حوراء حمدان
لَئِنْ كان المُراد الإلهيّ من التشديد الدائم على التفكّر كونه مفتاح الصعود الحضاريّ والتكامل الإنسانيّ، إلّا أنّ ذلك يتطلّب بصيرة نافذة ومنهجاً مستقيماً لذلك، فإنّ المطلوب وضع الخطط والبرامج لتحقيق الأهداف الإلهيّة، وهو ما يمكن أن نستقيه من مؤلَّف "أنا والكتاب" الصادر عن جمعيّة المعارف الإسلاميّة، ومن إعداد مركز نون للتأليف والترجمة. يضمّ الكتاب باقة نورانيّة من كلمات السيّد القائد الخامنئي دام ظله، والتي يشدّد فيها على أهميّة المطالعة ويضع بعض القواعد والأصول التي تدفع عجلة النموّ الحضاريّ والإنسانيّ.
"والقلم وما يَسْطُرُون"
أقسم الله سبحانه في مُحكم كتابه العزيز بالقَلَم وما يَسطُرُون ليدلّل في بيانه على عظيم نِعَمه التي امْتنّ بها على الإنسان ومداد نوره الذي هداه إليه(1). وفي ذلك، ربّما، تقرير إلهيّ نُبرهن من خلاله على أهميّة ودور الكتب وما يُكتب في سير الإنسان نحو كماله اللّائق. فالارتباط بين التعلّق بالكتاب والتجدّد والاندفاع الحيويّ الإنسانيّ ارتباط ضروريّ ولازم، كما تبيّنه الكلمات النورانيّة للسيد القائد الخامنئيّ دام ظله(2).
أهميّة المطالعة
يولي الإسلام أهميّة عُظمى لمسألة المطالعة باعتبار أنّ الكتاب يُعَدّ نافذةً على العالم الواسع وطريقَ اكتشاف المعارف الإلهيّة والبشريّة(3). وهو أيضاً، برؤية القائد الفكريّة، ضرورة حياتيّة وطريق مختصر لتفجير القابليّات البشريّة الكامنة، ووسيلة بالغة الأهميّة للتصدّي للقوى الاستكباريّة. والطريق الممكن لذلك هو التعوّد الدائم على المطالعة وإثارة الفضول لمعرفة المستجدّات وصناعة الكتب والأبحاث القيّمة.
أنا والكتاب
يُبيّن الفصل الثاني الذي يحمل اسم الكتاب، تعلّق القائد دام ظله منذ حداثة سنّه بالقراءة حيث كان يستغرق فيها حتّى يفقد الاتّصال بما حوله. فالكتاب، بالنسبة إليه، ذو تأثير كبير على النفس، وينفذ إلى أعماق الوجود(4)، والارتباط به كالارتباط بنبع سيّال ودائم الجريان(5). لذلك يدعو الشباب إلى اغتنام فرصة عمرهم الذهبيّ في المطالعة؛ لأنّ ما يُقرأ في فترة الشباب لا يُمحَى من الأذهان. ويوصي السيّد القائد بقراءة العديد من الكتب، ككتاب "قائدي" و"تراب كوشك الناعم" لما فيهما من جماليّات روحيّة، ومن ذلك أيضاً "الروح الولهة" لرومان رولان الذي يحوي قيماً فنيّة وأخلاقيّة، وكتاب "الدون الهادئ" الجذّاب، كما يصفه(6).
يهتمّ السيّد القائد كثيراً بالقراءات التاريخيّة، وهو مطّلع بشكل مُعمّق على الأدب الروسيّ(7)، مضافاً إلى حُبّه للروايات القصصيّة، لا سيّما تلك التي تتحدّث عن ذكريات الدفاع المُقدّس، وفنّ المقاومة المُظْهِرة لعظمة أولياء الله. ويَعتبر أنّ أفضل الأعمال الفنيّة الناطقة باسم عصرها، لا سيّما التي ترتبط بالمراحل الصعبة للبلدان كمرحلة الحروب؛ لأنّ ذلك يبيّن القدرات الشعبيّة واستعداداتها لإثبات نفسها.
نقد الوضع القائم
إنّ الانشغال بالكتب يترك فارقاً من الناحية الروحيّة والفكريّة. لذلك، يشدّد السيّد القائد على اعتبار الكتاب من اللوازم الحياتيّة كالأكل والنوم، وعلى بذل الجهود والأموال ليأْنس الناس بالكتاب؛ لأنّ ذلك مدعاة إلى منافع جمّة كالتقدّم العلمي. ورغم عظمة الثورة، إلّا أنّها أضعف الثورات في تبيان أُصولها الفكريّة(8)، وتُعاني نَقصاً وجَب جبْرُه. والسبيل إلى بيان ذلك يكون من خلال كتابة الروايات والكتب الدينيّة المبسّطة، والاستفادة من الترجمات الجيّدة للأعمال العالميّة الكبرى. كما وجب تطوير الجوهر والحماسة الموجودة في الروايات الصغيرة التي تحاكي الدفاع المقدّس، والغرسة المتّسمة بالواقعيّة والدافعيّة الإيمانيّة التي أزهرت في روايات "آل أحمد جلال".
