الحمزة بن عبد المطّلب... أسد الله وأسد رسوله

الخميس 28 يونيو 2018 - 12:11 بتوقيت غرينتش
الحمزة بن عبد المطّلب... أسد الله وأسد رسوله

يصادف الخامس عشر من شوال ذكرى استشهاد حمزة بن عبد المطّلب عليهما السلام عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله و الذي حزن الرسول لوفاته حزنا شديدا...

سليمان بيضون

هو خير أعمام رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومن أشدّ المدافعين عنه صلّى الله عليه وآله في مواجهة قريش، ومن أوائل المهاجرين معه إلى المدينة.

هو من أوائل من عُقد له لواء في الإسلام، ومن «فعل الأفاعيل» في صفوف المشركين في بدر وأُحد.

إستحقّ لقب «سيّد الشهداء» لعظيم مكانته في الذبّ عن الدين عن بصيرةويقين.

خصَّه رسول الله صلّى الله عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه، ورثاه بأبلغ العبارات.

أعدّت هذه الترجمة –بتصرّف- استناداً إلى ما في موسوعة «الأعلام من الصحابة والتابعين» ومصادر أخرى.

 ولادته:

ولد حمزة بن عبد المطّلب قبل ولادة النبي محمّد صلّى الله عليه وآله بسنتين، والحمزة في اللغة تعني الأسد. كنيته: أبو عمارة، وأبو يعلى، نسبة لولديه عمارة ويعلى، أمّا لقبه فـ«أسد الله وأسد رسوله»، لقّبه به رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما لقّبه بعد استشهاده ب‍ "سيّد الشهداء".

إسلامه

أسلم حمزة بن عبد المطّلب في بداية البعثة الشريفة، ولكنّه كان يكتم إيمانه إلى حين تدعو الحاجة إلى إعلانه، وهو ما حصل فيما ينقله المؤرّخون من الحادثة التالية: قال ابن إسحاق: حدّثني رجل من «أسلم» أنّ أبا جهل «الحكم بن هشام المخزومي» مرّ برسول الله صلّى الله عليه وآله عند الصفاة، فآذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف لأمره، فلم يكلّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله. وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها، فسمعت كلّ ما قاله أبو جهل لرسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ انصرف عنه فعمد إلى ناد لقريش عند الكعبة فجلس معهم.

فلم يلبث أن أقبل حمزة بن عبد المطلب متوشّحاً قوسه، راجعاً من قنصٍ له، وكان من هواة الصيد والقنص والفروسية، وكان من عادته لم يصلْ إلى أهله حتّى يطوف بالبيت الحرام، وإذا فرغ من ذلك يمرّ على نادٍ لقريش يقف عندهم قليلاً ليسلّم عليهم ويتحدّث معهم، وكان أعزّ فتى في قريش قوّة وفتوّة، وأشدّهم شكيمة، فلمّا مرّ بالمولاة، قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لقي ابن أخيك محمّد آنفاً من أبي جهل الحكم بن هشام! وجدَه هنا جالساً، فآذاه، وسبّه، وبلغ منه ما يكره ثمّ انصرف عنه ولم يكلّمه محمّد.

فخرج حمزة يسعى، ولم يقف على أحد، متوعّداً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلمّا دخل الحرم نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه، حتّى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها، فشجّ رأسه شجّة منكرة، ثمّ قال: أتشتمُه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرُدَّ عليّ إن استطعت.

فقام رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل – خوفاً من تفاقم الأمر واتّساع المواجهة بين البيتين -: دعوا أبا عمارة.

فلمّا أعلن حمزة إسلامه، واتّباع دين ابن أخيه، وعرفت قريش الجدّ في إعلانه، وأنّه سيمنعه، فعند ذلك كَفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد عزّ الإسلام ومُنع بإسلام حمزة وامتنع.

وفي (الدرجات الرفيعة): أنشد حمزة هذه الأبيات حينما أسلم:

الحمد لله حين هدى فؤادي                     إلى الإسلام والدين الحنيفْ

لدينٍ جاء من ربٍّ عزيزٍ                       خبير بالعباد بهم لطيفْ

إذا تُليتْ رسائلهُ علينا                        تحدّر دمع ذي اللبّ الحصيفْ

رسائل جاء أحمد من هداها                  بآيات مبيّنة الحروفْ

وأحمدُ مصطفىً فينا مطاعٌ                   فلا تَغْشَوه بالقول العنيفْ

فلا والله نسلمه لقومٍ                          ولمّا نقضِ فيهم بالسيوفْ

هجرته

كان حمزة من المهاجرين الأوائل من مكّة إلى يثرب، وقد آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله بينه وبين زيد بن حارثة. ومع انطلاق الجهاد ضدّ قريش عُقِد له لواء في الإسلام. قال ابن الأثير في حوادث السنة الأولى من الهجرة: «عقد رسول الله صلّى الله عليه وآله لعمّه حمزة لواءً أبيض في ثلاثين رجلاً من المهاجرين ليعترضوا لعير قريش ". وقال أيضاً: «كان حمزة يحمل لواء رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في غزوة بواط، وكانت في أوّل سنة من الهجرة، وفيها كانت غزوة الأبواء، وقبل غزوة ودان".

