نعم ... هذا هو السيد القائد!

الخميس 5 يوليو 2018 - 17:41 بتوقيت غرينتش
نعم ... هذا هو السيد القائد!

إنّنا بين يديْ إمام عظيم في القيادة والولاية، وإمام عظيم في التقوى والزهادة، وإمام عظيم في الفقه والاجتهاد، وإمام عظيم في الفكر والتأصيل والتجديد...

السيد ربيع أبو الحسن

"بعد المتابعة لسيرته الشخصيّة والعلميّة والفكريّة والجهاديّة والسياسيّة، نستطيع القول بكلّ صدق وأمانة إنّنا بين يديْ إمام عظيم في القيادة والولاية، وإمام عظيم في التقوى والزهادة، وإمام عظيم في الفقه والاجتهاد، وإمام عظيم في الفكر والتأصيل والتجديد.." هكذا يتحدث سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله (حفظه الله) عن الإمام الخامنئي دام ظله في بضع كلمات نفتتح بها مقالنا هذا لنجعل قرّاءنا الأعزاء في محضر الوليّ.

 طالب علوم دينيّة.. هكذا أنا

صحيح أنّ الإمام الخامنئي دام ظله قد تولّى العديد من المناصب في الجمهوريّة الإسلاميّة، ولكنّه لا يعتبر نفسه سوى واحدٍ من طلبة العلوم الدينية، ففي لقائه جمعاً من فضلاء وطلّاب حوزة مشهد، عندما كان رئيساً للجمهورية، قال: "إنّي رئيس جمهورية، لكنّي والله العليّ، والله العظيم، أعتبر نفسي واحداً من طلبة العلوم الدينية، لا أعدّ نفسي أعلى مقاماً منهم ولو بمقدار ذرّة، ولست كذلك واقعاً. لقد أُلقي إليّ هذا الحمل، وإنّي أبذل وسعي لأن أوصله إلى مقصده، وأرسله إلى شخص آخر. متى طلبت منكم أن تضعوني على رأس هذا المنصب؟! قد شاء الله المتعال ذلك، وألقى على كاهلي هذه المسؤولية"(1).

هذا الكلام النابع من صميم قلبه الطيّب قد شهدته الناس عملياً في "كرمان"، حين اجتاح السيل مدينة "إيرانشهر"، وتهدّم الكثير من المنازل، فانطلق عدد من الفعاليّات لمساعدة المنكوبين هناك، وحين وصلوا، سألوا عن المسؤول عن أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات، فقيل لهم: "ذلك السيد". وعند اقترابهم رأوا الإمام الخامنئي دام ظله مشمّراً عن ساقيه، يحمل كيس طحين على ظهره محاولاً نقله إلى المنكوبين(2).

 مال الدولة للدولة

أثناء توليه رئاسة الجمهورية، كان الإمام القائد دام ظله كثير السفر. وفي هذه الأسفار كانت تُقدّم إليه هدايا كثيرة، حتى أنه في سفره إلى يوغسلافيا، تمّ تسليمه مفتاح البلد الذهبي، ولكنّه لم يكن يحتفظ بأي هدية لنفسه، بل أمر بأن توضع الهدايا في المتحف الوطنيّ، لأنه يعتبرها ملكاً للبلاد(3).

وكذلك، في تلك الفترة قام سماحة الإمام القائد دام ظله بإرسال شيك إلى رئيس الوزراء آنذاك- المهندس مير حسين موسوي- قيمته خمسون ألف تومان ويوضح فيه: "هذا هو الحدّ الأقصى الذي يمكن أن يكون قد صرف من بيت المال في نفقاتي الشخصية، وهو أقلّ من ذلك، لكن أودعوا أنتم هذا المبلغ في حساب خزينة الحكومة؛ حتى لا أكون مديناً لبيت المال"(4).

ولبيت المال قصّة أخرى يحكيها سماحة آية الله جوادي آملي، إذ حلّ ضيفًا على الإمام الخامنئي دام ظله، وكان حاضراً عنده ابنه السيد مصطفى وأُحضر طعام الغداء، حينها طلب الإمام القائد منه أن يذهب إلى المنزل لتناول الطعام هناك، ولكنّ ضيفه الكريم طلب من القائد أن يُبقي السيد مصطفى فأجاب: "هذا الطعام من بيت المال، وأنت ضيف بيت المال، ولا يحقّ لأولادي أن يجلسوا إلى هذه المائدة، فليذهب ويتناول الطعام في البيت". يقول آية الله جوادي آملي: "عندها أدركت لماذا وهب الله كلّ هذه العزّة لهذا الشخص المقدّس".

