ناصر قنديل
في أحيان نادرة وفي لحظات مفصلية يتصرف التاريخ وتتحرّك الجغرافيا لتصويب مسارات خاطئة من تلقائهما، وتبدو عملية التصحيح إنصافاً لحقائق وتصويباً لوقائع، أوحت للحظة أنها التعبير الأقرب عن الواقع. ولعل هذا ما حدث مع الكلام الذي قاله رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عما وصفه بتعويض فشل الجنرال قاسم سليماني في العراق ومحاولته التعويض بمزاعم نصر في لبنان، تعليقاً على كلام لسليماني عن الانتصار الانتخابي لحزب الله في لبنان. ومثله الكلام الأميركي تعقيباً على مفعول العقوبات على حزب الله، بالدعوة لرؤية ما سيحلّ بمن وصفوها بالميليشيات الإيرانية في اليمن لمعرفة ما ينتظرهم بعد العقوبات. في إشارة لهجوم سعودي إماراتي أميركي غير مسبوق يستهدف مدينة الحديدة على ساحل البحر الأحمر، ومينائها الاستراتيجي.
بالطبع ليس الموضوع هو ما قاله الجنرال سليماني، والواضح أنه كلام عن نتائج الانتخابات بهدف قراءة سياسية لها، بعد حدوثها وليس كلاماً عن تدخل فيها، ومضمونه أنّ سلاح حزب الله الذي كان مستهدفاً في هذه الانتخابات بات محصّناً بأغلبية نيابية تحميه، حتى لو كانت التعبيرات والصياغات تحمل ما يناسب المكان الذي يتحدّث فيه سليماني والحضور الذي يستمع إليه. لكن كلام الحريري عن العراق كان واضحاً لجهة اعتبار نتائج الانتخابات هناك قد حملت فشلاً ذريعاً لإيران التي يمثلها الجنرال سليماني في التنسيق مع حكومتها وأحزابها. وقد كان عنوان هذا التنسيق في مرحلة المواجهة مع خطر داعش، وما قصده الحريري بالتحديد، ومعه الإعلام السعودي خلال ما بعد الانتخابات، هو التموضع الذي اتخذه السيد مقتدى الصدر وحجم ما ناله في الانتخابات، ليصير بنظرهم رأس الحربة بوجه إيران وحلفائها، خصوصاً تحالف الحشد الشعبي. وقبل أن يجفّ حبر كلام الحريري، كان السيد مقتدى الصدر يعلن التحالف مع تحالف الحشد الشعبي لتشكيل الحكومة الجديدة، ويتحوّل هدفاً لرمايات إعلامية سعودية بصفته خائن للتعهدات. وما زاد الطين بلة الربط السعودي بين تموضع الصدر الأجدّ من الجديد، وبين رسالة قيل إنه تلقاها من الجنرال قاسم سليماني.
بالمقابل ليس الموضوع قبول الوصف الذي يطلقه الأميركيون والسعوديون على أنصار الله وحلفائهم في اليمن، ولا قبول توصيف مواجهة الحديدة التي خاضوها وحدهم، وكأنها إنجاز لحزب الله رداً على التهديدات بالعقوبات وما يليها، لكن الموضوع هو أنه كما لم يتسن للأميركيين والسعودية الاحتفال بفرحة لم تكتمل في العراق، أصابهم الشيء ذاته مع هجوم الحديدة في اليمن. وقد رصدوا لكل من الحدثين أقسى ما لديهما، وربطا بهما مستقبل مواجهات المنطقة. وكما بدا لفترة غير قصيرة أن السيد الصدر سيكون عنوان مواجهة مع قوى المقاومة في العراق بدا أن هجوم الحديدة في ظروف حرب اليمن وتاريخها ووقائعها الجغرافية مؤهل لإحداث اختراق نوعي في الجبهة الساحلية، قبل أن تنكشف الساعات الثماني والأربعين التي سادها التشويش، عن هزيمة قاسية تصيب المهاجمين بعدما لجأ أنصار الله إلى احتواء الهجوم، وفتح الباب للمهاجمين نحو فخ محكم نصبوه لهم، ويفتحون عليهم النار من كل نوع وصوب. وتكون النتيجة تراجع قوى الحرب عن التبشير بدخول المطار إلى الحديث عن سيطرة نارية ومعارك لم تحسم، بينما يبث أنصار الله الفيديوهات المباشرة من ساحات المطار وقاعاته ما يؤكد بقاءه تحت سيطرتهم النارية والفعلية.
ترتسم آخر صور المشهد في المنطقة في الحلقتين اللتين اعتبرتهما واشنطن وحلفاؤها حديقتين خلفيتين، يمكن ترتيب الهجوم المعاكس فيهما، هجوم سياسي في العراق وهجوم عسكري في اليمن، لتصاب واشنطن ومَن معها بالخيبة فيهما، وتبدو يد محور المقاومة كما هي في لبنان وسورية، هي العليا، ويصير العناد بلا جدوى، وتصير المكابرة مجرد تكذيب للصورة ونفي للوقائع الثابتة، وإنكاراً يثير السخرية، وبالتأكيد بعد الحدثين العراقي واليمني لن يحتاج سليماني ولا نصرالله لردّ، ففي العراق ولبنان أغلبية نيابية تحرس السلاح وتحميه، وفي اليمن رجال يحرسون الانتصار ويدافعون عنه.
المصدر:موقع يمانيون