كلّ القيم والصفات التي يحترمها الإنسان ويكرّمها قد جُمعت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام. حتّى وإن لم تكونوا مسلمين أصلًا وتعرّفتم إلى هذه الشخصيّة واطّلعتم على أحوالها ستحترمونها أيضاً. الكثير من أهل السنّة قد كتبوا وألّفوا الكتب حول فضائل أمير المؤمنين عليه السلام. الكاتب المسيحي "جورج جرداق"(1) ألّف كتاباً من خمسة أجزاء كتب فيها بكلّ عشق حول أمير المؤمنين عليه السلام. وقد زارني وتحدّثنا معاً حول كتابه: "عليّ صوت العدالة الإنسانيّة". حتّى الشخص الذي لا يؤمن بأيّ دين عندما يتعرّف إلى شخصيّة أمير المؤمنين، فإنّه سيحترمها ويخضع لها ويعظّمها.
يوجد لدى أمير المؤمنين ثلاثة أنواع من الصفات، سنتحدث عنها في ما يلي:
من صفات عليّ عليه السلام
أ- صفات معنويّة إلهيّة
الصفات المعنويّة الإلهيّة ومنها: الإيمان، الإخلاص، المعرفة بالله.. وهذه الصفات المعنويّة الإلهيّة لا يمكن قياسها بالنسبة إلينا بأيّ ميزان:
- الإيمان: ذلك الإيمان المتعالي العميق عند أمير المؤمنين، التضحية في سبيل الإسلام.
- الإخلاص: فلا يوجد ولو مقدار رأس إبرة من العمل بغير النيّة الإلهيّة في عمله عليه السلام. هل نفهم نحن هذا فعلاً؟ لمن هم مثلي أنا العبد، هل يمكن إدراك هذه الحالة فعلاً؟ أن تكون كلّ الأعمال لله ولأجل رضى الله، هذا هو الإخلاص. هذه أمور بالنسبة إلينا ليست قابلة للتوضيح بشكل صحيح.
- العلم والمعرفة بالله: نحن ماذا نفهم من هذه العظمة؟ وماذا يفهم أمير المؤمنين من هذه العظمة؟ أي المعرفة بالله.
هذه مجموعة من صفات أمير المؤمنين وهي في الواقع ليست قابلة للتوصيف بالنسبة إلينا، ولن نصل إلى عُمقها بدقّة، لكونها عظيمة جدّاً.
ب- صفات إنسانيّة
من صفاته الإنسانيّة البارزة أيضاً، والتي تجذب إليها أيّ إنسان: الشجاعة، الرحمة، الإيثار...
ذلك الإنسان الذي يقاتل في ميدان الحرب بتلك الشجاعة، يتعامل ويتصرّف مع عائلة فيها أيتام بكلّ محبّة، ينحني ويلاعب الأطفال الأيتام ويُركبهم فوق ظهره. هذه بالأصل لا تتعلّق بكوننا متديّنين كي نحترمها ونقدّرها، كلّ مَن يواجه هذه العظمة، فإنّه سيشعر بالخضوع والتعظيم والإجلال!
الإيثار أيضاً من الصفات الإنسانية البارزة في أمير المؤمنين عليه السلام؛ أي أن تُؤثر الآخر على نفسك؛ أي التسامح؛ أي أن تصرف النظر عن حقّك، حين يكون الحقّ معك، لأجل الله، لأجل مصلحة -وإن كان حقّاً شخصيّاً- سواء كان حقّاً ماليّاً أو حقّ حفظ ماء الوجه أو أيّ حق آخر من حقوقك؛ هذا هو معنى الإيثار.
ج- خصوصيّات حكوميّة.. في حدّها الأعلى!
المجمـوعــة الـثـالثــة من خصوصيّــات أميـر المؤمنيـن عليه السلام: هي خصوصيّات حكومية وهي نتيجة مسألة الإمامة، مثل: العدالة، الإنصاف، المساواة بين جميع الناس، ومنهم الذين يعيشون في مجتمعكم وهم ليسوا من دينكم.
حين سمع أمير المؤمنين عليه السلام أنّ "بسر بن أرطأة"(2) قد دخل إلى منطقة، واقتحم حريم العائلات هناك، ألقى خطبةً مفجعة: "بلغني أنّ الرجل منهم ليدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها(3)". يقول عليه السلام إنّ تلك القوات الظالمة والوقحة قد اقتحمت بيوت المسلمات وغير المسلمات -من المعاهدين؛ أي اليهود والنصارى الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي- وقامت بنهْب وسلب ثيابهنّ وأساورهنّ وخلاخيلهنّ. ثم يقول عليه السلام: "لو أنّ امرأً مُسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً". تأمّلوا شخصيّة هذا الإنسان، رحمته وحنانه، شفقته ومحبته لجميع الناس.