وقال ابن سعد في طبقاته: "قال الواقدي: حمل حمزة لواء رسول الله صلّى الله عليه وآله في غزوة بني قينقاع، ولم تكن الرايات يومئذ".

في وقعة بدر

بالغ حمزة رضوان الله تعالى عليه في نصرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، والذبّ عنه، والدفاع عن الإسلام وحمايته، ولمّا كانت وقعة بدر فإنّ أوّل من برز من أبطال المشركين وصناديد قريش مبتدئين القتال: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد بن عتبة، ثمّ دعوا المسلمين إلى البراز، فبرز إليهم ثلاثة فتيان من الأنصار، فقال لهم المشركون - بعدما انتسبوا -: ارجعوا فما لنا بكم حاجة. ثمّ نادى مناديهم: يا محمّد، أَخرِج إلينا أكفاءنا من قومنا.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا عبيدة بن الحارث، ويا عمُّ حمزة، ويا عليّ بن أبي طالب، قوموا فقاتلوا بحقّكم الذي بعث الله به نبيكم، إذ جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور الله.

فبرزوا. فقال عتبة: تكلّموا حتّى نعرفكم فإن كنتم أكفاءنا، وكان عليهم البيض [ما يغطّي الرأس لحمايته، كالخوذة اليوم] فلم يعرفوهم، فقال حمزة: أنا حمزة بن عبد المطّلب، أسد الله وأسد رسوله، فقال عتبة: كفؤ كريم، وأنا أسد الأحلاف.

ثمّ قال: ومن معك؟ قال: هذا عليّ بن أبي طالب، وهذا عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب. قال عتبة: كفؤان كريمان.

وهذا يدّل على أنّ لقب حمزة أسد الله وأسد رسوله كان معروفاً عندهم منذ أن أسلم.

ثمّ برز عليّ عليه السلام إلى الوليد بن عتبة، وكانا أصغر القوم سنّاً، وبارز عبيدة شيبة وهما أسنّ القوم، وبارز حمزة عتبة وهما أوسط القوم سناً، وكان عمر حمزة حينذاك سبعاً وخمسين عاماً، فتضاربا بالسيفين حتّى انثلما، واعتنقا، فصاح المسلمون: يا عليّ، أدرك عمك، وكان حمزة أطول من عتبة، فقال عليّ عليه السلام: يا عمّ، طأطئ رأسك، فأدخل حمزة رأسه في صدر عتبة، فضرب عليّ عليه السلام عتبة فقتله..

قال ابن الأثير في (أسد الغابة): «وكان حمزة يعلّم في الحرب بريشة نعامة، وقاتل يوم بدر بين يدي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بسيفين. وقال بعض أسارى الكفّار: مَن الرجل المعلّم بريشة نعامة؟

قالوا: حمزة. قال: ذاك فعل بنا الأفاعيل".

في أُحُد

قال ابن الأثير في حوادث السنة الثالثة من الهجرة: «عندما خرج رسول الله صلّى الله عليه و[آله] إلى أُحد كان حمزة بن عبد المطلب متقدّماً بين يديه. وقاتل مقاتلة الأبطال، وأبلى بلاء حسناً".

وقال: «وأمعن في الناس حمزة بن عبد المطّلب، وعليّ بن أبي طالب، وأبو دجانة سماك بن خرشة»، في رجال من المجاهدين الصامدين، وقتلوا صناديد وأبطال قريش، وبان الانكسار في صفوف المشركين، ولكنّ بمخالفة بعض من عيّنهم النبيّ صلّى الله عليه وآله من الرماة في فتحة الجبل ونزولهم لجمع السلب انقلبت الدائرة على جيوش المسلمين.

وفي (طبقات) ابن سعد: «إنّ حمزة بن عبد المطّلب كان يقاتل في واقعة أحد بين يدي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] بسيفين، وهو يقول: أنا أسد الله، وجعل يقبل ويدبر، ويقتل كلّ من تقدّم إليه».

وقال ابن حجر في (الإصابة): «إنّ حمزة بن عبد المطلب قتل بأُحد ثلاثين رجلاً قبل أن يُقتل".

