أتت الزيارة المفاجئة والسريعة لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو إلى عمان ولقاؤه الملك الأردني عبد الله الثاني، لتشكّل الخطوة الثانية في مسار ترتيبات تنفيذ "صفقة القرن"، والتي سيكون الأردن إحدى الساحات التي ستشهد تطبيق بنود هذه الصفقة، بعدما فهم الملك الرسالة التي تمثّلت مؤخراً في المظاهرات غير المسبوقة على خلفية الملف المعيشي في الأردن، وتبقى الخطوة الثالثة في تظهير الاتفاق بشكل نهائي خلال المحادثات التي سيجريها الوفد الأمريكي الذي سيزور المنطقة، ويضع اللمسات النهائية لمشروع الترسيم السياسي والاقتصادي الجديد للشرق الأوسط.
لقاء عمّان تأسيسي باتفاقات تمهيدية
كانت الزيارة سرية وبعيدة عن الإعلام وكاميرات التصوير، ولم يعلن عنها إلا بعد انتهائها وعودة نتنياهو إلى تل أبيب، وشارك فيها رئيس جهاز "الموساد" يوسي كوهين والسكرتير العسكري اليعازر توليدانو والمستشار السياسي المتقاعد يوناتان شيشتر ورئيس أركان مكتب رئيس الوزراء يوآف هورويتز وممثل مجلس الأمن القومي والمستشار الاقتصادي البروفسور آفي سيمون، وغاب عنها السفير الاحتلال الإسرائيلي في عمّان عمير فايسبورد.. كان لقاء ضيقاً جداً وكانت المحادثات من الجانب الأردني محصورة بالملك، والحضور الإسرائيلي باختصاص شخصياته ومواقعها يؤشر إلى ملفات خاصة سياسية وأمنية واقتصادية، وبالتالي فهو لقاء تأسيسي ممهور باتفاقات موقّعة بالأحرف الأولى، ولا يقف عند حدود التشاور.
بنود سياسية واقتصادية لتدجين الأردن
جاء البيان الذي صدر عن الديوان الملكي الأردني واضحاً جداً ومتقاطعاً مع ما صدر عن مكتب رئاسة حكومة العدو في شرح مجريات هذه الزيارة، وتركز على مجموعة من النقاط الأساسية أهمها:
• تحقيق تقدّم في إطار إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية استناداً إلى حل الدولتين. والمحور هنا ليس حول "دولة الكيان الغاصب ل" بل عن الدولة التي ستؤوي الفلسطينيين وحدودها وهويتها، وهي الأردن، وما الكلام عن القدس وحدود الرابع من حزيران 1967 إلا من قبيل الأدبيات السياسية المستنسخة عن بيانات الجامعة العربية المتعلقة بفلسطين.
• رفع القيود عن الصادرات التجارية مع الضفة الغربية، مما يؤدي إلى تعزيز حركة التبادل التجاري والاستثماري بين السوقين الأردني والفلسطيني، وهذا البند بقي "إسرائيلياً" في إطار الدراسة وليس القرار، على أن يبدأ تنفيذه فعلياً بعد الركون إلى الاتفاق النهائي.
• تعزيز العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية ـ الأردنية، ومشروع ناقل البحرين (البحر الأحمر ـ البحر الميت)، والذي "ستنعكس آثاره الإيجابية على الأردن والضفة الغربية والكيان الاسرائيلي"، بحسب بيان الديوان الملكي الأردني، وهذا الأمر يأتي في إطار مندرجات الاتفاق على المرحلة المقبلة بعد الانتهاء من إجراءات الضم وصهر الفلسطينيين ضمن الأرض والنظام الأردنيين.
الحل في المنطقة يبدأ من الأردن
البنود التمهيدية التي توصل إليها لقاء نتنياهو ـ عبد الله في عمّان، ستكون على أجندة عمل الوفد الأمريكي رفيع المستوى الذي سيزور المنطقة، ويضم كبير مستشاري الرئيس الأميركي جاريد كوشنر والمبعوث الخاص للاتفاقيات الدولية جيسون غرينبلات، وتشمل الكيان الصهيوني والأردن والسعودية وقطر ومصر. وتحدثت مصادر دبلوماسية عن أن نتنياهو أنجز الجزء الإسرائيلي من الترتيبات المرتقبة خلال زيارته وبالتالي ستكون مهمة الوفد عملياً استكمال الترتيبات في جزئها العربي، مشيرة إلى أن تغريدة غرينبلات، الذي رحب بلقاء نتنياهو ـ عبد الله، واعتبره أمراً مهماً جداً "لكلا البلدين وللمنطقة بأسرها"، مؤشر واضح على ارتباط زيارة الوفد بلقاء عمان وتنسيق الموقف الأردني - الإسرائيلي المشترك، هذا فضلاً عما اعتبرته صحيفة "إسرائيل اليوم" من أن اللقاء "مؤشر على أن خطة السلام الأميركية تدخل مرحلة حاسمة".
مسرحية بطلها الملك
إنها سياسة "العصا والجزرة" التي خضع لها الأردن كنظام وأرض في سيناريو محكم ومتفق عليه سابقاً، ولا يبدو أن الملك عبد الله الثاني بعيد عن تفاصيله، وما مسرحية الاعتراضات الشعبية على الوضع المعيشي إلا خطوة تصب في إطار إخراج الملك الأردني من دائرة الإحراج، فيبقى على رأس السلطة مع تقديمات اقتصادية وامتيازات سياسية مقابل السير في "صفقة القرن" وما تتضمنه من إيجاد وطن بديل للفلسطينيين، ويظهر في مرحلة لاحقة على أنه الزعيم العربي الذي حفظ حقوق الفلسطينيين ولم يتخلّ عن القدس، وقدّم التضحيات من أجل لمّ شمل الشتات الفلسطيني على الأرض الأردنية.. إنه اتفاق "وادي عربة" جديد بعدما استنفد اتفاق "أوسلو" أهدافه في توهين القضية الفلسطينية، وأصبح العرب يلهثون بشدة نحو إنجاز الاتفاق المنتظر الذي ترعاه وتموّله السعودية والإمارات.