتد من شمال بحر عمان الى جنوب الخليج الفارسي.
- المسافة بين ضفتي مضيق هرمز في اقرب نقاطها (بين جزيرة لارك وخصب) لا يتجاوز 56 كم، واقل منها بين جزيرة هنگام وخصب.
- بعض الجزر الايرانية تقع في مدخل الخليج الفارسي وتسيطر على هذا الممر المائي.. وهي: لارك وابو موسى والطنبين وقشم وهنگام وهرمز.
- مسير الناقلات النفطية والتجارية الكبيرة في الخليج الفارسي يكون قرب المياه الاقليمية الايرانية، بسبب عمقها وضحالة المياه في الضفة الاخرى.. لكن في عنق المضيق تكون المياه اعمق عند راس مسندم.
- ما يقرب 25% من نفط العالم (16.5 ـ 18 مليون برميل يوميا حسب احصائيات 2006) يمر من مضيق هرمز و90% من نفط البلدان المتشاطئة و50% من سلعها التجارية
- جميع المواقع النفطية والغازية والقواعد العسكرية المحلية والاجنبية ومحطات تحلية المياه وانتاج الطاقة الكهربائية، والعواصم والمدن (باستثناء مسقط والرياض) تقع ضمن نطاق الصواريخ الايرانية التي لا يزيد مداها عن 500 كم والمعروفة بقدرتها التدميرية الكبيرة وحجم رؤوسها الحربية ودقة اصاباتها.
- تعتبر القوة البحرية الايرانية (بشقيها: الجيش والحرس الثوري) هي الاقوى والاكثر عدّة وعتاداً في الخليج الفارسي.. فالحرس الثوري وحده يمتلك 1000 قارب سريع مجهزة بانواع الاسلحة والاعتدة حسب المهمة الموكلة اليها ناهيك عن الفرقاطات والمدمرات والمنصات الصاروخية والحوامات والطائرات المسيرة والغواصات واجهزة الحرب الالكترونية و...الخ.
نعم من الناحية النظرية يمكن لايران ان تقوم بذلك، ولن يكون الصدام المسلح في هرمز والخليج الفارسي نزهة لجميع الاطراف التي ستدخل فيه وهو ما يخافه الاميركان والصهاينة وحتى البلدان الخليجية التي ستكون أول ضحاياه.. اجل يخافون من الحرب لانهم لو لم يكونوا يخافون منها لاشعلوها منذ زمن بعيد... وعلى ايران ان لا تسمح لهم بتطبيق اية صيغة لضبط تصدير نفطها، اي كان الوسيط والمتعهد.. فهؤلاء لا يفهمون سوى منطق القوة والارقام.
ان الحرب قد تدمر الكثير مما بنته ايران بعرق ابناءها ومحبيها في بلدان المقاومة، في ظل حصار غربي خانق والمشاركين فيه من الرجعيين العربان، لكنها ـ اي الحرب ـ بالتاكيد ستدمر حتى النهاية الكيان الغاصب للقدس والمشيخات الخليجية برمتها وستاتي على كل ما بنوه واقاموه على اكتاف ابناء الشعوب وبجهد غيرهم.. ولن تقوم لهم قائمة بعد ذلك.
ان الذي يهدد الرياض وبالتحديد قصور طغمتها الحاكمة بـ 1000 صاروخ لابد انه استعد للقواعد الاميركية وحقول النفط ومحطات الضخ ومحطات تحلية المياه... وفي المقابل الذي عجز باتريوته عن صد الصواريخ اليمنية وفشلت قبته الحديدية في مقابل صواريخ القسام ومدرعاته وتحصيناته من صد هجمات ابطال اليمن الذين لا يملكون الا الاسلحة الخفيفة والمتوسطة.. سيكون اعجز بكثير امام عشرات الالاف من الصواريخ بشتى انواعها والانزال الجوي واختراق الموانيء والمراكو الاقتصادية.
