وهو ما يمثل تحولا جذريا في النظرة الغربية لسوريا والقيادة في دمشق، ولطالما خرج ماكرون بتصريحات متزنة تجاه الرئيس السوري بشار الاسد، وحتى بعد العدوان الثلاثي على دمشق خرج ماكرون بعدها بايام ليؤكد ان باريس لم تعلن الحرب على الرئيس الاسد وانها ترغب في التوصل الى حل سياسي شامل مع جميع الجهات الفاعلة، ولم يستثن احدا على عكس نظرائه الغربيين.
لنقف قليلا مع الدبلوماسي الفرنسي المخضرم فرنسوا سينيمو، فهو على علم بادق التفاصيل في الشرق الاوسط وخصوصا في سوريا، لانه ترأس فترة مهمة للاستخبارات الخارجية، وهذا الجهاز كان عمله مركزا بشكل واضح على منطقتنا وكان له علاقات وثيقة مع الاجهزة الامنية السورية، ويتمتع بعلاقات جيدة مع شخصيات مهمة في دمشق، ما يؤهله للعب دور ايجابي في عودة الثقة بين فرنسا وسوريا وربما في وقت لاحق تعود العلاقات الدبلوماسية التي لم تقطع ولكن باريس اغلقت سفارتها في دمشق في عام الفين واثني عشر لكنها لم تعلن رسميا قطع العلاقات مع سوريا. سينيمو هو حتى الان سفير باريس في اقرب حليف لدمشق وهو ايران، وهو ما يجعله حلقة وصل مهمة بين العواصم الثلاث.
القرار الفرنسي المفاجئ كان قد حضر له منذ اول حدث ارهابي وقع في فرنسا قبل نحو 4 اعوام، حيث تسعى باريس لاحباط الهجمات الارهابية بالتعاون المخابراتي مع سوريا، الا ان دمشق رفضت اي تعاون بهذا المجال دون عودة العلاقات الدبلوماسية، وهو ما دفع فرنسا في مرحلة ما الى التعويل على “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة اميركيا للحصول على معلومات استخباراتية تفيد باريس، لكن محاولتهم فشلت.
هذا القرار جاء بعد نحو شهر واحد فقط من “ضياع” ضباط فرنسيين في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة شرقي سوريا، والقصة في الاعلام كانت ان مجموعة من الضباط الفرنسيين قد ضلوا طريقهم في مدينة القامشلي ووجدوا نفسهم امام حاجز للجيش السوري، وهذا الحديث كان في الاعلام فقط، لانه كيف لمجموعة من الضبابط مزودين باحدث اجهزة الخرائط اضافة لوجود اشخاص سوريين معهم ان يضلوا طريقهم ويجدوا نفسهم في مطار القامشلي العسكري؟ ولماذا افرج عنهم الجيش السوري بعد ان قبض عليهم؟ اذا وجودهم لنحو ساعتين في تلك المنطقة لم يكن لانهم ضلوا الطريق فقط، اضافة الى انه يوجد بعثات برلمانية دورية تأتي لسوريا وبينها نواب فرنسيون وقابلوا الرئيس الاسد وبحثوا معه عودة العلاقات.
لن نكون متفائلين جدا ولكن تصريحات ماكرون منذ توليه الرئاسة قبل عام تؤكد نظرته الايجابية نحو دمشق وانه لا يرى بديلا شرعيا للرئيس الاسد وان باريس لا تعتبره عدوا لها، على عكس من سبقه من الرؤوساء فرنسوا هولاند، ونيكولا ساركوزي. الا اننا لا نستطيع ان نضع القرار الفرنسي بمعزل عن الغرب والولايات المتحدة، وربما تكون باريس هي ترمومتر العلاقات بين دمشق والغرب، وقد تكون هي اول من يكسر الجليد بالعلاقة مع الدولة السورية، خصوصا في مرحلة اعادة الاعمار في وقت تعيش فيه القارة العجوز ازمة مالية حقيقية ادت لتفكك الاتحاد الاوروبي ولو جزئيا في الوقت الحالي فقط، اضافة الى ازمة الهجرة التي بدأت تشكل معضلة حقيقية لاوروبا.
نحن الان استعرضنا وجهة النظر والرغبة الفرنسية بعودة العلاقات ولكن السؤال المهم هل دمشق تقبل بعودتها؟
ابراهيم شير- شام تايمز
22