ومن خصوصيّاته في الحكم: "العدل" و"الإنصاف"، "المساواة"، و"اجتناب زخارف الدنيا وزينتها لنفسه". وهذه من مصائب حكومات الدنيا؛ فحين نصبح رؤساء بلدٍ ما، وتصبح مصادر البلد الماليّة تحت تصرّفنا، تبدأ الوساوس؛ فنقول: يوجد هنا أراضٍ جيّدة وإمكانات وفيرة، هنا أموال طائلة، فلنأخذ منها حصّة. إنّ حكومة الإمامة تخالف هذه الأمور، فالاستفادة الشخصيّة من الإمكانات العامّة ممنوعة.
ليس كل الأعداء سواء!
لقد خاض أمير المؤمنين عليه السلام ثلاث حروب (أثناء حكومته)؛ وكانت تلك الحروب ضدّ ثلاثة أنواع من الأعداء، ولكنّه لم يقاتلهم بالطريقة نفسها. كانت الحرب ضد معاوية والشام بشكل معيّن، الحرب ضد البصرة بشكل آخر.
حين واجه الإمام عليه السلام طلحة والزبير في الحرب كان له تعامل آخر معهما، حيث استدعى الزبير وسط ميدان الحرب وتحدّث معه ونصحه بأنه: يا أخي تذكّر سوابقنا وكيف قاتلنا معاً، وقمنا معاً بإنجاز كلّ تلك الأعمال. وقد أثّرت تلك الكلمات والنصائح بالزبير، ومع أنّه لم يقُم بما كان يجب عليه، فلم يلتحق بجيش أمير المؤمنين عليه السلام، ولكنّه ترك الميدان وانسحب من الحرب، فكان سلوك أمير المؤمنين عليه السلام مختلفاً مع طلحة والزبير. وتعامله مع الشام لم يكن هكذا. ماذا يقول الإمام عليه السلام مثلاً لمعاوية؟ هل يقول له نحن كنّا معاً؟ ومتى كانا معاً؟ لم يكن لديهما سابقة مشتركة. وقد كان معاوية يستغلّ العداوات ويحارب أمير المؤمنين عليه السلام.
لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يقسّم الأعداء. في واقعة النهروان كان الأعداء عشرة آلاف شخص. قال عليه السلام: كلّ من يأتي من هؤلاء العشرة آلاف إلى تلك الجهة من هذه الراية التي نصبتها هنا، فلن أقاتله ولا حربَ بيني وبينه. أكثرهم جاؤوا من تلك الجهة فحرّرهم الأمير وأطلق سراحهم. وعليه، يجب التدبير في إدارة البلاد: معرفة العدو، معرفة الصديق، فليس كلّ الأعداء سواء؛ لذا غضّ عليه السلام الطرف عن بعضهم.
هذا تدبير، وإنّ أعلى مستويات التدبير أن يكون الإنسان على رأس السلطة، فيعرف كيف يجب أن يتصرّف مع أنواع الشخصيّات المتعدّدة، وهذه من خصوصيّات الحكم لدى أمير المؤمنين عليه السلام.
"سرعة العمل"، فلم يكن يؤخّر ويُؤجل، بل يتحرّك بمجرّد أن يحدّد أنه يجب القيام بهذا العمل والإجراء المطلوب.
واجبنا أن نتحرّك نحو "القمة"
حسناً، ماذا نفعل نحن الآن؟ واضح أننا لا يمكننا أن نحيا كأمير المؤمنين عليه السلام، ولا أن نعمل مثله، ولا أن نكون مثله. ذلك العظيم نفسه قال: "ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك"(4). لقد قالها للحكام والولاة والمديرين التابعين له؛ إنّكم لا تقدّرون أن تعملوا كما أعمل.
نحن علينا أن ننظر إلى تلك القمة. وتلك القمة هي الهدف. مسؤوليّتنا وواجبنا أن نتحرك نحو القمة. خذوا صفات أمير المؤمنين هذه، ولنتحرك بقدر طاقتنا وقدرتنا في هذا الاتجاه، لا أن نتحرك في الاتجاه المعاكس؛ أي أن نبتعد عن الإسراف والهدر والتطلب والتفاخر في الاستهلاك، هكذا نصبح شيعة أمير المؤمنين عليه السلام.
الهوامش:
(*) من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله لدى استقباله وفوداً شعبية بمناسبة عيد الغدير 20-9-2016 م.
1-أديب لبناني وصاحب كتاب "الإمام علي صوت العدالة الإنسانية".
2-أحد قادة جيش معاوية وكان حاكماً على البصرة لفترة من الزمن.
3-نهج البلاغة، الخطبة 27.
4-نهج البلاغة، الرسالة 45.
المصدر: مجلة بقية الله