ان الجمهورية الاسلامية ليست لقمة سائغة لانظمة لا تستمر اكثر من اسبوع اذا توقف عنها الدعم الامريكي.. كما صرح ترامب بعظمة لسانه، وهذا الامر يعرفه العدو قبل الصديق.
الايرانيون مستعدون لاسوء السيناريوهات، وعقولهم لا تغيب عنها حقيقة موقفهم ووضع اعدائهم الذين بدأوا يتخبطون بعد هزيمتهم في الحديدة التي جعلت الاماراتيين يعلنون وقف عدوانهم بشكل مؤقت متجاوزين بذلك حليفهم السعودي وفزاعة "الشرعية" المسكين منصور هادي (ونحن ادرى لماذا اوقفوه وما هي الرسالة التي وصلتهم وماذا سيواجهون في المرة القادمة) وفي الجنوب السوري، حيث يقترب الابطال والمقاومون من حدود الجولان السوري المحتل...؟
هناك تصوران للحرب ان وقعت وان كانت الى الآن بعيدة.. وأؤكد الى الآن:
- ان تكون محدودة بضربات على بعض المواقع بهدف خلق اضطرابات في الداخل.
- ان تكون شاملة وعنيفة وتدميرية.. وهنا لابد ان نتيقن ان الغرب والصهاينة ليسوا مستعدين لها.. بل هم غير مستعدين لكلا الامرين.
والسبب هو ان ايران ومحور المقاومة يعتبر حتى الحالة الاولى حربا شاملة، بل لابد ان يحولها الى ذلك وان لا يقبل بقضم اطرافه بالتدريج.
لابد ان يعلم الاميركي ومن معه من العربان ان الحرب الاقتصادية جزء من الحرب ولا تنفك عنها، وانه كما قال الرئيس حسن روحاني اما ان يصدر النفط الجميع او لا يصدرون، وهذا عين الصواب.
ان الهدف الاميركي يقوم على خلخلة الوضع الاقتصادي الايراني مع قدوم نوفمبر من هذا العام، على امل ان تؤدي الاضطرابات الداخلية الى انهيار النظام، وهذا حلم سيأخذه ترامب وبولتون ونتنياهو وعربانهم الى القبر.. أما الترياق الأمضى في مواجهة ذلك، فهو ان تنهار بعض الاقتصاديات الخليجية قبل نوفمبر القادم.. وهناك مشيختان مرشحتان لذلك هما البحرين ودبي، وانهيار دبي يعني نهاية النموذج الخليجي، والكلام لبعض التقارير الاميركية ـ ولا يمكن معرفة مدى صحتها ـ ان دبي ستتحول خلال ثلاثة اشهر الى مدينة اشباح.. رغم انه ممكن مع بعض الصواريخ اليمنية!
كما ان سياسة التازيم حتى نوفمبر، قد تنفع في رفع اسعار النفط وتكبيد الاقتصاد الغربي بعض الخسائر، لان القوم لا يفهمون الا لغة الارقام.
ان التوزيع الجغرافي لقوى المقاومة في المنطقة والتي تعتبر ايران ام القرى بالنسبة لها ووفق نظرية الدفاع الفعال التي طرحها المفكر الايراني الدكتور محمد جواد لاريجاني في تسعينيات القرن الماضي.. تجعل من الصعب احتواءها والرد عليها من قبل الولايات المتحدة، كما ان تقارب ميادين القتال والالتحام ستجعل العدو غير قادر على استخدام قنابله النووية حتى التكتيكية في بعض المواقع... وسيكون الهدف هو ايقاع اكبر عدد من الخسائر في الارواح وتدمير البنى التحتية العسكرية والاقتصادية.. اما التهديد بالقنابل النووية فهو فارغ لان في الطرف المقابل ما يقاربه تدميريا!
ان اهم خطوة في مواجهة الحرب هي ادارة الملف الاقتصادي الداخلي بشكل جيد.. واعتقد ان هناك خطوات مهمة في هذا الاتجاه.
بقلم: علاء الرضائي