إلدار مالميدوف
في 14 يونيو / حزيران، إعتمد البرلمان الأوروبي، بأغلبية ساحقة، قرارًا شديد اللهجة يدين البحرين على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان.
وكان الدافع الفوري لهذا القرار الحكم على نبيل رجب، الناشط البحريني البارز، بخمسة أعوام في السّجن، بسبب انتقاده لسجل المملكة في مجال حقوق الإنسان. وبشكل لافت للنّظر، تمحورت إحدى التهم حول "إهانة بلد شقيق" بالإشارة إلى تغريدات رجب التي انتقد فيها السعودية لحربها الوحشية في اليمن.
إنّه مثال مرعب عن كيفية وصول سلطة القمع التي تمارسها الدولة السعودية إلى المجالات السياسية الدّاخلية للدّول الأخرى. ولا يتم ذكره كثيرًا، إذ طغت عليه كل هذه الضّجة حول التّدخل الإيراني المزعوم في المنطقة.
ألقى التقرير نظرة واسعة النّطاق على حملة القمع المستمرة ضد حقوق الإنسان والديمقراطية في البحرين. ويأسف لأن السلطات [البحرينية]، ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقررة في أكتوبر / تشرين الأول 2018، لم تُقَدّم أقل الضمانات لضمان انتخابات حرة ونزيهة. على النقيض من ذلك، وفقًا للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة للمناصرة، شهدت الأشهر الأخيرة المزيد من تقييد مساحة النقاش والحريات، بما في ذلك إغلاق الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد، وهي صحيفة الوسط، وحل جمعيتين سياسيتين معارضتين هما الوفاق ووعد.
ومؤخرًا، في 11 يونيو /حزيران، أقرت السّلطات تعديلًا دستوريًا يحظر على غالبية أعضاء الجمعيات السياسية المشاركة في الانتخابات. ودان النواب الأوروبيون أيضًا إجراء إسقاط الجنسية الذي تستخدمه البحرين كأداة للقمع. وأشاروا إلى أنّ هذا الإجراء أثر على نحو غير متناسب على الغالبية الشيعية في البلاد. هذا التصريح مرحب به بشكل خاص نظرًا لأن الوهابيين لم يكونوا وحدهم الذين يقومون بتشويه سمعة الشيعة ولكن حتى متحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية الآن.
ونظرًا لخطورة الموقف، قرر أعضاء البرلمان الأوروبي أن الكلمات لم تكن كافية، وقد حان الوقت للقيام بتحرك حقيقي. ولهذا دعوا، للمرة الأولى، إلى فرض عقوبات ضد منتهكي حقوق الإنسان في البحرين. وقد طالبوا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بوقف نقل كل الأسلحة وتجهيزات المراقبة والاستخبارات التي يمكن استخدامها من قبل البحرين في عملية القمع المستمرة.
مع ذلك، فإن اعتماد هذا القرار كان أشبه بإنجاز برلماني شيق أكثر من كونه عملية سلسة. وتقول سياسات القرار الكثير عن المخاطر والرهانات المتعلقة بالأنظمة الدكتاتورية حين يتعلق الأمر بالترويج لرواياتهم للأحداث وتلميع صورتهم الدولية.
وبمجرد أن وافقت الفصائل السياسية في البرلمان الأوروبي على القرار المشترك، اتضح أن هناك كتلتين -حزب الشعب الأوروبي، أكبر كتلة مركزية لليمين في البرلمان الأوروبي، والمحافظون والإصلاحيون الأوروبيون، وهي مجموعة يمينية تضم المحافظين البريطانيين، والمزيد من القوى البغيضة مثل حزب القانون والعدالة البولندي وحزب الشعب الدنماركي المناهض للإسلام- توصلتا إلى اتفاق خلفي على نص منفصل.
