يقبّل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يد الولايات المتحدة الأميركية ويدعو عليها بالكسر في الشرق الأوسط، ويسعى في هذا السياق بسلوك براغماتي تعلمه من سوق تجارة الإبل الذي لا يليق غيره بسياسة أنقرة، لكن ذلك السلوك لا ينطبق مع الكيفية التركية التي يتم التعامل بها مع تل أبيب، هناك، ثمة مهمة أخرى، هي «أكل الحلاوة» في عقل الشارع الإسلامي وأخذه إلى بحر المواجهة مع «إسرائيل» والعودة به عطشا.
لا يمكن نكران أن الشارع الإسلامي في بعض المواقع ينساق بسهولة وراء دعايات، كمثل التي يطلقها رجب طيب اردوغان، لكن ذلك لم يعد بحجم التجاوب الذي كان عليه الأمر قبل سنوات، الآن وفي هذا الوقت، لم يعد الشارع الإسلامي «يقبض» مثل تلك الأقاويل التي تطلقها تركيا ولا يرفعها من على أرضها ولو بمقدار شبر واحد، لقد بات الشعور المخيم بشدة هو اليأس من تلك التوجهات التي تبدو على وجه محور حلفاء أميركا في المنطقة، والذي يدعي مواجهة «إسرائيل» أو العمل للحد من تحاوزاتها في الأراضي المحتلة.
انساق الشارع الإسلامي وراء خطاب كالذي يأتي به اردوغان، بناء على توجهات طائفية وملامسات قومية متشابكة ومعقدة في منطقة الشرق الأوسط، بعد حين، لم يجد الشارع النتيجة المرجوة أو أية حالة حقيقية ملموسة بل مزيد من الانتكاسات والاخفاقات وتمتين في علاقات التطبيع مع الكيان العبري، وحتى الآن، من بقي متحيرا في أركان ذلك الشارع الذي انساق وراء اردوغان و«حباشاته»، ينازع بشدة كي لا يسقط من عينه آخر أمل له في أن هناك جهة دولية تصدق قولها.
رجب اردوغان يتعامل مع «إسرائيل» بطريقة خد وعين، مرة «يقرص» ومرة يقبّل ويكثر التقبيل، حتى الآن لا يجرؤ الرئيس التركي أن يذكر معاناة الفلسطينيين دون أن يتطرق إلى معاناة اليهود مع الدولة النازية، ولا يمكن لرئيس أنقرة أن يتفوه بكلمة مأساة يعانيها الفلسطينيون على يد الاحتلال الإسرائيلي دون أن يستفيض بالشرح عن المحرقة التي أقامها النازيون لليهود أواسط القرن الماضي.
لا يمتلك اردوغان القدرة لشن هجوم كلامي لاذع على «إسرائيل»، على الاطلاق، القول بان هناك كلام تركي شديد اللهجة تجاه تل أبيب لا يتجاوز كونه أكثر من دعايات، أين ذلك الكلام؟، ودون أن يقوم بتليين الجو، ليس مسموحا لاردوغان أن يتحدث بطلاقة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، عليه أولا أن يقوم بذكر «المصائب» التي تعرض لها اليهود على اليد النازية ويذكر بعمق المودة والرحمة المنعقدتان بين أنقرة وتل أبيب، بعد ذلك، يسمح للرئيس التركي أن يندد ويشجب ويعود إلى البيت.