ما العمل؟
إنّ إظهار القيم وبيان التاريخ في الإطار الروائيّ أكثر جاذبيّة وخلوداً من أيّ عمل فنّي آخر، فهما يجمعان كلّ مواصفات البيان الفنّي. لذا؛ ينبغي توظيف الاستعدادات المتأجّجة لجذْب القلوب والأرواح وتوظيف الجماليّات والرقيّ التي تتّسم بها الثورة. إنّ قصّة الثورة وقضاياها الأكثر إنسانيّة وسموّاً وجب أن تُكتب في هذا الزمن وتُظهّر بأسلوب جماليّ. كما أكّد القائد على ضرورة تأليف الكتب ذات الفائدة والزهيدة الثمن، وعلى سدّ الفراغ الموضوعاتيّ والترجمة المتبادلة للكتب الجيّدة، لا سيّما السياسيّة والتاريخيّة والأدبيّة.
ثمّة طرق متعدّدة لتعزيز الاهتمام بالكتاب الذي يُشكل -برؤية القائد- رسالة وحدة بين الفِرَق الإسلاميّة(9). من ذلك كتب الجَيب التي تملأ الأوقات الميّتة، الترويج للكتب في اللّقاءات وعرضها في القطارات والمراكز الإداريّة. كما تُساعد المسابقات والمعارض الأسبوعيّة للمطالعة، وتخصيص حصّة لذلك في المدارس في توجيه الأجيال نحو العلم والتحقيق. هذا، مضافاً إلى الجهود التي يجب أن يبذلها الأهل والمؤسّسات التربويّة لبثّ حالة الأنس بالكتاب.
تعليقات القائد الخطيّة
من أبرز التعليقات التي خطّها السيّد القائد على أغلفة الكتب، هي تلك التي كتبها على غلاف كتاب "قائدي"، حيث يقول فيها: "السلام عليكم يا أحبّاء الله وأصفياءه.. يا ورودًا حمراء لم يستطع كل فساد العالم.. أن يَمنع تفتّحها"(10). وتعكس أقواله شدّة تأثّره بالمضامين النيّرة لهذه الكتب، فإحدى الروايات القصصيّة (عرس المخضّبين) جعلته يحلّق في فضاء معطّر مليء بالصفاء وأنارت مشعل المعراج الإنسانيّ(11). وأخرى اشتمّ من فيض كلماتها عطر الشهادة، في حين لم يستطع إكمال الجزء الأول من كتاب "السفر إلى مدينة الزيتون" بسبب الصور الدامية التي بلّلت وجهه بالدموع(12). كما أوصى بقراءة بعض الكتب وترجمة بعضها الآخر ككتاب "اجتياز آخر ساتر ترابي".
القائد والكتاب: رواية المستشار
"بيته في قلب بستان عامر يسَع الجميع"(13). هكذا وصف الدكتور غلام عادل(14) السيد القائد. فهو ذو شخصيّة قديرة، مؤمنة وغيورة، ولديه اهتمام بالغ بالمطالعة التي تتّسم بالفعاليّة والشمول. كما ذكر سعة اطلاع القائد ومعرفته الدقيقة بالتاريخ والأعلام الأدبيّة والفنيّة والسياسيّة والعلميّة وغيرها. هذا مضافاً إلى قدرته على تخصيص وقت للقراءة رغم انشغالاته، واضعاً ذلك ضمن منظومة مدروسة ومدوّناً بعض الأفكار على حواشي الكتب.
الهوامش:
1-الميزان في تفسير القرآن، السيّد الطّباطبائي، ج19، ص 291. (القلم:1).
2-"أنا والكتاب"، السيد الخامنئي، ص31.
3-(م.ن)، ص19.
4-(م.ن)، ص 28.
5-(م.ن)، ص31.
6-(م.ن)، ص43.
7-(م.ن)، ص29. يذكر السيّد القائد عدداً من الروايات الروسيّة ومؤلّفيها، ولا سيّما رواية "الدون الهادئ" لـ"شولوخوف".
8-(م.ن)، ص53.
9-(م.ن)، ص72.
10-(م.ن)، ص95.
11-(م.ن)، ص96-97.
12-(م.ن)، 101.
13-(م.ن)، ص135.
14-مستشـار السيّــد القائـــد ورئيـس مجلــس الشـورى السابق "غلام علي عادل حداد".
المصدر: مجلة بقية الله