محمد عبد الله فضل الله
هناك ألفاظ وردت في القرآن الكريم، قد يتصوّرها النّاس على خلاف وجهها ومعناها المقصود. ومن ذلك، ما ذكره تعالى في كتابه العزيز عن عرشه، كما ورد ذلك في سورة الحاقّة: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقّة: 17]. والسؤال: هل لله تعالى عرش يجلس عليه، كما يجلس السلاطين والملوك والأمراء، والمقطوع به، أن الله تعالى لا يتحيّز في مكان أو جهة؟
ولقد تناول المفسّرون معنى العرش في أقوالهم. فلنتعرّف إلى ما قالوه عن المسألة:
العلّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، يقول بأن معنى العرش كنائيّ، يدلّ على السيطرة والقوّة والملك، وكلها معان في غيب الله لا يعلمها على حقيقتها الواقعيّة سوى الله تعالى:
"{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} من الملائكة أو غيرهم، وإن كان المتبادر أنهم منهم. وقد تقدّم الحديث عن العرش في ما قدّمناه من تفسير الآيات المتعلقة به، وهو غيبٌ من غيب الله الّذي قد يكون المنطقة العالية من السماء، في ما تمثّله من مظهر العلوّ والقدرة والسيطرة، ما يجعل نسبته إلى الله على سبيل الكناية للتّعبير عن ذلك، والله العالم". [تفسير من وحي القرآن، ج 23، ص 73].
العلامة الشيخ محمد جواد مغنية(رض)، يقول بأنّ المراد من العرش السيطرة والملك:
"وعندما تأملنا في معنى هذه الآية، أوحى لنا السياق بأن المراد من العرش الملك والاستيلاء، كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند تفسير الآية 54 من سورة الأعراف، وأن المراد بحملة العرش الكائنات المخلوقة والمملوكة لله. ويشعر بذلك، ما جاء في إحدى خطب نهج البلاغة: "ولولا إقرار السماوات لله بالربوبية، وإذعانهنّ بالطواعية، لما جعلهنّ موضعاً لعرشه"، أي لولا تصرفه تعالى بالسماوات كيف يشاء، لما كانت ملكاً له، فالتصرف المطلق دليل الملك، كما أنّ الملك يستدعي هذا التصرّف.
وعليه، يكون قوله تعالى: {ويَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ}... إلخ، أشبه بالجواب عن سؤال من يسأل: إذا زالت السماوات والأرض، فإن معنى هذا أن ملك الله قد زال، ولم يبق من شيء يسيطر عليه؟
فأجاب سبحانه : كلّا.. إن هناك مخلوقاً آخر غير السماوات والأرض، وهو عبارة عن ثمانية أكوان، وهي في أمان وسلام من أيّ خلل، يتصرف بها سبحانه كيف يشاء بعد تدمير الأرض والسّماء.. نقول هذا كفكرة استوحيناها من كلمة "يحمل"، وهذه الفكرة - كما ترى - ممكنة في ذاتها، ولكن مثلها لا يثبت إلا بالنص الصريح الذي يفيد القطع والجزم..." [تفسير الكاشف، ج 7].
لقد وقع البعض من خلال هذه المفردات في شبهة التجسيم، وتصوّروها بأوهاومهم، ووقعوا في المحذور، وتكلموا عن اتساع العرش وعرضه، وأنه يعلو الماء، وبينه وبين الدّنيا مسافة معيّنة، بما لا يستسيغه العقل، ولا يقرّه الوجدان والمنطق.
على الإنسان أن يرجع إلى الثقاة من العلماء الذين فسّروا هذه المفردات، وحملوها على ما يجنب الوقوع في الشبهات التي تزعزع العقيدة، وتفسح في المجال أمام الخيال أن يتحرّك بما لا طائل منه سوى الاستغراق في أمور غيبية، أمرنا تعالى أن لا نستغرق فيها. ولا ننس أن العربية كلغة، فيها الكثير من الأساليب البلاغية والبيانية التي لا بدّ من التنبه إليها، والتي يعلمها أهل اللّغة والبلاغة.
المهم أن نؤمن بقوة الله وسيطرته المطلقة وملكه لكلّ ما خلق، وأن نتمثّل هذه القوة والقدرة والسيطرة مزيداً من الخشوع لله والخشية منه، بما يؤكّد حسن إيماننا وإخلاصنا لربّ العالمين.
المصدر: موقع بينات