السيدة خديجة أم المؤمنين...مآثر شرف و طهارة

الأحد 20 مايو 2018 - 11:47 بتوقيت غرينتش
السيدة خديجة أم المؤمنين...مآثر شرف و طهارة

فمن ذكريات ومناسبات هذا الشهر المبارك وفاةُ السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها ، أفضل وأجلّ زوجات الرسول صلّى الله عليه وآله ، واُمّ المعصومة فاطمة عليها السّلام ...

إنّ تاريخ شهر رمضان المبارك مزدان بمناسبات وذكريات حافلة زادته طراوة وحلاوة ، وهي تُعدّ من اُمّهات الذكريات الإسلاميّة المجيدة ، ومنها ذكرى المرأة العظيمة التي انتفع منها الإسلام والمسلمون ، والمرأة التي بُني لها مجد عظيم في قلب التاريخ ، والتي كانت عاملاً مهمّاً في إثبات مصداقية الرسالة المحمّدية التي أشعلت مصابيح الأمل في قلب الرسول صلّى الله عليه وآله حتّى صارت حجة على كلِّ ذي مال ، وحجة على نساء زمانها وزماننا ؛ عبر علاقتها مع الرسول المصطفى ومواساتها له ، إنها اُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد سلام الله عليها .

فمن ذكريات ومناسبات هذا الشهر المبارك وفاةُ السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها ، أفضل وأجلّ زوجات الرسول صلّى الله عليه وآله ، واُمّ المعصومة فاطمة عليها السّلام ، وجدّة المعصومين الأحد عشر عليهم السّلام ، التي شهد بحقها النبي صلّى الله عليه وآله حينما قال : " ما قام ولا استقام ديني إلاّ بسيف عليٍّ ومال خديجة " . وأضاف الإمام الصادق عليه السّلام : " وصبر أبي طالب وأخلاق محمّد صلّى الله عليه وآله " .

ولخديجة سلام الله عليها مكانة لا نظير لها في تاريخ الإسلام ؛ حيث نالت قصب السبق بإعلان الإسلام بعد الرسول مباشرة ، وكانت أوّل مَن آمن به من النساء ، وهي الزوجة المفضلة على بقية زوجات النبي صلّى الله عليه وآله العشر .

اعتُبرت سلام الله عليها من أغنياء الجزيرة العربية آنذاك ، وقُدّرت ثروتها حوالي 80000 ناقة تجارية ، ولها رحلات إلى الشام وغيرها بواسطة عمّالها للتجارة . وكانت قبل زواجها من النبي صلّى الله عليه وآله يتمنّاها رجالات قريش ، لكنها أبت الزواج إلاّ من الرسول صلّى الله عليه وآله بعد أن عرفت صدقه وأمانته ، وأخلاقه وذوبه في الله رغم الأعوام الخمسة عشر التي تسبق النبي صلّى الله عليه وآله سنّاً ؛ فآوته حينما هجره الأعداء والأقرباء ، وصدقته حينما كذّبه الآخرون ، وأصبح حالها ومالها نذراً للنبي ورسالته ؛ حيث كان زواجها من محمّد صلّى الله عليه وآله بركة وبراً للإسلام ، فدرّت عليه المال الوفير ؛ ممّا جعله في خدمة الرسالة الإسلاميّة ونشر الدعوة .

وتنتمي جذور واُصول السيدة خديجة إلى شجرة باذخة ومساقة من المجد والعزة والشرف ؛ فهي بنت خويلد بن عبد العزى بن قصي ، ولها مع النبي صلّى الله عليه وآله قرابة قريبة ؛ لأنّ قصي هو الجد الرابع لرسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقد اعتنق آباؤها الديانة المسيحيّة التي كانت معتبرة قبل بزوغ فجر الإسلام .

كانت السيدة خديجة سلام الله عليها تاجرة شريفة ، وقد عُرفت بالطاهرة ؛ حيث امتازت في تجارتها بالصدق والأمانة وكسب ثقة عملائها ؛ ومن هنا كانت سلام الله عليها تفتش عن الرجل الأمين لتأتمنه في تجارتها ، فكان من نصيبها محمّد الصادق الأمين ، فبعثت الرسول صلّى الله عليه وآله في تجارة إلى الشام مع خادمها ، فلما رجع النبي صلّى الله عليه وآله من السفر جاءها بربح كثير وخير عميم ، وأخبرها الخادم بأخلاقه وأمانته ، وصدقه وذكائه بعلم التجارة ، وثقة وحب الناس إليه ، فأكرمته وضاعفت له الأجر ، ورأت أن تكون له نعم الزوجة .