 ما كانوا يُعرفون إلّا بالتواضع

ورد عن إمامنا الباقر عليه السلام أنّه قال: "مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ إِلَّا بِالتَّوَاضُع.."(5). لقد جسّد إمامنا القائد دام ظله مصداقًا من مصاديق كلام الإمام الباقر عليه السلام، حيث إنّه وأثناء زيارته إلى قم المقدسة، وبعد لقائه بالعلماء والأساتذة، دعا السيد محمدي الكلبايكاني الحاضرين لتناول الطعام في الحديقة الخارجية، وأكّد على الجميع الخروج من الباب الخلفيّ. وقف الجميع ينتظرون سماحته للمرور أولاً، لكنّه لم يقبل رغم الإصرار الشديد، واقترح أن يخرج الموجودون واحداً تلو الآخر، من الأقرب للباب حتى الأبعد، وبالفعل اصطفّ الموجودون وخرجوا واحداً تلو الآخر(6).

وحين كانوا يوماً يبدّلون الضريح الخارجيّ لمرقد الإمام الرضا عليه السلام كان الإمام القائد دام ظله في زيارة للحرم المطهّر، فاستطاع أن يجلس قرب القبر مباشرة، وبعد الدعاء والصلاة، تقدّم السيد واعظ الطبسي منه، طالباً منه أن يحضر أولاده وعائلته ليزوروا عن قرب، فأجاب: "وبقية الناس، هل يستطيعون أن يزوروا عن قرب؟! إذا أتيح للجميع الزيارة عن قرب، فليأتِ أولادي معهم".

في ذلك اليوم، سُمح لجميع الزائرين بالدخول إلى قرب القبر والزيارة، وكانت مفاجأة الزوار وفرحتهم لا توصف بهذا التوفيق غير المنتظر(7).

ويذكر حجّة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني رحمه الله أيضًا أنّه قامت شابّة من طهران بإرسال رسالة إلى الإمام القائد دام ظله وقد ذكرت فيها: "في يوم القدس، وأثناء إلقائكم للخطبة وقف رجل من بين المصلّين، وكأنّه كان يحمل رسالة إليكم، ولكنّكم وأمام أنظار الجميع لم تعيروه اهتماماً وقد كسرتم خاطره..".

فسارع الإمام القائد إلى الردّ على هذه الرسالة، حتّى يوضّح للشابة ما الذي حصل يومها ويزيل الشبهة عنها، فكتب إليها قائلاً:"ابنتي العزيزة، أشكرك على لفت نظري إلى هذا الأمر، وأرجو من الله أن يغفر لنا ذنوبنا الصغيرة منها والكبيرة، وأمّا بالنسبة إلى ما ذكرته، ليس عندي ما أدافع به عن نفسي، ففي بعض الأحيان، لا يلتفت الخطيب -وبسبب قساوة قلبه- إلى قيمة وقدر المستمع، لذا علينا أن ندعو الله تعالى أن يسدّد الخطيب دوماً وأن يصلحه، وأسأل الله تعالى أن يوفقك دائماً"(8).

 قبوله التكليف

يذكر الدكتور حداد عادل(9) أنّه وبعد شهرين من تصدّي آية الله الخامنئي دام ظله لولاية أمر المسلمين، ذهب للقائه، وسأله: "كيف تمّ انتخابكم لهذا المنصب؟" فأجاب موضّحاً: "بعد رحيل الإمام الخميني قدس سره، اجتمع مجلس الخبراء لتعيين خليفة للإمام، واستخلصت من الجلسة الأولى التي دامت من الصباح حتّى الظهر أنهم سيختارونني لتولّي هذا الأمر. فعدت إلى البيت، صلّيت ركعتين، وصرت أدعو الله وأستغيثه، كما لم أدعه من قبل، كي يعفيني من هذا الأمر. وفي عصر ذلك اليوم، لم يستجب مجلس الخبراء لطلبي. ومع أنني لم أسعَ يوماً إلى هذه المسؤولية، إلا أنني حينما كُلّفت بها من الناحية الشرعية والقانونية، قرّرت بكلّ وجودي أن أتفرّغ لها ولا أقصر بها مهما كان".

 الشهادة الأمنية الكبرى

و كمسك الختام نذكر ما قاله في كلمة له في حادثة مسجد جامعة طهران:

كلمتنا الأخيرة، نتوجّه بها إلى إمامنا ومقتدانا وليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف: "يا سيدنا ومولانا، اشهد لنا عند ربك، أننا وقفنا وقاومنا حتى النهاية، وأن أمنيتي الكبرى هي أن أقدم روحي في هذا الطريق الأغرّ والمفعم بالبركة والبهجة".

الهوامش:

1-تاريخ الخطاب: 11/6/1364 هـ.ش.

2-حجة الإسلام والمسلمين عباس ﭘورمحمدي - قم.

3-حجة الإسلام والمسلمين علي أبو ترابي، عضو الهيئة العلمية في مؤسسة الإمام الخميني قدس سره التعليمية التربوية (قم).

4-المهندس حميد ميرزاده - طهران.

5-الصدوق، صفات الشيعة، ص11.

6-حجة الإسلام والمسلمين محسن غرويان.

7-حجّة الإسلام محمد علي حقّاني.

8-المهندس مقدّم.

9-رئيس مجلس الشورى الإسلامي السابق ونائب حالي عن مدينة طهران.

المصدر: مجلة بقية الله