استشهاده

يقول السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) في ترجمته لحمزة بن عبد المطّلب: «استشهد يوم أُحد، ولا تصريح في كلام المؤرّخين بأنّ شهادته كانت بعد انتقاض صفوف المسلمين أو قبله. قتله وحشيّ بن حرب، وهو عبد حبشي يرمي بالحربة قلّما يخطئ، ولم تكن العرب تعرف ذلك، بل هو مخصوص بالحبشة".

أمّا كيفية شهادته –يضيف السيد الأمين-: «ففي شرح النهج لابن أبي الحديد، قال الواقدي: كان وحشيّ عبداً لابنة الحارث بن عامر، قالت له ابنة الحارث قبل خروجهم إلى أُحد: إنّ أبي قُتل يوم بدر، فإن أنت قتلتَ أحد الثلاثة، فأنت حرّ: محمّداً، أو عليّ بن أبي طالب، أو حمزة بن عبد المطّلب، فإنّي لا أرى في القوم كفؤاً لأبي غيرهم.

فقال الوحشي: أمّا محمّد فقد علمت أنّي لا أقدر عليه، وإنّ أصحابه محيطين به ولن يُسلموه، وأمّا حمزة فوالله لوجدته نائماً ما أيقظته من هيبته، وأمّا علي فألتمسه. وقال: فكنتُ يوم أحد ألتمس عليّاً، فبينما أنا في طلبه إذ طلع عَليّ، فإذا هو رجلٌ حذرٌ مرسٌ كثير الالتفات. فقلت: ما هذا بصاحبي الذي ألتمسه.

وإذ رأيت حمزة يفري الناس فرياً، وما يلقى شيئاً يمرّ به إلّا قتله، فكمنتُ له إلى صخرة ".." فهززت حربتي حتّى رضيت منها فضربته بها في خاصرته ".." وكرّ عليه طائفة من أصحابه، فأسمعهم ينادونه ويقولون: أبا عمارة، أبا عمارة، فلا يجيبهم، فقلت: لقد مات الرجل..".

قال ابن الأثير: «ووقعت هند [بنت عتبة] وصواحباتها على القتلى يمثّلن بهم، واتّخذت هند من آذان الرجال وآنافهم خَدَماً [جمع خَدَمَة وهو الخلخال] وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وحشيّاً، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها".

وبعد أن ألقت الحرب أوزارها، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: التمسوا حمزة. فبعث أحد أصحابه يلتمسه فلم يعد لمّا رأى حمزة بتلك الحالة من التمثيل، ثمّ بعث آخر وآخر وكلّ من يذهب ويشاهده بهذه الحالة لم يعد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ليخبره، فلمّا استبطأهم قام وقال: أنا ألتمسه بنفسي. فلما شاهده وهو مطروح ببطن الوادي وقد مُثّل به شرّ تمثيل، بكى صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال له مخاطباً: «لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفتُ موقفاً قطّ أغيظ عليّ من هذا الموقف".

ورثاه بقوله: «يا عمّ رسول الله، أسد الله وأسد رسوله، يا حمزة، يا فاعل الخيرات. يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا حمزة، يا ذابّ، يا مانع عن وجه رسول الله".

عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «دفن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عمَّه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها، وردَّاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بردائه، فقصُر عن رجليه، فدعا له بأذخر [نبات ذكيّ الرائحة] فطرحه عليه، فصلَّى عليه سبعين صلاة، وكبَّر عليه سبعين تكبيرة."

ولمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة، مرّ بدار من دور الأنصار، سمع البكاء والنوائح على شهيدهم فذرفت عيناه بالبكاء، وقال: حمزة لا بواكي عليه،فرجع سعد بن معاذ إلى دُور بني عبد الأشهل فأمر نساء الأنصار أن يذهبن فيبكين على حمزة.

على لسان النبيّ صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام

* عن سلمان قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام: «شهيدنا سيِّد الشهداء، وهو حمزة بن عبد المطلب، وهو عمُّ أبيك.

قالت: يا رسول الله! وهو سيِّد الشهداء الذين قُتلوا معك؟

قال: لا، بل سيِّد شهداء الأولين والآخرين، ما خلا الأنبياء والأوصياء، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيَّار في الجنة مع الملائكة".

* عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «خير إخواني عليّ، وخير أعمامي حمزة..".

* أمير المؤمنين عليه السلام: «منّا سبعة خلقهم الله عزَّ وجلَّ، لم يخلق في الأرض مثلهم، منَّا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سيِّد الأولين والآخرين، وخاتم النبيّين، ووصيُّه خير الوصيّين، وسبطاه خير الأسباط: حسناً وحسيناً، وسيِّد الشهداء حمزة عمُّه، ومن طار مع الملائكة جعفر، والقائم عليه السلام".

المصدر: مجلة شعائر