لمحات عطرة من سيرة سيد البطحاء أبي طالب(ع)

الأحد 20 مايو 2018 - 14:10 بتوقيت غرينتش
لمحات عطرة من سيرة سيد البطحاء أبي طالب(ع)

ويؤيد أن اسمه كنيته ، ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنه كتب في بعض الرسائل : علي بن أبو طالب...

السيد جعفر مرتضى العاملي

إسمه :

قيل إن اسم أبي طالب عليه‌السلام : عمران ، وقيل : عبد مناف ، وقيل اسمه : لقبه.ويؤيد الثاني ما روي من أن عبد المطلب قال :

أوصيك يا عبد مناف بعدي                         بموحد بعد أبيه فرد

وقال :

وصّيت من كنيته بطالب                               عبد مناف ، وهو ذو تجارب .. (1)

وقد سمي عبد مناف ، لأنه أناف على الناس وعلا (2).

ويؤيد الأول ما قالوه ، من أنه قد ورد في زيارة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمروية في بعض كتب أصحابناالسلام على عمك عمران أبي طالب» (3)

ويؤيد أن اسمه كنيته ، ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنه كتب في بعض الرسائل : علي بن أبو طالب (4) إلا أن يقال : إن كتابة الياء في الخط الكوفي تشبه كتابة الواو ..و «قال الحاكم : أكثر المتقدمين على أن اسمه (يعني أبا طالب) كنيته (5).وهناك كلام مطول حول هذا الموضوع ، ذكرنا طرفاً منه في موضع آخر .. فراجع. (6).

صفة أبي طالب عليه‌السلام ومكانته :

كان أبو طالب عليه‌السلام شيخاً جسيماً ، وسيماً ، عليه بهاء الملوك ، ووقار الحكماء ..وقيل لأكثم بن صيفي : ممن تعلمت الحكمة ، والرياسة ، والحلم ، والسيادة؟ فقال : من حليف العلم ، والأدب ، سيد العجم والعرب ، أبي طالب بن عبد المطلب (7)

وكان أبو طالب عليه‌السلام ممن يهابه الرجال ، ويكره غضبه (8)

وقال النويري : «كان أبو طالب حاكم قريش ، وسيدها ، ومرجعها في الملمات» (9)

وهو ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية (10).

وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام :"ما أقول في رجل أبوه أبو طالب ، سيد البطحاء ، وشيخ قريش ، ورئيس مكة؟ وقالوا : قلَّ أن يسود فقير ، وساد أبو طالب ، وهو فقير لا مال له ..وكانت قريش تسميه (الشيخ).إلى أن قال : «.. وهو الذي كفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صغيراً ، وحماه وحاطه كبيراً ، ومنعه من مشركي قريش ، ولقي لأجله عناء عظيماً ، وقاسى بلاء شديداً ، وصبر على نصره ، والقيام بأمره. وجاء في الخبر : أنه لما توفي أبو طالب : أوحي إليه ، وقيل له : اخرج منها ، فقد مات ناصرك» (11)

أبو طالب في كلمات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام :

ثم إنه قد روي عن علي عليه‌السلام : أن نور أبي يوم القيامة يطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار. نور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونوري ، ونور الحسن والحسين ، ونور تسعة من ولد الحسين (12)

وروي أيضاً : أن مثله كان مثل أصحاب الكهف. وأنه كان مستودعاً للوصايا ، فدفعها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (13).

وقال الصدوق : روي أن عبد المطلب كان حجة ، وأن أبا طالب كان وصيه.(14)

وقال المجلسي : بل كان من أوصياء إبراهيم(15).

وفي روضة الواعظين : أن جابراً قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يقولون إن أبا طالب مات كافراً؟!

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جابر ، الله أعلم بالغيب! إنه لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء انتهيت إلى العرش ، فرأيت أربعة أنوار ، فقلت : إلهي ، ما هذه الأنوار؟! فقال : يا محمد ، هذا عبد المطلب ، وهذا أبو طالب ، وهذا أبوك عبدالله ، وهذا أخوك طالب. فقلت : إلهي وسيدي ، فيم نالوا هذه الدرجة؟!