ومن حبِّ النبي صلّى الله عليه وآله لخديجة أنّه حينما توفّيت سلام الله عليها ، وذاك بثلاث أعوام قبل الهجرة النبوية ، حزن حزناً شديداً حتّى سمّى النبي صلّى الله عليه وآله ذلك العام بـ عام الحزن ؛ حداداً عليها ؛ وحيث كان لها ذكاء خارق لا يتوفر إلاّ في بعض أفذاذ الرجال حقّ هنا قول الشاعر العربي :

فإن كان النساءُ بمثل هذي            لفُضّلت النساءُ على الرجال ِ
فما التأنيثُ لاسم الشمسِ عيبٌ        ولا التذكير فخرٌ للهلالِ

وكفى باُمِّ المؤمنين السيدة خديجة سلام الله عليها شرفاً أن يبعث الله تعالى سلاماً خاصاً لها ؛ إكراماً لخدمتها لنبيه ولدين نبيه ؛ حيث جاء في الرواية أنّ الله بعث الأمين جبرئيل إلى النبي صلّى الله عليه وآله قائلاً له : يا محمّد ، قل لخديجة : إنّ الله يقرئك السّلام .

فالسيدة الوحيدة التي بعث الله سلامه إليها بعد الإسلام هي خديجة وحدها ، وقالت خديجة في رد سلام الله تعالى عليها : الله السّلام ، ومنه السّلام ، وعلى جبرئيل السّلام .

وهنا تركيز أدبي يشير إلى حصافة وفصاحة خديجة ، فلم تقل وعلى الله السّلام ، بل قالت : الله السّلام . نعم فكيف تبلغ السّلام على الله والله هو السلام ؟ فهي تحمل ملكات وصفات المرأة الكاملة حتّى في بلاغتها وتعاملها مع الله سبحانه وتعالى .

وأمام هذه المواقف الشريفة ، وأمام تعلّقها بالإسلام دفعت السيدة خديجة سلام الله عليها ضريبة الولاء بأبهظ الثمن ؛ فتحمّلت ما تحمّلت من الغربة والوحدة بعد أن هجرنها نساء قريش ، واستمرت هذه القطعية لها حتّى حينما حملت بابنتها فاطمة سلام الله عليها ، فأرسلت إلى بعض نساء مكة أن يأتين ليلين ما تلي النساء للنساء أي مساعدة النساء للنساء حين الولادة ، فرفض نساء قريش ذلك ، وقلن لها : خالفتينا وتزوّجت الفقير محمّداً .

فبعث الله أربعة من نساء الجنة ، هنّ : حواء ، وآسية بنت مزاحم ، وسارة ، ومريم بنت عمران سلام الله عليهنّ ، وقلن لخديجة : نحن رسل ربك إليك . فساعدن خديجة في ذلك ، فولدت فاطمة الزهراء عليها السّلام .

واستمرت قطيعة نساء مكة لخديجة حتّى بعد الولادة ، فشاء الله أن تكون فاطمة لخديجة نعم المؤانسة والمسلّية وهي في بطنها ، وهذا ممّا امتازت به السيدة خديجة سلام الله عليها.
عاشت خديجة عليها السّلام مع الرسول صلّى الله عليه وآله 24 سنة وشهراً واحداً ، وقد ولدت له القاسم وعبدالله الملقّبين بالطيّب والطاهر ، وكذلك زينب ورقية وفاطمة عليهنّ السّلام ، ويقول بعض العلماء : إنّ زينب ورقية كانتا ابنتي اُخت خديجة سلام الله عليها .

توفيت خديجة سلام الله عليها في العاشر من شهر رمضان المبارك قبل الهجرة ، ودفنها الرسول صلّى الله عليه وآله بيده في حجون مكة ، وكان الرسول يذكرها باحترام حتّى بعد وفاتها ؛ حيث ورد عن عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ذكر خديجة لم يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها ، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة ، فقلت : لقد عوّضك الله بأحسن منها ؛ إنها كبيرة السن .

قالت عائشة : فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله غضب غضباً شديداً ، وقال : والله ، لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، وصدّقتني إذ كذبني الناس تذكرة الخواص / 33 .

وهذا شاهد على حقيقة تاريخيّة تدل على تضحيات خديجة سلام الله عليها ، ومالها من دور في تقدم الرسالة الإسلاميّة واتّساعها ؛ فالله تعالى قد جعلها الوسيلة لدعم دينه.
وسيبقى المسلمون دائماً وأبداً مدينون لهذه الطاهرة ؛ حيث كانت مع جهاد علي عليه السّلام عاملين مهمّين لنشر الإسلام وانتصاره .

 خديجة يوم الحشر:

يصف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ورود خديجة يوم الحشر بهذه العبارات البليغة: يأتي لاستقبالها سبعون ألف ملك يحملون رايات زيّنت بعبارة "الله أكبر"

المصدر: شبكة الإمامين الحسنين