هذا النص، الذي يعكس آراء المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين أكثر من حزب آراء حزب الشعب الأوروبي، قدّم فقط أكثر المخاوف تضاربًا بشأن الحكم على نبيل رجب. وفي حين أشاد بالبحرين بسبب "تسامحها واعتدالها الديني وتنوعها الثقافي"، شدّد على أن البحرين "حليف استراتيجي للاتحاد الأوروبي في الخليج الفارسي"، وأن استقرار "هذا الخليج الفارسي (!) ذات" أهمية استراتيجية لحلف الأطلسي (الناتو). وعلّق النص "أهمية كبيرة على عدم التّدخل في الشؤون الداخلية للبحرين من قبل القوى الساعية إلى تخريب استقرار وأمن المملكة"، في إشارة واضحة إلى إيران. في الواقع، تمّ ذكر إيران، تم ذكر إيران بشكل واضح في هذا السياق في القرار الخاص بالمحافظين والإصلاحيين الأوروبيين ، وأُزيل فقط في القرار المشترك بين المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين وحزب الشعب الأوروبي. بالتالي، في يوم التصويت، تمّ طرح اقتراحين: الاقتراح الحرج المُقَدّم من قبل القوى التّقدمية التي يقودها الديمقراطيون الاجتماعيون، وآخر أكثر تساهلًا من قبل المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين وحزب الشعب الأوروبي.
وبذلت مجموعات حقوق الإنسان الدولية كل جهودها للتواصل، خاصة مع أعضاء حزب الشعب الأوروبي، ليصوتوا لصالح الاقتراح الذي قدمه الديمقراطيون الاشتراكيون.
في غضون ذلك، بعثت السفارة البحرينية رسالة إلى النواب تدعوهم فيها للتصويت لصالح الاقتراح المقدم من قبل حزب الشعب الأوروبي والمحافظين والإصلاحيين الأوروبيين.
وبوقاحة، وصفت نص الاقتراح المقدم من قبل الإصلاحيين الأوروبيين بأنه مليء بالأخطاء، التي لا تعكس الواقع الحقيقي في البحرين آو فهمًا للتّحديات الأمنية في المنطقة". وعلى النقيض من ذلك، أشادت بنص الاقتراح المُقَدّم من قبل حزب الشعب الأوروبي والإصلاحيين والمحافظين الأوروبيين كونه يقدم "فهمًا للمخاوف الأمنية والإقليمية". والإشارة إلى الأمن والمنطقة هي مؤشر واضح على أن السلطات البحرينية حريصة على استخدام التّدخل الإيراني المزعوم كوسيلة لتجنب الحديث عن حقوق الإنسان.
تم التصويت على اقتراح حزب الشعب الأوروبين والمحافظين والإصلاحيين الأوروبيين أولًا، ورُفِِض مع 285 صوتًا لصالحه و339 صوتًا ضده. بعد ذلك ، تم تبني القرار الذي يتزعمه الديمقراطيون الاجتماعيون بأغلبية 479 صوتًا مقابل 97 صوتًا ضده. وقد جاء هذا الدعم الساحق نتيجة لضغوط المجتمع المدني التي ضغطت على حزب الشعب الأوروبي ليصوت لصالحه ، تاركًا فقط الإصلاحيين والديمقراطيين الأوروبيين واليمينيين المتطرفين يصوتون ضده.
ومسألة أن النّظام البحريني مارس ضغوطًا شديدة للتأثير على التصويت يؤكد مجددًا أنّه لا ليس كافيًا للأنظمة الاستبدادية في الخليج الفارسي أن تتمتع بالعلاقات الأمنية والتجارية مع الغرب. إنهم يهتمون بشأن صورتهم الدّولية، ويريدون أن يتم الإعجاب بهم وقبولهم. والخوف من إظهار الوضع الحقيقي هو ما دفع البحرين لأن ترفض مرتين زيارة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي. وبالفعل، أثبت البحرينيون أنّهم أكثر عنادًا وتصلبًا من جيرانهم السعوديين الذين استضافوا وفدًا للجنة الفرعية لحقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي في نوفمبر / تشرين الثاني 2017. بدلًا من ذلك، تفضل المنامة أن تبرز مدى كونها مضيافة مع مجموعة متنوعة من النواب التابعين لـ "مجموعة الصداقة" غير الرسمية، التي لا تمتلك وضعًا رسميًا حتى الآن، ومع ذلك تُستَخدَم للتأثير على البرلمان الأوروبي. وعلى نحو مبالغ به، إستضافت البحرين أيضًا اجتماعًا للمحافظين والإصلاحيين الأوروبيين في مارس / آذار 2018، الأمر الذي يفسر اندفاع هذه المجموعة للدفع باتجاه أجندة البحرين.
غير أن مجموعات الصداقة، أو الفصائل السياسية الفردية، لا تحدد الموقف الرسمي للبرلمان الأوروبي. بل القرار الذي تم اعتماده في 14 يونيو / حزيران، والذي يرسل رسالة سياسية لا لبس فيها عن عدم الموافقة على تصرفات النظام البحريني.
المصدر: موقع لوبلوغ