قال : بكتمانهم الإيمان ، وإظهارهم الكفر ، وصبرهم على ذلك حتى ماتوا(16)

أبو طالب عليه‌السلام كفيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قيل: إنه في كفالته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يفارقه ساعة من ليل ولا نهار ، وينيمه في فراشه ، وكان إذا أراد أن يعشي أولاده ويغذيهم يقول : كما أنتم حتى يحضر ابني ، فيأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيأكل معهم فيبقى الطعام (17).

ولما حضرت عبد المطلب الوفاة ، دفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أبي طالب عليه‌السلام ، وطلب منه أن يحفظه فيه ، فقال له أبو طالب :يا أبه ، لا توصني بمحمد ، فإنه ابني ، وابن أخي ..فلما توفي عبد المطلب كان أبو طالب يؤثره بالنفقة ، والكسوة على نفسه ، وعلى جميع أهله. (18)

إني مقتول :

وكان النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أخذ مضجعه ، ونامت العيون ، جاءه أبو طالب عليه‌السلام ، فأنهضه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مضجعه ، وأضجع الإمام علياً عليه‌السلام مكانه ، ووكل عليه ولده ، وولد أخيه. فقال الإمام علي عليه‌السلام : يا أبتاه ، إني مقتول ذات ليلة.

فقال أبو طالب عليه‌السلام :

إصبرن يا بني ، فالصبر أحجى                      كل حي مصيره لشعوب

قد بلوناك والبلاء شديد                               لفداء النجيب ، وابن النجيب

إن تصبك المنون بالنبل تترى                       فمصيب منها وغير مصيب

 كل حي وإن تطاول عمراً                                آخذ من سهامها بنصيب

فقال الإمام علي عليه‌السلام :

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد                     ووالله ما قلت الذي قلت جازعاً

ولكنني أحببت أن تر نصرتي                        وتعلم أني لم أزل لك طائعاً

وسعيي لوجه الله في نصر أحمد                  نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعاً (19)

وقال الإمام علي عليه‌السلام أيضاً بعد ذلك :

وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى                            ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله الخلق إذ مكروا به                              فنجاه ذو الطول الكريم من المكر

وبت أراعيهم وهم يثبتونني                                  وقد صبرت نفسي على القتل والأسر

وبات رسول الله في الشعب آمناً                      وذلك في حفظ الإله وفي ستر

أردت به نصر الإله تبتلاً                                   وأضمرته حتى أوسد في قبري (20)

وحين أَخبَرَ الإمام علي عليه‌السلام أباه بأنه قد أسلم على يد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال أبو طالب عليه‌السلام :أما إنه لا يدعو إلا إلى خير ، فالزمه (21).وقال لولده الإمام علي عليه‌السلام حينما أخبره أنه يريد أن يتبع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :يا ولدي ، تعلم أن محمداً والله أمين منذ كان ، امض واتبعه ترشد وتفلح ، وتشهد (22).

ويقول عليه‌السلام : إنه لما رآه أبو طالب عليه‌السلام هو والنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ساجدين.

قال : افعلتماها؟ثم أخذ بيدي ، فقال : انظر كيف تنصره ، وجعل يرغبني في ذلك ، ويحضني عليه (23)

ثم إنه هو الذي أمر جعفراً وحمزة بالإسلام ، وأمر زوجته فاطمة بنت أسد بأن تسلم أيضاً (24).

الهوامش:

(1) البحار ج ١٨ ص ٢٣٨ وراجع ج ٣٥ ص ٨٣ وراجع المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٣٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٧٨ وحول أن اسمه عبد مناف راجع كتاب : نبوة أبي طالب ص ٧ / ١٢ تأليف مزمل حسين الميثمي الغديري ، ط قم ، إيران.

(2)راجع : إثبات الوصية ص ٤٠.

