محمد محمود مرتضى
فرق الموت أو كتائب "أتلاكاتل"، هي عبارة عن عناصر من قوات الجيش السلفادوري، تم تشكيلها وتدريبها تحت إشراف الضابط الأمريكي "جون ديفيد فاجلشتاين"، الذي تولى مهمة تدريب قوات "البيريهات الخضراء" (القبعات الخضراء)، وكانت مهمة هذه الفرق قتل المدنيين وتحميل المسؤولية لثوار السلفادور ضد الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة الاميركية. وقد اعيد استنساخ هذه التجربة في العراق ايضا بقيادة "نيغروبونتي" الذي كان شريكا في فرق الموت في السلفادور من خلال السفارة الاميركية في الهندوراس.
كان الهدف الرئيس لفرق الموت تحميل بيئة "الثوار" مسؤولية الثورة، وتدفيعهم الثمن لزرع نوع من الفرقة بين "الثوار" وقاعدتهم الشعبية أو بيئتهم الحاضنة.
خلال الحرب الاسرائيلية على لبنان (تموز 2006) كان أحد أهداف التدمير الممنهج للبنى التحتية اللبنانية هو هذا ايضا أي تدفيع البيئة الثمن، الا أن المحاولة الإسرائيلية باءت بالفشل.
بعد حرب 2006 بدا أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت نوعاً من الحرب الناعمة ضد المقاومة في لبنان اتخذت اشكالا اعلامية تركزت على محاولة "تجريم" حزب الله عبر اتهامه بتبييض الأموال تارة، والاتجار بالمخدرات تارة أخرى. الى أن وصل الأمر الى فرض عقوبات اقتصادية ومالية وتشكيل لوائح سوداء بأسماء شخصيات ومؤسسات تدعي أمريكا أنهم يمولون الحزب. ولا غرابة في أن الحملة انطلقت عندما كان "ريتشارد جونز" سفيراً للولايات المتحدة في بيروت (2015-2016) والذي سبق وعمل تحت أمرة بول بريمر في العراق (2003-2004).
من يعيش ضمن بيئة المقاومة يدرك تماماً حجم الخدمات الاجتماعية التي يقدمها الحزب، لكن "زهد" الحزب بالإعلان عن هذه الخدمات أوهم الكثيرين بغياب تلك الخدمات أو على الأقل تراجعها عما كانت عليه عند انطلاقته. والواقع أن اتساع "القاعدة" الجماهرية من جهة، وازدياد حجم الأزمة الاقتصادية من جهة أخرى أظهر أن التقديمات الخدمية تراجعت. ورغم أن قيادة الحزب كانت تدرك حجم الحملة الاقتصادية والاعلامية عليه، الا أن الخطوات العملية لمكافحة "الحرب الناعمة" تأخرت كثيراً.
يصرح الحزب في كل مناسبة أنه ليس بديلاً عن الدولة، وأن البنى الأساسية التي تحتاجها المناطق هي مهمة الدولة أولاً وأخيراً، وأن التقديمات المتفرقة التي تقدم هي تقديمات موضعية ذات طابع آني لا تشكل بديلا عن الحلول الجذرية التي ينبغي أن تقدمها الدولة اللبنانية. نعم ربما يؤخذ على حزب الله البطء في تفعيل العمل البلدي والذي يمكن أن يشكل رافعة إنمائية. ورغم أن صلاحية البلديات لا تساعد في اجراء انماء واسع، الا أن ذلك لا يمنع من العمل على تقديم تشريعات تعزز صلاحيات البلديات من جهة، وايجاد آليات "تحايل قانوية" تسمح للبلديات بالعمل على تغطية الثغرات التي خلفها غياب الدولة وهو ما يعمل عليه.
ومهما يكن من أمر، فمن الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون والتشارك مع الكيان الاسرائيلي والسعودية تتجه الى تصعيد كبير ضد المقاومة، لا سيما في الحروب الناعمة التي ستستهدف ليس فقط قيادات الحزب (استهداف القيادات اقتصاديا غير ذي جدوى وانما يهدف لاستمرار التصويب الاعلامي) بل ستتسع في مراحل لاحقة لتشمل الكثير من البيئة الحاضنة، إنها تشبه ما يسميه الكيان الاسرائيلي "استراتيجية تدفيع الثمن" لكن بقفازات.
وبالعودة الى خيار السلفادور، فاذا كان هدف فرق الموت الاميركية هو استهداف المدنيين لتأليب الرأي العام على "الثوار"، فان ما تمارسه واشنطن اليوم يشبه كثيراً خيار السلفادور، لكن بـ"فرق موت ناعم".
المصدر: جريدة العهد