(3)البحار ج ١٠٠ ص ١٨٩ ومستدرك سفينة البحار ج ٦ ص ٥٥٥.

(4) البحار ج ٣٥ ص ١٣٨ وج ٣٣ ص ٥٢٤ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٢٣٥ ، وعمدة الطالب ص ٢٠ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ١٠٦. فإنه جعل الكنية علماً بمنزلة لفظة واحدة لا يتغير إعرابها.

(5)الإصابة ج ٤ ص ١١٥.

(6)راجع : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ج ٤ ص ١٩٤ ـ ١٩٧.

(7)البحار ج ٣٥ ص ١٣٤. وراجع : الإحتجاج ج ١ ص ٣٤٢ وروضة الواعظين ص ١٠١ والكنى والألقاب ج ١ ص ١٠٩.

(8) سفينة البحار ج ٥ ص ٣١٩ والبحار ج ١٦ ص ١٤ وغوالي اللآلي ج ٣ ص ٢٩٩ والمهذب البارع لابن فهد الحلي ج ٣ ص ١٧٧ والكافي ج ٥ ص ٣٧٥ ط دار الكتب الإسلامية.

(9) نهاية الإرب ج ١ ص ٣٢٤ ط ٢.

(10) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج ٥ ص ٢٩٧ عن السيرة الحلبية ج ١ ص ١١٣.

(11) البحار ج ٤١ ص ١٥١ وراجع إيمان أبي طالب ص ٢٤ وراجع البحار ج ٢٢ ص ٢٦١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢٩ وج ٤ ص ١٢٨ وينابيع المودة ج ١ ص ٤٥٥.

(12) البحار ج ٣٥ ص ٦٩ و ١١٠ عن الإحتجاج وعن الكراجكي.

(13)البحار ج ٣٥ ص ٧٢ و ٧٣ وراجع الكافي ج ١ ص ٤٤٥.

(14) الاعتقادات في دين الإمامية للصدوق ص ٨٥ طبع المطبعة العلمية ، قم سنة ١٤١٢ هـ.

(15) البحار ج ٣٥ ص ١٣٨.

(16) البحار ج ٣٥ ص ١٥ وروضة الواعظين ص ١٠١.

(17) البحار ج ١٥ ص ٣٣٥ و ٤٠٧ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣٥.

(18)راجع : البحار ج ١٨ ص ٢٣٨ والإحتجاج ج ١ ص ٣٤٣ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣٥ ط المطبعة الحيدرية.

(19) البحار ج ٣٥ ص ٩٣ وراجع : المناقب لابن شهرآشوب ج ١ ص ٦٤ / ٦٥ وأسنى المطالب ص ٢١ ولم يصرح باسم (علي) وكذا في السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٤٢ وراجع البداية والنهاية ج ٣ ص ٨٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٤٤ ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج ٢ ص ٣١٢ وتاريخ الإسلام ج ٢ ص ١٤٠ / ١٤١ والغدير ج ٧ ص ٣٦٣ و ٣٥٧ و ٣٥٨ وج ٨ ص ٣ و ٤ وأبو طالب مؤمن قريش ص ١٩٤.

(20)البحار ج ٣٦ ص ٤٦ ، وراجع ج ٣٨ ص ٢٩٢ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٢٣٥ ونهج الإيمان لابن جبر ص ٣٠٩ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٢٣٧.

(21)البحار ج ٣٨ ص ٢٠٧ و ٣٢٣ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣٠١ ط المطبعة الحيدرية وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٠٠ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٥٨ ط مؤسسة الأعلمي.

(22)البحار ج ٣٨ ص ٢٠٧ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣٠١ ط المطبعة الحيدرية.

(23) البحار ج ٣٨ ص ٢٠٦ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٣٠٠ ط المطبعة الحيدرية وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج ١ ص ١٧٩.

(24)ستأتي مصادر ذلك حين الحديث عن إيمانه صلوات الله وسلامه عليه.

المصدر: كتاب ظلامة أبي طالب عليه السلام « تاريخ و دراسة »